جلس رجل أعمال أمريكي في أواخر عمره أمام بيته الشتوي الخاص على أحد أنهار المكسيك،
جلس وكأنه في الجنة. يستمتع بالمناظر الخلابة والجو الصافي النقي البديع، ولفت نظره اقتراب صياد مكسيكي بسيط من الشاطئ، فنظر رجل الأعمال الأمريكي إلى حال ذلك الصياد البسيط، فوجد مركب صيده غاية في البساطة وكذلك الأدوات التي يستعملها ... ورأى بجانبه كمية من السمك قام الصياد باصطيادها بالفعل، فناداه الرجل ليشتري منه بعض السمك وليتحدث إليه.
جاء الصياد البسيط إلى رجل الأعمال فاشترى منه بعض السمك، ثم سأله:
ماذا تحتاج من الوقت لاصطياد مثل هذه الكمية من السمك ؟
قال الصياد البسيط: ليس كثيراً من الوقت.
فسأله ثانية: فلماذا لا تقضي وقتا أطول إذا ً في الصيد. فتكسب أكثر من ذلك؟!
فأجاب الصياد البسيط: ما أصطاده يكفي حاجتي وحاجات أسرتي بالفعل!!
فسأله رجل الأعمال الأمريكي: ولكن ماذا تفعل في بقية وقتك؟
فأجاب الصياد البسيط: أنا أنام بما يكفيني من الوقت، وأصطاد لقليل من الوقت، وألعب مع أطفالي، وأقضي مع زوجتى بعض الوقت، وفي الليل أتجول مع أصدقائي في القرية ونجلس معا ونتسامر فترة من الليل. فأنا حياتي مليئة بأمور اخرى هامة غير العمل.
هز رجل الأعمال الأمريكي العجوز رأسه في سخرية من كلام الصياد المكسيكي البسيط
ثم قال له: سوف أسدي لك نصيحة غالية يا صديقى. فأنا رجل أعمال مخضرم.
أولاً: يجب أن تتفرغ أكثر للصيد. حتى تزداد كمية ما تصطاده.
ثانياً: بعد فترة من الزمن، ومع تقدمك المادي تشتري مركبا أكبر وأحدث من هذا القارب الصغير.
ثالثاً: يمكنك بعد ذلك بفترة ومع ازدياد أرباحك أن تشتري عدة قوارب كبيرة للصيد.
رابعاً: ستجد نفسك في النهاية وبعد فترة من الزمن صاحب أسطول بحري كبير للصيد وبدلا من قضاء الوقت والجهد في بيع السمك مباشرة للناس، سترتاح ببيعك فقط للموزعين.
وأخيراً: وبعد كل هذا النجاح ستستطيع وبكل سهولة أن تنشئ مصانع التعليب الخاصة بك.
والتي يمكنك بها التحكم في إنتاجك من الأسماك وكميات التوزيع أيضا!!
وتنتقل بهذا النجاح من قرية الصيد الصغيرة هذه التي تعيش فيها وتنتقل إلى العاصمة (مكسيكو سيتي) ومنها لأمريكا وهكذا... فتصبح مليونيراً كبيراً!
أرأيت يا صديقي المسكين كيف يكون التفكير الصواب؟!
سكت الصياد قليلاً ثم سأل رجل الأعمال الأمريكي العجوز:
ولكن ماذا يتطلب كل هذا النجاح من وقت؟
ضحك رجل الأعمال وقال: من 15 إلى 20 عاماً فقط. أتصدق هذا؟
فقال الصياد: وماذا بعد ذلك؟!
فضحك رجل الأعمال وقال: هنا نأتي لأفضل ما في الموضوع عندما يحين الوقت المناسب والذي تختاره فتقوم ببيع جميع شركاتك وجميع أسهمك وتصبح بعدها من أغنى أغنياء العالم وسوف تملك ملايين الدولارات أيها الرجل.
نظر الصياد البسيط إلى الرجل ثم سأله: وماذا بعد الملايين؟!
