هزمت داعش فى الموصل ولكنها لم تختف من الموصل والعراق. فمازالت مناطق واسعة تحت سيطرة التنظيم كما فى الحويجة وتلعفر ومناطق وكبيرة من الأنبار محافظة الانبار. ومازال هناك داعشيون فى الرمادى المحررة وأحياء الموصل وغيرها من المحليات. السؤال ليس بالطبع جنائيا بل سؤال فى الاقتصاد السياسى لسيطرة داعش. غطت اخبار الحرب والتى استمرت 9 اشهر والإعداد لها وفق الإصرار الامريكى ثلاث سنوات. فى البداية لابد من الاخذ فى الاعتبار عاملين: اولا ان قوات التحالف الدولى لم تستخدم الاسلحة الراقية تكنولوجيا فى تحرير اى من المدن العراقية ويرجع هذا الى القيد الامريكى على التسلح العراقي، ثانيها، ان الموصل تعرضت لشبه التدمير الشامل المقصود رغم الاعتراف بقيام داعش فى المساهمة فى التدمير ولكن يبدو ان الاستراتيجيه الامريكيه لتحطيم العراق كليا سواء فى حاله الهزيمة او حالة النصر مازالت مستمرة. نخلص الى بزوغ فهم معين يمكن ان نطلق عليه الاقتصاد السياسى للتدمير. اولا، يقصد بهذا النوع ان الاحتلال لم يعد جزءا من عمليات التعمير وفق نمط حضارى مختلف، ثانيا، السماح بأعداد كبيرة من الفارين من صفوف داعش بين المهجرين واللاجئين الى المناطق الاخري، ثالثا، السماح بإحلال مناطق سنية كاملة ليحل محلها فئات اجتماعية شيعية او اخري.
كان تنظيم الدولة الاسلامية قبل تحرير الموصل يصدر يوميا ما يقارب مائة سيارة محملة بالنفط سعر الواحدة ثلاثة آلاف دولار بعد استخراجه من الآبار النفطية، مبيناً أن المصدر الثانى لتنظيم داعش يتمثل بهيمنته على عقارات وزارة البلديات والوقف السنى حيث يمتلكان المئات من المحال والساحات العامة ويجنى منها أرباحا شهرية تقدر بمليارى دينارعراقي». إن تنظيم داعش يمتلك ملف العقارات ويعرف كل شاردة وواردة عنه، بعد ان حصل عليه خلال احتلاله للموصل، ويجنى منه أموالا كثيرة»، مشيرا إلى أن بالتنظيم استحدث العديد من المحال وساحات الوقوف بالإضافة إلى حصوله على أموال الزكاة التى يتقاضها سنويا من المواطنين. التنظيم أجّر المتر الواحد من البسطيات فى الأسواق الشعبية بمحافظة الموصل بسعر 150 الف دينار، بينما الباعة المتجولون يدفعون شهريا 10 آلاف دينار، لافتا إلى إن كل مواطن يراجع، المستشفيات يجب أن يدفع خمسة الاف دينار بينما يدفع طلاب المدارس شهريا 15 ألف دينار ، وكل سيارة صغيرة تدفع 25 ألف دينار والمتوسطة 50 الف دينار والشاحنة 120 ألف دينار. إ ن تنظيم داعش ينتج الكهرباء من مدينتى الموصل والرقة، ويقوم بتكرير النفط لإنتاج الديزل والبنزين من المصافى التى تحت يده، واما الغذاء فهم يتعاملون مع مافيات كردية وتركية لاستيراد المواد الغذائية لمناطقهم بالإضافة إلى الانتاج المحلى ، مبيناً أن داعش يتعامل مع المزارعين بنظام الأجل فى انتاج محاصيلهم الزراعية .واستولى تنظيم داعش على 430 مليون دولار من فرع البنك المركزى بالموصل، بالإضافة إلى مليار دينار من المصارف الخاصة التى يبلغ فروعها عشرة فروع .