بوابة صوت بلادى بأمريكا

محيي الدين إبراهيم يكتب : سيدة المسرح العربي سميحة أيوب

إن الحديث عن شخصية فنية بحجم الأستاذة سميحة أيوب يتطلب الرجوع لكثير من الدراسات التي تتناول فنون الأداء إذ أن طبيعة الأدوار التي لعبتها تنوعت بين عدة مدارس تقليدية وطليعية فلا يمكنك أن تتصورها كأحد رواد الواقعية بشتى أنواعها  ولا يمكنك أن تحكم عليها كأحد علامات التعبيرية أو الرومانسية أو حتى العبث والميلودراما , فتنوع أدوارها وتشابك شخصياتها جعلها تخرج من النموذج المعلب لرحابة الإلمام بشتى الطرق والأنواع.

ولدت سميحة أيوب في 8 اذار/مارس من عام 1932 في حي شبرا بالقاهرة وتخرجت في المعهد العالي للفنون المسرحية عام 1953 وتتلمذت على يد رائد المسرح المصري زكي طُليمات. يبلغ رصيدها من الأعمال المسرحية نحو 170 مسرحية، من أهمها «رابعة العدوية» و«سكة السلامة» و«كوبري الناموس» و«دائرة الطباشير القوقازية» و«دماء على ستار الكعبة» وغيرها الكثير.

“سميحة أيوب” بنت شبرا التي دخلت إلى عالم الفن مصادفة حتى أصبحت سيدة المسرح العربي، كرمها الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وكرمها الرئيس السادات، وحصلت على وسام الاستحقاق من الدرجة الأولى من الرئيس السوري حافظ الأسد، وهو الذي منحها لقب “سيدة المسرح العربي” وكرمها الرئيس الفرنسي “جيسكارديستان” ومنحها رتبة فارس، وذلك لأن “سميحة أيوب” تعد الممثلة العربية الوحيدة التي استطاعت أن تقوم بأدوار متعددة على المسارح العالمية، بل مسارح العالم العريقة، هى بائعة الورد وسيدة المسرح التي أصبحت الآن أيقونة في فنون المسرح والسينما والتليفزيون بفضل إبداعها الفني الذي لايضاهى.

دخلت الفتاة الصغير “سميحة” عالم التمثيل في سن 14 سنة حين ذهبت مع صديقة لها معهد التمثيل بعدما أعلنوا في الراديو عن طلب آنسات لمعهد الفنون المسرحية، – الذي كان يطلق عليه معهد التمثيل آنذاك – وقبل أن يطردوها نظرا لصغر سنها، سألها جورج أبيض: هل تحبين التمثيل؟، فقالت دون تردد “نعم”، فأدخلها كطالبة مستمعة حتى تصل لسن 16 سنة لتصبح نظامية، وتنحرط في الدراسة الأكاديمية لتصبح ممثلة محترفة فيما بعد.

وحين أبدت استعدادها لممارسة مهنة التمثيل لخالها فإنه قد شجعها على ذلك، حيث كان شاعرا وخريج جامعة “السربون”، وبالفعل أتي لها ببعض مدرسي اللغة العربية لتعليمها أسس وقواعد اللغة، وذهب بها خالها إلى معهد التمثيل واستقبلها زكي طليمات هذه المرة بعد أن كان رفضها في أثناء ذهابها مع صديقتها في المرة الأولى، وكان لجنة الاختبار تتكون من (جورج أبيض ومحمد حسن الشجاعي والدكتور محمد صلاح الدين الذي كان وزيرا للداخلية)، كل هؤلاء كانوا في اللجنة.

وعلى الرغم من تجاهل الفنان الكبير زكي طليمات لها في المرة الأولى، إلا أنه أعطاها بعد أسبوعين من حضورها – كمستمعة – قطعة لحفظها وفي اليوم التالي ذهبت وأسمعته إياها فقال لي لأول مرة يخونني ذكائي، ونبهها لضرورة الحضور لمكتبه بعد انتهاء دروسها، وعندما ذهبت له في مكتبه فاجأها قائلا: لقد أحضرت لك قرار استثنائي من وزرة المعارف كي تكوني طالبة نظامية.