قال الرجل العجوز في فرح: تستقيل بالطبع وتستمتع بما بقي لك من العمر، تشتري شاليه صغير في قرية صيد صغيرة تستمتع فيه مع زوجتك وأبنائك، وتقضي مع زوجتك بعض الوقت وتلعب مع أبنائك وتخرج ليلاً وتتسامر مع أصدقائك، وفوق كل ذلك تستطيع النوم لفترات أطول وأجمل.
فقال الصياد المكسيكي البسيط في دهشة:
هل تعني أن أقضي 20 عاما من عمري في التعب والإرهاق والعمل المتواصل والحرمان من زوجتي وأبنائي وعدم الاستمتاع بصحتي لأصل في النهاية إلى (ما أنا عليه أصلاً) !!
عزيزى القارئ، ألا تتفق مع سيلفيا بلاث حين قالت: لكي نستمر في هذه الحياة، يجب أن نقضي مزيداً من الوقت في الاستمتاع بما هو جميل ومُحبب لنا، على حساب الأشياء الاُخرى التي لا نحبها.
بالتأكيد أنك تعلم أنه كلّما تقدّمت في السن، ستلاحظ أن مسؤولياتك الشخصية والمهنية تكبر وتزداد، بوتيرة ليس من السهل السيطرة عليها أحياناً. ومن هنا تنبثق أهميّة الحفاظ على التوازن بين كلّ من الحياة الشخصية والعمل، ليس فقط لضمان راحتك ونجاحك، وإنّما لتحقيق رفاهية من حول أيضًا. وكلّما ازداد عدد الأشخاص الذين يعتمدون عليك (سواء في العمل أو في المنزل)، ازدادت أهمية تحقيق هذا التوازن.
قطعاً الجانب المهنى على سبيل المثال له أهمية كبيرة فى حياة الانسان، لأنه يُشعر الانسان بالقيمة وأنه موجود وله دور فى الحياة، بالإضافة إلى انه يغطى الاحتياجات المادية للانسان، ولكن لا يجب أن يكون عملك هو كل شىء فى حياتك، فحياتك ليست هى عملك ولكن عملك جزء من هذه الحياة وليس كل الحياة ، فعندما يكرس الانسان وقته كله للعمل ولا يهتم بباقى جوانب الحياة الاخرى، فان ذلك سوف يؤدى الى حدوث خلل فى منظومة التوازن، وسيأتى العمل على حساب الجانب الجسدى والاسرى والروحى وهى الجوانب الاخرى التى تضمن الحفاظ على دائرة توازنك.
عزيزى القارئ، عندما تكون حياتك المهنية وحياتك الشخصية غير متوازنة، فمن المرجح أنك لن تجد الانسجام المرجو فى حياتك.
وأعتقد أنه مع زدياد سرعة وتيرة الحياة اصبح الانسان يواجه العديد من التحديات فى حياته، تلك التى تضغط عليه و تؤدى الى حدوث خلل فى حياته وعندما يختل توازن الحياة فان ذلك يدفع الانسان الى الشعور بعدم الرضا وأنه غير سعيد، تأمل معى حياة بعض المشاهير الذين قرروا الانتحار رغم امتلاكهم تقريباً لكل شىء من ثروة...، ببساطة فان عدم التوازن هو السبب الأساسى فى عدم الشعور بالسعادة.
وتذكر أيضاً أن تحقيق التوازن السليم بين العمل والحياة الخاصة ليس بشيء يمكن تحقيقه مرة واحدة فقط. إذ يعتبر تحقيق توازن بين العمل والحياة الخاصة عملية متواصلة، وذلك بسبب التغيرالمستمر في ظروف عائلتك واهتماماتك وحياتك العملية.
فالنجاح لا يعني كسب مال أكثر وحسب، بل إنّه يعبّر في الواقع عن النجاح في جميع جوانب الحياة الأخرى، سواءً كان ذلك في مجال العمل، أو التواجد بالقرب من الأشخاص الذين تعزّهم حقًا. بمعنى آخر، النجاح يتحقق عندما تتمكّن من الموازنة بين جميع جوانب حياتك المختلفة.
