بالتأكيد هي ليست مقارنة ، لكن المؤكد أنهما حملا من الأخطاء الكثير ، أخطاء تحالفت أن تكون موجعة للبلد والشعب ، ومن المؤكد أن موروثات ثورة 23 يوليو 1952 كانت لها تأثيراتها بصورة كبيرة على 25 يناير 2011 الذي يحلو لبعض فاقدي الفكر أن يطلق عليه مسمى ثورة . وإن كنت أيضا أضع علامة استفهام كبيرة أمام مسمى ثورة لما حدث في الثالث والعشرين من يوليو عام 52 ، لكن أكتبها من باب التجمل الشكلي ومسايرة للمنطوق اللفظي الذي أُطلق عليها .
لست من أنصار طمس التاريخ سواء كان هذا التاريخ حلوا أو مرا ، لأن الحاضر والمستقبل مهما استجدت فيهما الأوضاع من المؤكد أنهما يحملان من الماضي الكثير أو القليل ، هذا الكثير أو القليل قد يكون مؤثراً أو قليل التأثير ، لكنه في جميع الأحوال يكون موجوداً وخاصة فيما يتعلق بالأوطان تقدماً أو تأخراً ، وهذا واضح بالنسبة إلى مصر التي تأثرت تأثرا كبيراً بكل فترات الحكم منذ يوليو 52 وحتى 30 يونيو 2013 وما تم خلالها من فكر قد لا أستطيع أن أعطيه علامة مميزة وأقول أنه كان فكراً مميزا ساعدنا على الارتقاء ، بل على العكس الأصح أن أقول أنه كان فكرا ينقض بعضه أو يأكل بعضه ، ما أن يقفز للنهوض حتى يأتي بعده ما يبتلعه كحوت كبير يبتلع سمكة صغيرة . أن من لا يعترف بهذه الحقيقة فهو إما أنه لا يستطيع التمييز بين الليل والنهار برغم إبصاره ، أو أنه يعيش تلف عقله غيمة سوداء من جميع النواحي كهولاء الذين يعيشون حتى الآن في خدعة " الناصرية " . البعض يركز على ال 30 عاما التي حكم فيها مبارك على أنها السبب المباشر الذي أدى إلى 25 يناير 2011 وهذا منبعه الفكر الضيق فالحقيقة تقول إن كل ماحدث منذ يوليو 52 كانت له تأثيراته على 25 يناير 2011 وكاد أن يسلمنا إلى فترة سوداء لا يعلم نهايتها سوى الله ، والمؤكد أن مصر لم تكن ستخرج منها حية ولكنها كانت ستسير من موت إلى ميتة أبشع .
إن حلول شهر يوليو الذي دائما يذكرنا بالثورة استدعى فكرة موروثاتها التي سارت عبر هذه السنوات الطويلة متنقلة من فترة لفترة تحمل منها ومعها ما أوصلنا لنقطة الصفر التي ولدت من رحمها . أن خروج الشباب في 25 يناير 2011 إلى الشوارع تعبيرا عن غضبه من الأوضاع السائدة في تلك الفترة ، هو تعبير ناقص لا يُدرك أنها موروثات منذ ثورة يوليو وأن ثورة يوليو 52 لا تستحق التهليل الذي كانوا يهللونه لها ولقادتها بعد أن أثبتت الأيام أنها كانت بداية لمتاعب مريرة سقطت فيها مصر وشعبها وأوصلتنا إلى خط الفقر من جميع النواحي وعلى رأسها الأخلاقيات والسلوكيات التي تحولت تدريجيا إلى نقطة يمكن أن يطلق عليها بسخاء " الهمجية " . ولن أكون متجنياً ويؤيدني في الرأي الكثيرين إذا قلت أن ثورة 23 يوليو أكذوبة ، أكذوبة وَلَدت كل الأكاذيب التي أتت بعدها ، والتي صنعت سلالة من أكاذيب " حكم العسكر " في مصر وسوريا والعراق والسودان وليبيا .
أكذوبة أخذت في التضخم منذ ولدت في «مهرجان يوليو الأول» وحتى الآن لدى البعض وتصاعدت باستخدام الدعاية منذ 17 أبريل 1954 بعد تعيين جمال عبد الناصر رئيسًا للوزراء والتخلص من اللواء محمد نجيب رئيس الوزراء والإبقاء عليه في منصب رئيس الجمهورية الشرفي ، حتى تم اعتقاله في نوفمبر من العام ذاته .
