يا حضرات المستشارين
قضيتنا اليوم هي قضية الحق
وقد ظهر الحق وزهق الباطل
إن المتهم الماثل أمامكم خلف القضبان الحديدية
مجرم أثيم وقاتل زميم
اعتدى على الشرف والفضيلة التي يحكم بها القانون
قتل حقوق الإنسان التي تكفل بها مجلس الأمن
قتل الحرية الشخصية والحرية العمومية
قتل الأخلاق .. قتل الشرف
عامدًا مستعمدًا
أطلب من المحكمة على هذا المجرم بالإعدام شنقًا مع سبق الإصرار والترصد
-----------------------------------------
بكل تلك البلاغة الإنسانية ، وبحروفه الخاصة جدًا ، والإدراك اللوذعي بكل الحيل والأعراف القانونية ، وامتلاك مهارات الأداء الخطابي المؤثر الساخن الساخر ، والإتيان بعظيم الأدلة وساطع البراهين كانت مرافعة كبير ظرفاء زمانه الكوميديان الرائع الراحل " عبد الفتاح القصري " بلغته الاستثنائية وعيناه التي بها حول مُتوه كما هي حروف كلامه أمام محكمة وقاض أظنه لولا هيبة وجلال المنصب الذي يمنعه من الضحك لفعلها وله كل العذر أمام شخصية " أبو العريف " الذي قام بتشخيصها بروعة وأداء ساخر نجمنا المصري " القصري " ، والذي حلت بالأمس القريب 8 مارس ذكرى وفاته بعد رحلة حياة عاش عبر أيامها الهزيمة والنجاح ، والارتفاع والسقوط .. المجد والشهرة والنكران وخيبة الأمل .. ابتسامات القدر وسوء البخت .. الثراء والعدم ..
نعم ، عاش " القصري " كل متناقضات الدنيا بحدة ووتيرة وقوعها وقسوة تبعاتها .. ولكن في النهاية ترك لنا على أرض الشقاء ميراثًا عظيمًا من تراث إبداعاته من مُفجرات الضحك ومانحات السعادة ما جعلها باقية حتى في زمن الفن الملون ..
بمجرد ذكر اسمه في أي مناسبة يتبادر إلى الأذهان العديد من أسماء الأعمال والقفشات المضحكة ، ما بين " الباز أفندي ده راجل أنا نفسي اتمناه " ، و" دي ست دي ولا ست أشهر" و" يا صفايح الزبدة السايحة " ، وغيرها من " الإفيهات " الكوميدية التي لا يملك المشاهد معها إلا أن يضحك من قلبه ، إنه الكوميديان " عبد الفتاح القصري " الشهير بـ" الريس حنفي أنعم وأكرم " ..
ولكن من المؤسف أن نشهد نهاية درامية حزينة لكوميديان أسعد شعبنا وهو الرجل الطيب خفيف الظل الضاحك دومًا بعد أن غادر مساحات الشهرة والنجومية فغادره الأصحاب وحتى أولاد المهنة عقب فقده لبصره وبعد أن خانته زوجته ، ليموت مكتئبًا وحده في دنيا لم يعهدها بهذه القسوة وكأنها تعامله بالمثل فتعاقبه على التوقف عن إسعاد الناس حتى لو كان بسبب المرض وغياب البصر !!
وفي سطور موجزة تحكي حياته نتوقف عند العناوين التالية :
• ولد " القصري " في 15 إبريل 1905 وكان والده من الأثرياء الناجحين في تجارة الذهب ..
• درس بمدرسة " الفرير" الفرنسية بالخرنفش ثم التحق بفرقة عبدالرحمن رشدي ثم فرقة نجيب الريحاني ثم بفرقة إسماعيل ياسين ، وهدده أبوه بالحرمان من الميراث لرفضه مهنة التمثيل لكن إصرار " القصري " كان هائلًا ودفعه للتضحية بميراثه ..
