بوابة صوت بلادى بأمريكا

أمينة خيرى تكتب: فـتـنــة التـرافـيـــــــك

أن يحدثك عامل الأمن عن التطعيم الذى يصيب الأطفال فى المدارس بالعقم ضمن خطة الدولة للتخلص من السكان، بناء على ما سمعه من جاره عامل البناء الذى سمع من مقاول الأنفار أن صديقه صاحب المقهى أخبره بأن ابنه الذى يمتلك صفحة على «فيسبوك» قال له إن صديقه كتب أن تطعيمات المدارس تصيب بالعقم، فهذا قد يكون مفهومًا.

المفهومية التى نتوقعها من بعضنا البعض فيما يتعلق بالأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعى هى مفهومية مطاطية. فبينما البعض يتوقع أن كل ما يُنشر على «فيسبوك» أو «تويتر» أو غيرهما من المنصات الافتراضية هى أخبار مؤكدة لا ريب فيها، يعرف البعض الآخر أن جانبًا كبيرًا مما يُنشر هو فى الأغلب إفتاءات فوضوية ومواقف عشوائية وآراء ومواقف شخصية معاد تدويرها.

تدوير المعلومات والأخبار المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعى فى أوساط مجتمعية غير مدربة على سبل التأكد من المعلومات، والتنقيب عن الأخبار، وإيلاء الاهتمام للتأكد إن كان المنشور حقيقة أم خيالا، أم خمسة فى المائة حقيقةً و95 فى المائة خيالاً يجرى على قدم وساق على مدار الأعوام القليلة الماضية.

لكن المنطق المهدور فى اعتماد شريحة كبيرة من الزملاء والزميلات من الصحفيين والإعلاميين على تدوينة فيسبوكية أو تغريدة عنكبوتية لتكون نقطة البداية لكتابة موضوعات صحفية وإذاعة تقارير تليفزيونية يبحث عن تفسير وتحليل، لأن الأمر جد خطير.

خطورة أن يتصل صحفى بمصدر رسمى ويباغته بمطالبة فورية للرد على تدوينة فيسبوكية قوامها: «كيف ستواجهون توزيعا لمواد مخدرة ملونة تشبه الحلويات على تلاميذ المدرسة الابتدائية؟»، يسأل المسؤول: «وما مصدر هذا الخبر؟»، يأتى الرد سريعًا: «منشور على مواقع التواصل الاجتماعى». يحاول المسؤول مجددًا الاحتكام إلى القواعد الصحفية: «تمام، لكن من نشر الخبر؟ هل هو مصدر موثوق فيه؟»، يرد الصحفى مؤنبًا المصدر الحكومى: «الخبر موجود فى كل صفحات فيسبوك».

إذن مدى انتشار «الخبر» على صفحات فيسبوك بات معيار المصداقية للبعض من الزملاء والزميلات فى الوسط الإعلامى. ويتعقد الموقف ويتأزم مع استمرار محاولة المصدر الرسمى دفع السائل إلى القيام بواجبه الصحفى فى تقصى المعلومة، فيلمح له بأن «عم حسين البقال» أو «الأسطى فتحى الميكانيكى» أو «الأستاذ عبدالفتاح جارنا فى الدور الفوقانى» لا يمكن أن يكونوا مصادر موثوقة لتدوير المعلومة، ليس إقلالاً من شأنهم أو تقليصًا من مكانتهم، أو حجرًا على حقهم فى التعبير، لكن لأن «من قال لا أعلم فقط أفتى»، ولأن «أعطى العيش لخبازه»، ولأن «خذوا العلم من أهل العلم»، فيُقابل باستهجان واستنكار.

فتنة الـ«ترافيك» وشهوة الـ«لايك» والـ«شير» أصابت العمل الإعلامى بكثير من الوهن، وتحكيم العقل وتغليب المنطق والعودة إلى أبجديات الصحافة باتت أولويات.

أخبار متعلقة :