وكان لأساليب الدعاية والتلاعب بالوعي الدور الأكبر للتأكيد على أن ما حدث في مصر ومنذ يوليو 1952 كان ثورة وليس "حركة مباركة " وليس " ثورة الجيش " ، وتم إبرازها على أنها ثورة المصريين التي انتظروها منذ فشل ثورتهم بقيادة أحمد عرابي قائد الجيش المصري في عهد الخديوي محمد توفيق وقد مضت الدعاية إلى أن قائد الثورة الجديدة هو جمال عبد الناصر ، والذي شرعت آلة الدعاية تستكمل صورته كزعيم أسطورة ومحرر العرب ورائد القومية العربية ، وقد تم الربط بين كل هذه الصور وبين شخص عبد الناصر وخاصة بعد انسحاب قوات الاحتلال الثلاثي لمصر في عام 1956 ، واستمرت أكذوبة تحويل الانقلاب العسكري إلى ثورة شعبية ، بفعل رعاية الجيش للأكذوبة وإبقائه عليها، في ظل وجود الشريك الثاني في صنع الانقلاب الضابط عبد الحكيم عامر قائدًا عامًا للجيش المصري منذ يونيو 1953 وحتى يونيو 1967.
لقد استمر التاريخ المصنوع الذي أتى مع انقلاب يوليو الأول عبر إتفاقيات غير مسبوقة ، وشمل شراء الأقلام الداخلية والخارجية في كافة أنحاء العالم ، من أجل خلق صورة مغايرة للحقيقة الأولى الأساسية والتي كانت تكشف أن 23 يوليو1952 هو الجيل اﻷول من "الانقلابات اﻷمريكية" في مصر. وأنه كان هناك ثورة شعبية مصرية حقيقية أجهضها الانقلاب وتدخل التخطيط اﻷمريكي لتصفيتها وأن مفتاح اللغز في تحرك الضباط في 22 يوليو 1952 هو تخطيط المخابرات المركزية الأمريكية في منع الثورة الشعبية من الحدوث في مصر ومنها إلى باقي المنطقة العربية وهي الثورة الشعبية التي بدأت فعلاً في عام 1951 بثورة الفلاحين في تفاتيش الملك الزراعية والتي استولى فيها الفلاحون على قرية الإقطاعي البدراوي عاشور والتي أججتها العاطفة الوطنية والتي بعدها خرجت الأوضاع عن السيطرة ، حتى وقوع الانقلاب العسكري في يوليو 52 . وهنا برز دور وزارة الإرشاد القومي وهي وزارة الدعاية التي اختلقها نظام يوليو، لتجعل من تحرك أقل من تسعين ضابطًا من بين ضباط الجيش المصري البالغ عددهم حوالي خمسة آلاف ضابط ، مع أقل من ثلاثمائة جندي وصف ضابط ، من بين قوات جيش الذي بلغ تعداده حوالي 60 ألفًا من الضباط والجنود، أقول لتجعل من هذا التحرك الانقلابي المحدود " ثورة " لإحداث تغيير في نظام الحكم القائم في مصر وقتها، في حين كان بعض من تحركوا من الضباط لا يعرفون الهدف النهائي من عملية التحرك ، ولقد كان هذا التحرك معروفًا مسبقًا للمخابرات البريطانية التي كان تغلغلها داخل الجيش المصري كاشفًا لأدق أسرار حركة الضباط ، ولكن تدخل المخابرات الأمريكية المخادع للإنجليز، منع الإنجليز من التدخل لإجهاض الانقلاب ، باعتبار ما يحدث شأنًا داخليًا وأمرًا يتعلق بالجيش المصري ومطالب ضباطه ، بل صورت المخابرات الأمريكية للبريطانيين أنه يمكن الاستفادة من الانقلاب بالحصول من حكم الضباط على ما لم يتمكن الإنجليز من الحصول عليه من الملك فاروق .
وهكذا تحرك الضباط لإحداث "ثورتهم العسكرية" بمعاونة وتشجيع رجال من المخابرات الأمريكية في القاهرة وبمعرفة مساعد الملحق العسكري الأمريكي منذ يوم 14 يوليو1952 وكان هذا اليوم هو اليوم الذي صدر فيه قرار القائد العام للجيش الفريق محمد حيدر بحل مجلس إدارة نادي ضباط الجيش، وكان قرار حل مجلس إدارة نادي الضباط هو ما قصد به أن يكون محفزًا لحالة تذمر تحدث داخل الجيش ولصنع حالة فوضى تتحرك تحت ساترها مجموعة تنفيذ الانقلاب .