• وفي نهاية رحلته الفنية وبينما كان يؤدى دوره في إحدى المسرحيات مع إسماعيل ياسين إذا به يصاب بالعمى المفاجئ فيصرخ قائلاً " أنا عميت " وظن الجمهور أن هذا الصراخ ضمن مشاهد العمل فتعالت الضحكات متفاعلة مع كوميديا فنان بائس ، ولكن إسماعيل ياسين تفهم الأمر فعاونه حتى خروجه من المشهد ..
• وفي البيت كان رد فعل الزوجة قاسيًا ، فطلبت الطلاق بعد إجباره على التوقيع على بيع كل ممتلكاته لها وتزوجت من شاب كان يعطف عليه " القصري " ويعتبره الابن الذي لم ينجبه ..
• داهمت " القصري " المريض بالسكر حالة اكتئاب ، وزاد من الأمر قسوة هدم الحكومة لبيته ، لينتقل للسكن في حجرة كئيبة تحت بير السلم في حي الشرابية وأصيب بتصلب في الشرايين ، وفقدان في الذاكرة إلى أن توفى في مستشفى المبرة في 8 مارس 1964 ولم يحضر جنازته سوى 3 أفراد وأسرته فقط والفنانة نجوى سالم !!
• ومما يذكر في سنوات الطفولة عن يوم تصادف فيه سماع الأب صوت الطفل عبدالفتاح ، وهو يردد :
كريم أم عطية
يخلي البشرة مندية
كأنك لسه مستحمية
كريم أم عطية
يخلي العجوزة صبية
والفلاحة بندرية
وكان تعنيفه لابنه والوصول لفكرة التوقف عن الدراسة والعمل مع والده في محل الذهب ..
• من أقواله :
• مرتبي كان 40 جنيهًا .. والله يعلم أنني ليس لي أرصدة في البنوك
• لأني صريح تقولون إنه لا يعجبني العجب
• كنت أهرب من مدرسة " الفرير " لأجلس مع الفتوات
• أعمل لكي أعيش وأدفع إيجار الشقة وأجرة الترزي وحساب البقال
• أريد صحتي من أجل أن أظل واقفًا على المسرح
• الله يرحمه الأستاذ نجيب الريحاني كان فنانًا نافذ البصيرة ، لقد اكتشف أنني أحب أبناء البلد ، فقد كنت أحب التردد على حي المدبح والجلوس مع الفتوات ، وكنت دائمًا أفضل مشاركة أبناء البلد في الأحياء الشعبية حياتهم ، ومن هنا تسلل إلى وجداني طريقة حديثهم ومشيتهم وحلهم لمشاكلهم ، وقد أسند الريحاني أول دور لابن البلد لي ومثلته بإجادة ، ومن يومها لصق بي هذا الدور ..
• وحول أول مرة وقف فيها على خشبة المسرح ، والتي كانت مع جورج أبيض ، قال : " لا أذكر متى كان ذلك ، ولا أذكر الدور الذي مثلته مع هذا الرجل العظيم ، كل ما أذكره أنه كان مطلوبا مني أن أبكي على المسرح ، وحاولت أن أبكي فجاء البكاء تمثيليًا ، ورأى المرحوم جورج أن هذا تزييف ، فما كان منه إلا أن أجبرني على أن أذرف دموعا حقيقية ، لقد صفعني على وجهي بعنف فبكيت بالفعل ، ولم يعرف الجمهور هل كنت أبكي وأنا أمثل أم كنت أمثل وأنا أبكي " ..
• وعن حياته قبل التمثيل ، قال الممثل الشهير : " كنت لا أعمل شيئًا غير أن أذهب إلى مدرسة ( الفرير ) ، أو قل أهرب منها في كثير من الأحيان وأعود إلى بيتنا ، أو إلى محل الصاغة الذي يملكه والدي في ( حي الصاغة ) ، لقد كانت أمنية والدي أن أتابع دراستي حتى أصبح من علية القوم ، ولكني أحببت ( الصرمحة ) والشقاوة واللعب في الحارة ، ثم أحببت أبناء البلد والفتوات ، وشرعت أقضي الكثير من وقتي معهم ، حتى اهتديت إلى فرقة المرحوم جورج أبيض ، وهكذا بدأت حياتي مع التمثيل ، ثم عملت مع الريحاني ، وظللت أعمل معه لثماني سنوات ، وكان معنا المرحوم عبد العزيز أحمد ، ومحمود المليجي ، وحسين رياض ، ومن قبل هؤلاء عملت مع عزيز عيد ، وكنا جميعا كأننا أشقاء ، نتقاسم الخير ، والشر أيضًا ، كنت سعيدًا ، تصور أن مرتبي كان 40 جنيهًا ! كانت أيام " ..
