بوابة صوت بلادى بأمريكا

صاروخان و 125 عامِ من الضحكات الصارخة بقلم جاكلين جرجس

 
 
     لعله من الشائع أن في تركيبة الشخصية المصرية الميل لممارسة الفكاهة والتمتع بروح  الدعابة والسخرية ، فنخن شعب ( ابن نكتة ) كما يُطلقون عليه ، مهما نال من الحياة  وعانى من ضيقات؛ فيجد متنفسه الوحيد في السخرية من أسباب الضيق و ضحكة على ظلم الأيام و الواقع الصعب الذى قد يعانيه ،وكأنه يتحدى قسوة الدنيا و مرارة الأيام مجابها إياها و محاربا لها بالابتسامة، مؤكدا أنها لن تقوى على هزيمته ، وعليه فقد شارك شعوب الدنيا وتأثر بفنون  الكاركاتير عندما تعانق رسومها الواقع الصعب أو الأوضاع المقلوبة فتكون ممارسة النقد الساخر بالمبالغات الشكلية في تصوير الملامح والحركة والتعبير لتغني متلقيها عن رسائل خطابية أو مقالات مطولة .
   و بحلول شهر أكتوبر تحديدا فى اليوم الثامن من الشهر تحتفل مكتبة الإسكندرية مع الجمعية المصرية للكاريكاتير وجمعية القاهرة الخيرية الأرمينية العامة، بميلاد الفنان الأرمنى " ألكسندر صاروخان"، أحد رموز الكاريكاتير فى مصر ،  وتأتى هذه الاحتفالية كتخليد لأعماله التى تعتبر جزءًا من ذاكرة المجتمع المصرى وشاهدة على اللحظات السياسية الفارقة فى تاريخ مصر ،و هى إحدى مشروعات مكتبة الإسكندرية لتوثيق الذاكرة الصحفية والتى صدر عنها كتبًا توثيقية لعدد من المؤسسات الصحفية منها أخبار اليوم و روزاليوسف.
   لذلك كان اقل ما يجب تقديمه لهذا الفنان العبقرى احتفالية 125 عامًا على ميلاد صاروخان ببيت السناري التي نظمها مشروع ذاكرة الكاريكاتير، التابع لمؤسسة عبدالله الصاوي للحفاظ على تراث الكاريكاتير المصري، ويستضيفها بيت السناري الأثري بالسيدة زينب التابع لمكتبة الإسكندرية، في الفترة من 14 إلى 31 أكتوبر الجاري.
 و التى أكد فيها د .جورج سيمونيان رئيس مجلس إدارة جمعية القاهرة الخيرية الأرمنية العامة، أن صاروخان هو الواجهة المشرفة للمصريين الأرمن، وأحد أشهر من عملوا في مجال الرسم الكاريكاتيري في الصحافة المصرية والعربية في القرن العشرين، وأن الجمعية أهتمت بإصدرت أكثر من كتاب عن صاروخان وفنه، إيمانًا منها بموهبة صاروخان الفذة، ودوره الرائد في توثيق الحياة السياسية المصرية على مدار أكثر من نصف قرن ، وتضمن حفل الافتتاح كذلك عرض فيلم تسجيلي عن الفنان ألكسندر صاروخان.
   أما حياته كفنان الكاريكاتير ، كانت مليئة بالمصاعب و العراقيل ؛ لكن وجود صاروخان في مصر كان له دورًا كبيرًا في نجاحه وتحقيق طموحاته و احلامه خاصة أن رحيله إلى مصر كان بمحض الصدفة بعدما وقع فريسة شاب من المنصورة، كان قد قابله في فيينا وأوهمه أنه صاحب جريدة كبيرة في مصر واتفق أن يعمل معه رساماً بمرتب كبير وصدق صاروخان الطيب هذا الكلام وركب باخرة إلى الإسكندرية ونزل إلى الميناء ولم يجد أحداً في استقباله وظل يمشي متسكعاً متشرداً في شوارع الإسكندرية واستطاع ببشاشته وخفة روحه أن يتعرف على بعض المصريين في الإسكندرية واقترض منهم أجرة قطار في الدرجة الثالثة إلى القاهرة و هناك ساعده بعض الأرمن إلى أن وجد عنوان صديق لعمه كان يعمل بشركة بترول في القاهرة ؛ فحصل على وظيفة مدرس رسم بالمعهد الفني الأرمني ببولاق براتب جنيهين في الشهر ثم أقنع إدارة المدرسة بإصدار مجلة يرسمها فارتفع راتبه إلى خمسة جنيهات .
   و هنا بدأ الحظ يبتسم له عندما قابل محمد التابعي رئيس تحرير مجلة روز اليوسف في ورشة بريريان وكان هذا اللقاء نقطة تحول مصيرية فى حياة صاروخان حيث كانت روزاليوسف تنشر صوراً كاريكاتيرية على غلافها ؛ و كان فى بداية الأمر يقدم صوره بالقطعة للتابعى الذى كان يعجب بها و ينشرها على الغلاف .
   و فى روزاليوسف كانت رسوماته تتسم بالحركة والحيوية والنكتة اللاذعة وأصبحت حديث مصر كلها لأنها كانت تسخر من الزعماء والقادة وتهزأ من الطغاة ورؤساء الوزراء ، وكانت في بعض الأحيان أشد قسوة من سلسلة مقالات ، وكانت أشهر شخصياته ( المصرى أفندى ) وهو رجل قصير يضع على رأسه طربوش، ويرتدي نظارة ويمسك في يده المسبحة ،و كانت ملامحه وشخصيته تعبر عن طبقة الموظفين في مصر .
   انتقلت ريشة صاروخان من مجلة (روز اليوسف) إلى (آخر ساعة) إلى (أخبار اليوم) التي انضم إليها سنة 1946م وأصبحت صوره تُنقل في مجلات أوروبا وأمريكا وكانت حديث العالم العربي ، وبالرغم من أنه عاش أغلب سنوات عمره فى مصر إلا أنه لم يحظى بالجنسية المصرية إلا بعد أن أتم الستون عاماً ، ورحل عنا عام 1976 ، تاركا ميراثُا من الصور عن أهم فترة في تاريخ مصر .
أما الأن لعلنا نتسأل ما مصير فن الكاركاتير فى مصر هل فرصته فى التربع على عرش الصحافة لاتزال قائمة ؟ هل نأمل بظهور صاروخان آخر بريشته الساخرة المبدعة على صفحات الجرائد و المواقع الالكترونية المصرية ؟!.

أخبار متعلقة :