وبعد حدوث الانقلاب تكشفت لباقي ضباط الجيش حقيقة وقائع الانقلاب وأنه عندما تحرك الضباط التسعون كان بعضهم قد أعد لنفسه في حالة فشل الانقلاب خطة هروب بطائرة تحملهم إلى سوريا حيث يستضيفهم رئيس الانقلاب السوري الحاكم اللواء أديب الشيشيكلي. كان تحرك ضباط الانقلاب في يوليو 1952 قد حصل على المباركة الأمريكية قبل الانقلاب بأربعة شهور عندما تقابل مندوب عن مجموعة الانقلاب مع روزفلت مسئول عمليات المخابرات الأمريكية في الشرق الأوسط في شهر مارس 1952 وأن تحرك ضباط الانقلاب في نهار ويوم الثلاثاء 22 يوليو كان معلومًا لرجال في القصر الملكي ، وللعميل المزدوج وزير الداخلية أحمد مرتضى مصطفى المراغي، ابن شيخ الأزهر الراحل والـذي كان هو رجل المخابرات الأمريكية الفاعل في الوزارة والقصر الملكي ، وكان مرتضى المراغي في نفس الوقت هو الرئيس الفعلي للتنظيم الحديدي المسئول عن حماية الملك فاروق وكان هو الخائن الأول في تنفيذ العملية الأمريكية للإطاحة بالملك فاروق، كان تخطيط وزير داخلية الملك فاروق أن يكون هو البديل للنظام الحزبي بحكومة عسكرية يشترك فيها بعض ضباط الانقلاب وعلى رأسهم اللواء محمد نجيب والذي كان من المرتب له أن يكون وزيرًا للحربية والبحرية لفترة محددة يتم تصفيته بعدها ، ليتم تصعيد آخر من بين الطامحين من ضباط الجيش .
هذا هو بعض ما تكشف من حقيقة التغيير الذي حدث في مصر في فترة نهاية عهد أسرة محمد علي والذي يمثل بعضًا من الرواية المحجوبة، فقد كان هناك دائمًا قصة أخرى وقد عمد المستفيدون أن يظل "يوليو الحقيقي " غائمًا مرويًا على غير حقيقته ، وقد تم في الرواية "الانقلابية" صنع بطولة مبالغ فيها ومجد زائف لبعض الأشخاص في سلطة الانقلاب تم صناعته بجبروت السلطة ، رغم أن أدوارهم الحقيقية كانت متناقضة وعندما تكلم بعض الضباط الذين شاركوا في الصورة الدعائية انطلقت أكاذيبهم ورواياتهم ، ولم يكن فيهم أحد صادقًا: كل تكلم لمصلحته الشخصية وكل تكلم مبررًا أو مدافعًا عن جرائم أو أخطاء ارتكبت، ورغم كل هذه السنوات التي مضت على حدوث الانقلاب ، ما زالت الأحداث الحقيقية لثورة بعض ضباط الجيش في 23 يوليو 1952 لم ترو، وإنما ما طالعناه هو الرواية الدعائية الزائفة ، الرواية التي صنعتها أجهزة الدعاية السلطوية العسكرية والتي استعانت بالخبرة الأمريكية لصنعها في السنوات الأولى لحركة الجيش " الإنقلابية " .
ولم تكن أجهزة الدعاية فقط في سنوات الانقلاب الأولى هي المتلقي الوحيد لخبرة أجهزة المخابرات الأمريكية ولنصائح الخارجية الأمريكية ولسفيرها في مصر جيفرسون كافري، بل غطت هذه النصائح كافة مظاهر الحياة السياسية والعسكرية والاقتصادية في مصر ، والآن بعد أن مضت سبعة وستون عامًا على انقلاب يوليو الأول يبقى السؤال مطروحًا: هل استفادت مصر حقيقة من تحرك ضباط في الجيش المصري، في مساء يوم الثلاثاء 22 يوليو 1952؟! .
الحقيقة أن بعض الضباط من بين الضباط التسعين ، كانت نواياهم مخلصة في التحرك، وكان يعنيهم منذ نهاية حرب 1948 مصير مصر وأن الحياة في مصر مختلة من ناحية العدالة الاجتماعية ، ولكن كان من بين الضباط التسعين من كان الاستيلاء على السلطة بالنسبة لهم مغامرة مرغوبة ، وهؤلاء هم من بقيت السلطة في أيديهم إلى نهاية جمهورية جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970، بل إن بعضهم كمل العمل مع أنور السادات رغم انقلاب السادات الخاص به والذي بدأ في مايو 1971، واستمر حتى اغتياله في 6 أكتوبر 1981 وعلى مدار فترة تحكم العسكريين في السلطة في مصر والفاتورة الناتجة عن هذا التحكم باهظة التكاليف ، أدخلت مصر في أنفاق مظلمة وكان يمكن أن يكون الطريق مختلفا تماما عما حدث لو كانت طبيعة الحكم مختلفة أو كان ما حدث في يوليو1952 ثورة شعبية حقيقية .
