الأديب الحق هو من يحمل رؤيتة للعالم بحكم انتمائه الثقافي وموقفه الفكري ، وتلك الرؤية يكون لها الأثر في تحديد أنواع التقنيات التي يلجأ إليها الكاتب في إبداعه ، وحينما يكون الأديب منتميا لهذا الواقع المعدوم المقهور ( جمدت شفاهنا وصارت عضوا عاطلا عن العمل ككل أجسادنا؛ نسترخي في القيلولة على ظهورنا فيمرح الذباب، نفتح أفواهنا لما يجودون علينا به، نشكر ونحمد؛ وإلا يكون النفي والحرمان سبيلنا ) (يتوارثوننا كابرا عن كابر، نقبل أياديهم وخصورنا عارية) نجد القاص يجعل من استخدام ( ضمير المتكلم ) قاعدة يرتكز عليها ؛ لأنه وسيلة يقل الكاتب بها مشاعره وأحاسيسه للعالم من حوله كما فعل صاحبنا د. سيد شعبان ذلك ؛ فإذا كان الشاعر ينظر في المرآة أولا ، ويرى ما بداخله ثم يبدع ، فإن القاص ينظر من نافذة ؛ ليرى العالم من حوله ؛ فيرصد ذلك في صورة ممتعة.
إن استخدام ضمير المتكلم سلاح ذو حدين ، قد يوقع القاص في خطأ التدخل في الأحداث ، وقد أبدع كاتبا متجنبا ذلك تماما . وجاء استخدام ( المونولوج ) حيث حديث النفس لذاتها كشفا عن الأحداث ونموها ، وتوقعا لسلوك البطل مستقبلا من خلال الأحداث المتتابعة ( إنها حلوة، لي مقام يحتاجها، هل باعته وأرادت عمودا لخيمتها ) من مبادئ القصة القصيرة الوحدة والتكثيف ، ومن مقوماتها جمع المتانثر في القصة تحقيقا للتركيز المنشود ، وقت وفق الكاتب في تحقيق ذلك فجاءت القصة مكثفة بعيدة عن الحشو ، فلا يمكن حذف عبارة من هذا البناء المحكم . ولعل القارئ يلحظ أن الكاتب ( البطل ) يتحدث عن الناس في ( كفره ) (نتبلع بها في أيام الجوع، نرتديها أسمالا تستر أجسادنا، نلزم الصمت حيث يشوي ظهورنا السوط، نحدث أنفسنا سرا؛ لذا جمدت شفاهنا وصارت عضوا عاطلا عن العمل ككل أجسادنا؛ نسترخي في القيلولة على ظهورنا فيمرح الذباب ) ثم عن مولانا (مولانا صاحب العمامة الخضراء مشغول عن دراويشه، يمنعه أمر من أن ينام الليل، احمرت عيناه، سمن جسده، يأتيه المدد فيصفون دواءه؛ يلتهم ديكا أحمر؛ يعتصر سبعة أزواج من حمام بري؛ كم يتعب نفسه ﻷجلنا ) ثم يعود بنا إلي الناس في كفره مرة أخرى ( الجوعى ألوف تطوف بالخيمة تطلب المدد، تطلب الرغيف، ترجو الشفاء، تحاول أن تنال البركة ) تلك تقنية من تقنيات القصة تسمى ( الاستراجاع الداخلي ) وهو أن يترك الكاتب مستوى القص الأول ليعود إليه كما أشرنا آنفا . أما عن ( الاسترجاع الخارجي ) وهو العودة إلى ما قبل البداية هنا (صوت أمي يرن صداه في أذني" حية تسعى"! ) ونجح الكاتب في استخدام تلك التقنية فحقق الاسترجاع الخارجي و( عنصر المفاجأة ) معا حيث جاءت جملة ( حية تسعى ) تعبر عن صوت يحذر من الخطر ، ولعله هنا رمز لضمير البطل . بقي أن نشير لأمر لفت نظرنا في هذه القصة خصوصا وهو استخدام الكاتب لغة فصيحة لكنها واضحة تتميز بقريها من لغة الجمهور، وهي - في رأينا – مغايرة للغة د. سيد شعبان ؛ فمن أراد أن يعرف لغة الرجل فليقرأ له مقالا نقديا ، والبون شاسع بين اللغة هنا وهناك.
أبدع الكاتب في استهلام المعجم القرآني في ( حية تسعى ) وكذا المعجم الديني ( سبع جمرات ) و ( طفنا بمقامه ثلاثة أشواط ) تلك قراءة سريعة ولا نظنها كافية ؛ فعالم الأمير السردي رحيب لا يحاط به ، وهو فيض لا ينضب .
أخبار متعلقة :