عملت مع أربعة مخرجين عالميين هم الروسى (رسلى بلاتون) وقدمت معه مسرحية أنطون تشيكوف الخال فانيا , والألماني (كورت فيت) وقدمت معه مسرحية برتولد بريخت دائرة الطباشير القوقازية ,  والفرنسى (جان بييرلاروى) وقدمت معه مسرحية جان راسين فيدرا , والانجليزي (برنارد جوس) وقدمت معه مسرحية وليم شكسبير انطونيو وكليوباترا.

من خلال كتابها “ذكرياتي” حيث تقول: “جاء سارتر إلى مصر بدعوة من جريدة (الأهرام) وكان المسؤول عن الدعوة الأستاذ محمد حسنين هيكل رئيس تحرير (الأهرام) في ذلك الوقت… وقالوا لي: سوف نغلق مسرحية (الإنسان الطيب) في يوم مجيء سارتر، لأنها معروضة خصيصاً له، فرفضت إغلاق المسرح، وقلت: لا، سوف أعمل في (الندم) الماتينيه، وأذهب إلى سواريه (الإنسان الطيب).

وجادلني كثيراً في هذه الجزئية أستاذنا الكبير توفيق الحكيم الذي كان يشعر ساعتها أنه أنجبني وأنني ابنته التي يفتخر بها، وقال لي: (ليه يا سميحة، دي ليلة عرسك، يجب أن تقضيها مع ضيوفك، ونحن أقمنا حفلاً كبيراً بهذه المناسبة وأنتِ العروسة)… فقلت له: اعذرني، وفي زميلاتي وزملائي الكفاية، لأنني لا أستطيع أن أغلق ليلة في مسرح كامل العدد”.

وتضيف سيدة المسرح العربي قائلة : وآه، لو كان يعلم أنني أردت أن أذهب فوراً بعد الماتينيه الذي سيحضره سارتر حتى أتجنب أي نقد أو وقاحة، كما قال كلود استيه، ويوم العرض وأنا أسوق عربتي، وفي طريقي إلى المسرح، قلت في نفسي: (يعني إيه سارتر، لقد عرضت هذه المسرحية لجمهور بلدي مصر، وقد أعجب بها هذا الجمهور أشد الإعجاب، فما قيمة سارتر إذا أعجبته أم لم تعجبه؟).

وجاء مدير المسرح يقول لي: اتفضلي يا مدام، ويا للهول – على رأي يوسف وهبي – أصابني الهلع لدرجة أنني كنت أسمع دوي دقات قلبي، ودخلت إلى خشبة المسرح، مشهد لم تره عيني من قبل، وأزعم أنها لن تراه أبدا بعد ذلك… المسرح مكتظ بالمثقفين والمسؤولين والصحافيين، ولا موضع لقدم من أعلى التياترو إلى الوقوف في الترهات حتى وصل الزحام إلى خشبة المسرح، وجسدت دوري كما جسدته من قبل، وانتهى العرض، وإذا بسارتر وسيمون دي بوفوار يصعدان إلى المسرح، وسارتر يقبلني ويقول لي: (أخيراً وجدت إليكترا في القاهرة).

بقى القول الأخير بأن الفنانة القديرة سميحة أيوب تولت العديد من المناصب الإدارية، ومنها مدير المسرح الحديث، وظلت مُتمسكة بالوصول إلى إدارة المسرح القومى حتى أصبحت مدير المسرح القومى لمدة ١٤ عامًا، وأطلق اسمها على أهم قاعات المسرح بعد ذلك، كما حصلت الفنانة على العديد من الجوائز، وتم تكريمها محليًا وعالميًا، وكرمها العديد من الرؤساء تقديرًا لمجهوداتها الفنية – فكما قلنا من قبل – كرمها كل من الزعيم جمال عبدالناصر، ومحمد أنور السادات، والرئيس السورى حافظ الأسد هذا بالإضافة إلى مجموعة أخرى من التكريمات التي تجعل منها – أمد الله في عمرها – أيقونة مصرية عربية خالصة في المسرح والسينما والتلفزيون.. فتحية تقدير واحترام لسيدة المسرح العربي “سميحة أيوب.

أخبار متعلقة :