• وعن رأيه في مسرح الستينيات ، قال " الريس حنفي " إنه يرى أن المسرح كان في عصره الذهبي في عهد جورج أبيض وعزيز عيد ونجيب الريحاني ، مؤكدأ أنهم عباقرة لم يتكرروا ، قائلاً : " كنت أقف مذهولا أمام تمثيل جورج أبيض ، لقد كان قمة ، كان يستولي على المسرح بممثليه وجمهوره ، والويل لمن لا يجيد الدور معه ... المسرح اليوم في عهد الصفيح ، لا وجه للمقارنة بين الآن وعصر المسرح الذهبي ، فين أيام بشارة واكيم ، وأيام ما مثلت في ( سي عمر ) ، و( الدنيا لما تضحك ) ، و(30 يوم في السجن ) " ..
• لعب " القصري " أدوار المعلم ابن البلد الغير متعلم ، لعل من أشهرها دوره في " ابن حميدو " مع الفنان إسماعيل ياسين وأحمد رمزي وزينات صدقي وهند رستم ، حيث لعب دور "المعلم حنفي شيخ الصيادين " وعبارته الشهيرة التي لا زالت باقية حتى الآن " كلمتي لا ممكن تنزل أبدًا " ، حيث لعب دور الزوج المغلوب على أمره أمام زوجته المسيطرة المتنمرة..
• ارتبط عبد الفتاح القصري كثيراً بالفنان إسماعيل ياسين في الكثير من الأفلام منها : " إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين " و" ابن حميدو " و" إسماعيل ياسين في متحف الشمع " ..
• كما لعب في وقت متأخر دورًا مميزاً في فيلم " سكر هانم " مع عبد المنعم إبراهيم وكمال الشناوي وعمر الحريري وزوزو ماضي وحسن فايق وسامية جمال ألا وهو دور " المعلم شاهين الزلط .. "
• قدم القصري شخصية ابن البلد البسيط خفيف الظل صاحب الإفيهات التي لا تُنسى ، وأبو العريف العليم بمواطن الأمور ، كما قدم زعيم العصابة والوصولي وغيرها من الأدوار والتي لم يكن بينها دور بطولة ، ولكن تأثيرها الدرامي كان رائعًا ..
• وكان آخر أفلامه " سكر هانم " ، ومن أعماله الأخرى " المعلم بحبح " و" بسلامته عايز يتجوز " و" شيء من لا شيء " و" سي عمر " و" لو كنت مكاني " و" الأستاذة فاطمة " و" من فات قديمه " و" السوق السوداء " و" معلش يا زهر" و" فيروز هانم " ، و" تعال سلم " و" حماتى قنبلة ذرية " و" بيت النتاش ، و" على كيفك" ، و" عنتر ولبلب " ، و" الآنسة حنفي " و" حسن ومرقص وكوهين " و" إسماعيل ياسين في متحف الشمع " و" ابن حميدو " و" إسماعيل ياسين في مستشفى المجانين " ..
• وبلغ رصيده من الأفلام أكثر من 80 فيلمًا ، وكان آخر أفلامه " سكر هانم " عام 1960 ..
• ومن أشهر المسرحيات التي قدمها : " قسمتي " ، " الدلوعة " ، " الشايب لما يدلع " ، " الجنية المصري " ، " 30 يوم في السجن " ، " ماحدش واخد منها حاجة "..
أخبار متعلقة :