موروثات ثورة 23 يوليو وتأثيراتها على 25 يناير
******************************************************
ذكرت سابقاً أن البعض يضع ما حدث في 25 يناير 2011 على أنه النتيجة الحتمية لسنوات حكم مبارك وهو في الحقيقة نتيجة حتمية لفترة طويلة الأمد بدأت منذ ثورة يوليو 52 وما تلاها من أحكام لم تكن في محلها أو تشبعت بالانتقام والأحقاد لينتقل الحكم إلى الفترة التي تليها وهي فترة حكم السادات الذي عظمناه كبطل للعبور ولكن بعد ذلك أسلم البلد لفقر كئيب طال الطبقة المتعلمة بالكامل والأشر أنه أدخل البلد في فتنة طائفية انتهت بمقتله في السادس من اكتوبر عام 81 ، وباختصار كانت سياسته أحد الأسباب التي ساعدت على المضي في النفق المظلم ، ثم تسلم الحكم مبارك وإن أردنا الحقيقة فأن فترة حكمه التي امتدت إلى ثلاثين عاما كانت أقل قساوة على البلد والشعب من الفترتين السابقتين ، أما عن طول فترة حكمه أقول أن عبد الناصر والسادات لولا أنهم رحلوا من الحياة لكانت فترة حكمهم امتدت وامتدت ، والنقطة المهمة التي أود أن أشير إليها هو أن رجال الثورة كلهم كانوا من الإخوان أو على اتصال وثيق بهم ولولا محاولة الأخوان حشر أنفهم في الحكم وما تبعها من محاولة اغتيال عبد الناصر في الأسكندرية على أيديهم سواء كانت حقيقة أو مدبرة ، ما امتدت يد عبد الناصر بالشر إليهم ، نعم لقد كان الأخوان حاضرين بقل قوتهم في كل فترات الحكم السابقة سواء بصورة ظاهرة أو متوارية بل وكل التيارات الدينية المتشددة والمتطرفة كانت تكمن في جحورها منتظرة الفرصة ، وكل هؤلاء قفزوا ليبتلعوا حركة الشباب في 25 يناير التي لم تكن تهدف سوى لأن تغير الحكومة سياستها فاستغلتها قوى الشر الكامنة أو الظاهرة منذ يوليو 52 وابتلعت الشباب الطيب لتفرض وجودها كأسوأ وجود وما حدث معروفا للجميع ولا داعي لأن نكرر ما نعرفه جميعا بأنه لولا ثورة 30 يونيو وهي الثورة الحقيقية لكانت مصر وشعبها الآن في الهاوية .
إن من يطلقون على 25 يناير أسم ثورة هم من حولوها بعد ذلك إلى إرهاب إخواني . حقيقة نحن مطالبون بالإعتذار للتاريخ عن الضلالات والترويجات الكاذبة التي تم ترويجها منذ يوليو 52 وحتى 30 يونيو ، وأن من لا يعترف أن ثورة 30 يونيو جاءت لتصحح مسارات ضالة أخذت البلد والشعب في كل الإتجاهات غير الصحيحة فهو إما أن يكون غير ملماً بالتاريخ أو أنه لا يزال عقله نائما لم يستيقظ بعد ، يعيش في الناصرية أو بطل العبور الذي عبر قناة السويس لكنه فشل في أن يعبر بالبلد والشعب إلى السلام الإجتماعي ، لقد صبوا جام غضبهم على مبارك وفترته لأنهم لم يريدوا أن يتعرضوا لفترات الحكم السابقة منذ ثورة 23 يوليو لأن الكثيرين يقدسون الناصرية حتى اليوم، بالرغم من أن الفترات السابقة كانت تسير في صلب الأوضاع وهي التي ولدت الأفاعي التي نهشت 25 يناير وكادت أن تنهش البلد والشعب .
ندعو الله أن يتنبه الشعب إلى أن مصر الحقيقية بدأت بالفعل منذ ثورة 30 يونيو وأن يحافظ على هذا المكتسب الحقيقي ولا يفرط فيه تحت أي إدعاءات باطلة ، أو هؤلاء الذمرة الذي يسعون بكل جهدهم أن يضعوا مصر بين أيدي الإخوان من جهة والسلفيين من جهة أخرى وتلعب بينهم الجماعات الإسلامية . المثل يقول أن الإعتراف بالحق فضيلة ويجب أن نعترف بالحق بأن أمراض مصر بدأت منذ يوليو 52 .
رجال الثورة يؤدون الصلاة خلف المرشد العام للإخوان
إدوارد فيلبس جرجس
**********************
أخبار متعلقة :