بوابة صوت بلادى بأمريكا

القصة الشاعرة وأجيال الإبداع (2) بقلم عمرو الزيات

نعم فعل ذلك صاحبنا، وصحيح مثله أيضا، أن كثيرًا من هؤلاء المبهورين قد حاولوا اقتفاء أثر الرجل؛ إثباتًا لمقدرتهم؛ بيد أنهم لم يستطيعوا لذلك سبيلا، وفي ذرعنا أن نقول: إن فن القصة الشاعرة من أصعب الفنون إبداعًا، ولا يقوى عليه إلا طائفة معينة من الشعراء المبدعين؛ فأما أنه صعب فصحيح، ووجه الصعوبة فيما يبدو لنا، أن الملكة وحدها لا تكفي، وأنه لا يمكن تجاوز الأداة التي يتسنى بها للملكة أن تظهر وتتبدى، ولكل فن أداته؛ فأداة الموسيقى مثلًا الأصوات المؤتلفة أو المتسقة أو المتجاوبة التي تلائم المعاني المقصودة وتصورها في نفس السامع على قدر ما يدخل في طاقة الصوت أن يفعل ذلك، وأداة التصوير الألوان من بسيطة ومركبة أو متزاوجة، وأداة القصة الشاعرة تأليف الكلام على نحو يفيد القارئ أو السامع معاني الجمال أو الجلال التي يراد العبارة عنها، فليس الأمر قاصرًا على نظم تفعيلات لا يربط بينها رابط تقص حكاية ما، إنما خلاصة الأمر أن كل كلمة أو  تفعيلة لها دور في بناء القصة الشاعرة التي تنبع من عنصر القص معتمدة على التدوير ، ثم تأتي تقنية التضمين للربط بين التفعيلات والجمل ربطًا لغويًا ونحويًا وشعوريًا، محققة موسيقى خاصًة في شكل مكثف، تحمل كل لفظة من ألفاظ هذا البناء دلالات عدة، يفرزها السياق أو المسرح اللغوي الذي تُبني عليه القصة الشاعرة.
إن ما فعله محمد الشحات محمد هو التجديد،  و" إذا أوجزنا قلنا: إن التجديد هو اجتناب التقليد، فكل شاعر يعبر عن شعوره ويصدق في تعبيره، فهو مجدد وإن تناول أقدم الأشياء، هل شيء في هذا العالم الأرضي أقدم من الشمس؟ إن الذي يصفها اليوم صادقًا في وصفه غير مقلد في تصويره مجدد تام التجديد، وإن لم يأتِ بكلام جديد.
هكذا تجدد الشمسُ النهارَ، ويجدد الأرضَ الربيعُ، ويجدد الشبابَ الأملُ والحبُّ جيلًا بعد جيل. 
وليست الدنيا عتيقة بالية؛ لأنها تأتينا كل عام بربيع كالربيع الذي تقدَّمه، وليس الشاعر عتيقًا باليًا؛ لأنه يأتينا بذلك الربيع كما جاءت به الدنيا في حينه، موصوفًا على الصورة التي عهدها آدم في جنة الفردوس، ثم عهدها أبناؤه في جناتهم على هذه الغبراء؟ فالتجديد — في كلمتين — هو اجتناب التقليد.  
وفي الحقل الأدبي عمومًا يرتبط مفهوم (الأجيال الأدبية Literary Generations) أو (الحِقَب الأدبية) بالدلالة العامة على التقاء مجموعة من الشعراء أو الأدباء أو المفكّرين حول مجموعة من الصفات والأفكار المشتركة التي تجمعهم تحت اتجاه أدبي واحد، ومن خلال هذا الاتفاق حول الفكرة، والتفاف عدد من الأدباء حولها يمكن الحكم على هذا الاتجاه أو غيره بالبقاء والخلود.

أخبار متعلقة :