بوابة صوت بلادى بأمريكا

كيسٌ مليء بالحيّات قصة: مراد ناجح عزيز

 
 
يستأثر ..
الزحام في هيئته (الحفلات العامة, الأفراح, وسائل المواصلات) بأكبر قدر من رغبات أصاحب النفوس المريضة من الشواذ واللصوص, مرتادي حافلات النقل العام مثل القطارات والمترو والأتوبيسات, وصل متأخرًا قاطعًا مسافة طويلة في الجري حتى تعلّق بكلتا يديه في الباب مخترقًا الواقفين, ذو هيئة بسيطة, يرتدي قميصًا وبنطلون جينز, تعلو رأسه نظارة سوداء, كان سريع النظرات يمينًا ويسارًا, ظننته في بادئ الأمر احد المراهقين, يتوسّط الوقوف ممسكًا بأحد الأعمدة الحديدية, تابعتُ قراءتي لأحد الكتب كطريقة سحريّة للهروب من الزحام وعراك البعض حول إيجاد مساحة للوقوف في مكان آمن, سريعًا عُدت لمتابعته حتى أهزم فضولي حول ما يحدث فلم أجده, فقط سمعت من ينتفض صارخًا: محفظتي محفظتي, رأيته من خلال زجاج النافذة يجري كمن يريد أن تنشق الأرض وتبتلعه, أغلقت كتابي وأنا أستمع لضجيج وثرثرات مَن حولي, يضرب بعضهم كفًا بكف, وبعضهم يرمي اللص بأشد عبارات السخط.
خطوات قليلة على نهاية الشارع, زحام وضجيج أصوات, صراخ يأتي من مستشفي قريب, سيّدات متّشحات بالسواد على موت عزيز لديهم, رائحة العرق والرطوبة تكاد أن تسيطر على البقية الباقية من الهواء, أحاول استعادة حالتي المِزاجية إلى ما قبل, كأن يكون اليوم إجازتي , اخلد للنوم كعادتي طويلًا, أو منشغل بقضاء بعض حاجيات البيت أو بكتابة قصّة تحتل فضاء ذاكرتي, أو أن يكون الأتوبيس في هذا اليوم فارغًا من الركاب, أو .. أطلت النظر إليه, أحَسّ بنظراتي, أدار وجهه قليلًا ثم عاد وسألني: بتشبه عليّا يافندم؟ أخبرته دون خجل: نعم, للتّو تحرّرت خيول دموعه في سباق على وجنتيه, أعتقد أنيّ لمست جرحًا داخله أو أن ضوءًا تسرّب إليه من أول نافذة فُتِحت له وأطلقت لجناحيه عنان السماء, راقصًا بين النجوم, دق قلبه لأول مرّة دون خوف ولكنّها دقّات تملأ صدره فرحًا, يا لها من مفاجأة تلك التي عصفت به, لأول مرّة خانته وارتعشت يداه وكأنّه أراد أن يضعها داخل كيس ملئ بالحيّات والعقارب, وهو الذي طالما تباهي أمام أصدقاؤه من اللصوص بخفّة يده وبراعته, لأوّل مرّة يرى في البشر من يستحق العطف ويرى في العمر من تَستحقُ الحياة من أجلها, لأول مرّة لا يطيق تحقيق نصر زائف بأوجاع الآخرين, تعوّد أن يعيش كالطفيليّات على فتات الآخرين, فكّر في قطع يده, لكن ملمس يديها في يديه تذكره بالحياة وبريقها, فكّر في الهروب من حبه, لكنّها كالوطن كانت تحفر في ضلعيه بسكّين, وجَدْته والكلمات تسقط صرعى من بين حشرجات صوته المكلوم, ربتُّ بيدي على كتفه وقد انحني في بكاء شديد, قاطعه صوت: أخر محطّة هنا يافندم, تنبهت لإغفاءة عينيّا قليلًا وأنا مازلت بملابس العمل مستلقي على الكرسي أمام المروحة, أمسح بيدي بعض الدموع, إنّه الحُب وما يفعله بنا, يحطّم الصخور, يقطع يد السارق, يحيل ملوحة البحر إلى ماء عذب ويرسم خارطة أخرى لتاريخ البشر .  
 
 
 
 
 

أخبار متعلقة :