حسب تقديرات البنك الدولى وأكثر من 40 % من السكان فى المناطق التى يسيطر عليها داعش يعيشون فى فقر. فان اكثر من 60% هم فى فقر مدقع ، والمراقبون يرون أن الميزانية لا توفر الكثير من الفرص لهؤلاء بعد استعادة مناطقهم من داعش ، ويضربون المثل بما حدث لمناطق أخرى مثل إقليمى الأنبار وديالى وغيرهما التى ما زال أهلها يعانون شظف العيش بعد استعادة الحكومة السيطرة عليها. وعودة إلى الميزانية التى تبلغ (نحو 85 مليار دولار أمريكي) بانخفاض 6% عن ميزانية العام 2016. وتتضمن تخصيص القروض والمساعدات من ألمانيا وبريطانيا والولايات المتحدة لمشروعات إعادة التأهيل والإعمار فى المناطق المستعادة من سيطرة داعش، والقدر الأكبر من خفض الإنفاق (تلبية لشروط المؤسسات الدولية المقرضة). يتحمله المواطن مع زيادة أسعار الخدمات الأساسية وخفض رواتب الموظفين بنسبة 35 %، البند الأكبر من الميزانية (12 تريليون دينار) مخصص للحرب ضد داعش، هذا غير مخصص جديد فى الميزانية لقوات الحشد الشعبى والعشائرى تحدد على أساس الأعداد المشاركة فى تلك الميليشيات. بعبارة أخرى ، ان الهدف لم يكن فقط الانتصار على داعش بل الانتصار بشكل معين يسمح بتغير الهيكل السكانى والطبقى ناحية تسيد القوى الادتماعيه الشيعية. الداعشيون الذين رفعوا السلاح قضى عليهم وأغلبهم من الاجانب، والداعشيون الذين لم يرفعوا السلاح استمروا سوف يستمرون فى أداور اخرى ربما تظهر فيما بعد بالاتفاق مع الجانب الامريكى والسلطة العراقية وسلطة الحشد الشعبي. ونظرا للأهمية التى تتمتع بها محافظة الموصل كونها ثانى مدينة فى العراق بعد بغداد من حيث عدد السكان ويمثلها 34 نائبا فى مجلس النواب العراقى ، كما تحتوى على خليط من القوميات والاديان والاعراق، وبالتالى فالأمر يوحى بأن من الصعب الآن التعامل مع المكونات فى إدارة المدينة لتحقيق الاستقرار فيها، وهذا الامر مرهون باتفاق وتوافق بين الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم ودعم إقليمى ودولي، وان الحل الامثل لإدارة الملف الامنى ان يناط الى اهل المدينة انفسهم بمساندة الحكومة الاتحادية نظرا للطبيعة الديموغرافية المتنوعة والمعقدة للمدينة. ونستنتج ان المظاهر المسلحة واضطراب الأمن القومى فى المجتمعات، هو أحد العوامل المؤثرة سلباً على التنمية الاقتصادية فى المجتمع. وفى هذه الحالة يكون الاقتصاد هو الخاسر الأول بسبب هذه الصراعات، لأن الاقتصاد يزدهر بشكل عام طردياً مع زيادة مستوى الأمن فى البلد. يعانى الاقتصاد العراقى مشكلات كثيرة فى السنوات الأخيرة، ليس بسبب الإنفاق الحربى فى محاربة داعش فقط، وإنما بسبب تراجع العائدات مع هبوط أسعار النفط منذ صيف عام 2014 رغم أن الحكومة العراقية تضغط على الشركات لزيادة الإنتاج، إلا أن الواضح أن الحقول العراقية تنتج أقصى طاقة لها، وهنا يتحدد لنا هل بمقدور الاقتصاد العراقى إعادة تأهيل المناطق التى سيطر عليها من حيث الإعمار وتوفير فرص العمل للسكان الذين يعانون الفقر فى ظل سيطرة داعش.
أخبار متعلقة :