صديقتي الّتي كنتُ أزورها في الصّغرِ كانت جدتها تردد عبارة يا مقصوفة الرّقبة وكنا نضحكُ كلّما سمعناها . ولكن عندما كبرتُ علمتُ سرّ هذا المصطلح الذي تناقلتهُ الألسن عبرَ عشرات السنين لتصف أيّ امرأة تتمرد على القيود والعادات المجتمعية . يعتقد الكثيرون أنّ هدى شعراوي وصفية زغلول كانتا أوّل رائدات التحرر النسائيّ في العصر الحديث لكن لم يلتفت أحد إلى أن محاولات التحرر النسائي كانت سابقة على ذلك بكثير وأن البداية الحقيقة كانت مع زينب البكري وسأحدثكم عنها زينب ذات السّادسة عشر من عمرها هي ابنة الشيخ خليل البكري نقيب الأشراف وشيخ الطريقة البكرية والتي تنتسب لأبي بكر الصديق كان هذا الشيخ حالة فريدة بين المشايخ حيث أبدى تعاونا كبيراً مع نابليون وسلطات الاحتلال الفرنسي ضدّ أبناء بلده فعينه نابليون نقيبا للأشراف خلفا لعمر مكرم الذي فرّ مع انكسار جند المماليك إلى الشام ...
كان الشيخ البكري من مشايخ الصوفية إلا أنّه كان يمتلك صفات ذميمة أبرزها ولعه بالغلمان وحرصه على الشّراب حتى السكر ...
إنّ شيخا بهذه الصفات لم يكنْ ليكترث بالإشاعات التي أحاطت بابنته الصغيره زينب من وجود علاقة آثمة مع نابليون قائد الحملة الفرنسية على مصر وترفها في اللباس كما قيل في ذاك الزمان!
بحسب شهادة عبد الرحمن الجبرتي صاحب كتاب عجائب الآثار في التراجم والأخبار وهو المعاصر لفترة الحملة الفرنسية أن جريرة زينب الصغيرة مخالطة المجتمع الفرنسي المفتوح والعصري فلبست الفساتين والمناديل الملونة والطرح الكشمير وهذا قمة التبرج في هذه العصور!
فالمجتمع الفرنسي كان جذابا للعديد من الفتيات المصريات واللواتي عشن في زمن الجهل والجمود لقرون لا يدرون عن العالم المتحضر شيئا، لقد نقل الفرنسيون معهم صوراً براقة للمجتمع العصري فالنساء الفرنسيات المثقفات والمليئات بالحيوية والنشاط يتجولن في شوارع المحروسة ويشاركن في الحفلات والمناسبات الاجتماعية بأناقتهن الأوربية حيث عهود النهضة، وهو حافز لتقليدهم وخاصة الأثرياء والمشاهير من المصريين، ولكنّ علاقة الأب المشينة مع نابليون دفعت الابنة ثمنها من شرفها وسمعتها في ذاك العصر .. انتهت الحملةُ الفرنسية وخرج الفرنسيون من مصر ليعود العثمانيون مرة أخرى إلى مصر ولتبدأ مرحلة العقاب لكلّ من ساعد الفرنسيين وأولهم الشيخ البكري وابنته زينب ...
ويروي الجبرتي أنّه ” في يوم الثلاثاء رابع عشرينه طُلبت ابنة الشيخ البكري، حيثُ حضر معنيون من طرفِ الوزير العثماني إلى بيت أمها وأحضروها ووالدها، فسألوها عما كانت تفعله، فقالت إني تبت من ذلك ولن أكرره ، فقالوا لوالدها ما تقول أنت؟ فقال: أقول إني بريء منها، فكسروا رقبتها.و ماتت الصبية المسكينة. نقول قصفت الرقبة ايّ كُسرت إلى قسمين والقصف هو إصدار صوت قوي. فهل كانت تستحق هذه المسكينة أن تقتل بهذه الطريقة الوحشية لأفعال كان السبب بها والدها الشيخ الفاجر السكير ومجتمع يعيش في قوقعة العادات والتقاليد .
ومن التاريخ إلى العلم وبحسب موقع fact slides الأمريكي فالمرأة لديها غريزة الاهتمام بمظهرها وشكلها وأن المرأة تفكر في ذلك تسع مرات في اليوم الواحد وهي تستغرق عاماً كاملا في تقرير ما ترتديه يوميا ! والطريف في التقرير أنّ الرجال أوّل من ارتدوا الكعب قبل النساء. لذلك على كلّ امرأة أن تلتزم بعادات وتقاليد المجتمع أو ستلقب بمقصوفة الرّقبة من قبل العجائز ومن يحيط بها من الجهال.
أستاذة راغدة شفيق محمود الكاتبة والباحثة السّورية
د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث مصري
أخبار متعلقة :