كانت الأطروحات التي ذكرناها في عدد من المقالات بجريدة “البوابة” جميعها تنصب علي "مربط حصان" مشاكل مصر وهو العقل الجمعي المتوارث والذي يجسده الجهاز الإداري للدولة، وذكرنا أن هذا العقل متجمد وقادر علي ابتلاع أي استراتيجية عملية من أي نوع، ومن الأخطاء الجسيمة الذي وقع فيها نظام الحكم هو استخدامه الجهاز الإداري للدولة الحالي في إدارة استراتيجية عمله مما أدى إلى ابتلاع هذا العقل الجهنمي لكل مجهودات التنمية الكبيرة التي لم تحدث عبر تاريخ مصر منذ اختفاء إمبراطورية الأجداد، وقد اقترحت قيام النظام الحالي بعملية تجديد لدائرة صناعة القرار بتكوين مجموعة عمل من شباب الثورة الرقمية في مختلف المجالات تكون مهمتهم توليد جهاز إداري حديث في مدة أقصاها عام.
ولحين حدوث ذلك لابد اتخاذ عدد من الخطوات العاجلة منها كيفية توفير عملة الدولار لتسديد ديون مصر وفوائدها حيث تشير البيانات المتاحة إلى تضاعف إجمالي الديون الخارجية المستحقة على مصر خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغ إجمالي الدين الخارجي بنهاية الربع الأول من العام الحالي نحو 165.4 مليار دولار. ويعادل هذا الرقم نحو 40.3 % من الناتج المحلي الإجمالي للبلاد وتمثل الديون المقومة بالدولار أكثر من ثلثي الديون الخارجية للبلاد، ووفق بيانات "المركزي المصري"، فإنه سيتعين على مصر سداد نحو 32.8 مليار دولار والتي تعادل نحو 20% من إجمالي الديون الخارجية للبلاد، ديون متوسطة وطويلة الأجل مستحقة خلال 2024.
والآن لابد من تحديد مصادر دخل الدولار ومصادر مصروفاته ووضع استراتيجية عمل قائمة علي تحجيم وتقليل مصادر الصرف وتجويد وتوسيع مصادر الدخل، فمصادر الصرف التي يمكن النظر والتعامل معها تتمحور في أي رواتب من أي نوع داخل الدولة وجميع سلع الاستيراد التي لا تدخل في مستلزمات الصناعة أو الأمن الغذائي، أما مصادر الدخل فتتمثل في تحويلات المصريين بالخارج والسياحة وقناة السويس، وعلى إثر ذلك أقترح إصدار قرار بعدم صرف الرواتب بعملة الدولار إلا لموظفي شركات الاستثمار الخارجية، مع الاستعانة بالخبرات المصرية أولاد الثورة الرقمية الذين يعملون في الخارج مكان الجنسيات المختلفة أصحاب الوظائف داخل مصر، مع منع استيراد أي سلع تكميلية بعملة الدولار من الخارج.
أما مصادر الدخل فقد كتبت عددا من المقالات وتناولت بعض الأفكار لتوفير تلك العملة، وللأسف تم تبني أفكاري من بعض الوزارات والجهات وطرحها كأحد بنات أفكارهم دون الإشارة إلي مصدر الاقتراح، ومن ضمن ما اقترحته هو شركة مساهمة مصرية للعاملين بالخارج لنطرح عليها الأصول التي تمس الأمن القومي والشركات المتنوعة التي تمثل مرتكزات الاقتصاد المصري للأجيال القادمة.
وما اقترحته وأجزم أنه مفتاح سريع وقوي لحل مشكلة الدولار هو قيام أفرع للبنوك المصرية في دول الخليج وخصوصًا المملكة العربية السعودية لطرح منتجات تمويلية وأذون خزانة وشهادات استثمار.. ولكن.. قد ذكرت أن البنوك المصرية لا تملك عوامل الرقمنة ولا احترافية العمل المصرفي، ولذا وضعت شرط إن لا تأتي تلك البنوك إلي الخارج إلا بعد إن تصل إلي درجة من التقدم تساير بها البنوك الخليجية في الحوكمة والرقمنة، وألا تعتمد تلك البنوك علي العنصر البشري المصري الذي هو ابن الداخل، مع وضع استراتيجيات العمل بالاعتماد علي المصريين الذين يعملون في الخارج أصحاب هذا التخصص، وللمعلومية أعمل أنا في أحد البنوك الدولية الكبرى منذ سنوات طويلة في السعودية، ولدي آلاف العملاء الذين يمثلون النخب الوظيفية وقد أرسلت للمسئولين في بنكين مصريين حكوميين برغبتي في التواجد في أحدهما لخدمة وطني، لكن للأسف لم يستجب أحد.
أخبار متعلقة :