ولعلك ترى البعض يهتم فقط بالجانب المهني ويجعل فيه تركيزه ويبذل كل أوقاته في العمل فقط، على حساب الأسرة والصحة والعبادات وغيرها من جوانب الحياة الأخرى، فلا يكاد يراه أبناؤه أو أهله بسبب انشغاله الدائم مما يسبب لديه خللاً في حياته الأسرية.
فإذا كنت تعمل طوال الوقت أو إذا كنت تعمل أكثر من اللازم، فربما تفوتك الأحداث العائلية المهمة أو الإنجازات البارزة. يمكن أن يجعلك ذلك تشعر بعدم التقدير وقد يضر بعلاقاتك مع أحبائك. وإذا كنت تعمل ساعات إضافية بصفة منتظمة، فقد يُعهد إليك بمزيد من المسؤوليات والتي من شأنها أن تؤدي إلى ظهور مخاوف وتحديات إضافية.
وهنا يهمنى أن نضع معاً بعض الخواطر للوصول لهذا التوازن المطلوب، فمن المهم أن:
-
تتعلم أن تستمتع بكل دقيقة من حياتك. فكن سعيداً الآن. فالمستمتعون بالحياة، ناجحون.
-
تستمتع بممارسة رياضتك، ومشاركة اسرتك فى كافة المناسبات والهوايات.
-
تعيد النظر في أولوياتك بشكل دوري، وقم بعمل تغييرات، إذا كان ذلك ضروريًا، لتكون متأكدًا من أنك على المسار الصحيح.
-
تحتفظ لخططك في الحياة بقدر كاف من المرونة، يسمح لك بالتعامل مع مختلف الظروف والمتغيرات. فكل موقف من مواقف الحياة يتطلب تعاملاً خاصاً، والحكمة هى أن تتعامل مع كل موقف بما يناسبه.
-
تكتشف المصدر الحقيقى لسعادتك وتتمسك به، وتحافظ عليه.
-
لا تيأس اذا رجعت خطوة للوراء فى حياتك فى أى مجال، متذكراً أن السهم يحتاج أن ترجعه للوراء لينطلق بقوة إلى الأمام.
-
تهتم بأن تكون متواجد كيانياً وليس جسدياً، فلا تحضر مناسبة وأنت مشغول بأحداث العمل.
-
تكون صاحب مواقف إيجابية تجاه الحياة، فهذه المواقف تصنع أشخاصاً إيجابيين.
-
تعش الحياة التى تريدها طالما يمكنك ذلك، لا أن تعش وأنت تحلم بها.
-
لا تجعل تحديات الحياة تسرق منك أحلامك، تعلم منها وستجدها أفضل أصدقائك.
-
تنظر إلى الجزء الجميل من الحياة، فالحياة مليئة بالأمور الجميلة والأشخاص الرائعين، وفيها الكثير من النعم التي أنعم بها الله علينا.
-
تكن نفسك، ولا تعش عكس نفسك لترضى الآخرين، حتى لو كنت وحيداً.
-
لا تجعل الماضي يعيقك، لأنه سيلهيك عن الأمور الجميلة في الحياة.
-
تسترح قليلاً، فالحقل الذى يرتاح، ينتج محصولاً عظيماً.
-
صافح وسامح فأنا وانت وهم راحلون، فمن أعماق قلبك سامح من أساء إليك.
-
تكتفى بما تملك، فقليل من الماء ينقذك، وكثير من الماء قد يغرقك.
عزيزى القارئ،
رؤيتك لحياتك هى رؤية خاصة بك وحدك ولا يستطيع أحد أن يأخذها منك، لذا استمتع بالحياة على قدر المستطاع الآن، لأننا كلنا راحلون...
وأدعوك أن تكون من ضمن هؤلاء الناس الذين تحل السعادة أينما يذهبون، وليس من ضمن هؤلاء الذين تحل السعادة حينما يغادرون.
عزيزى، ما أشبه الإنسان في الحياة، بالسفينة في أمواج البحر... إن ارتفعت السفينة أو انخفضت أو مالت، فليس ذلك منها وحدها، بل مما حولها. ولن تستطيع هذه السفينة أن تملك من القوة ما يجعلها تتحكم فى الوسط المحيط، ولكن كل قوتها فى محاولتها المستمرة فى الحفاظ على ثباتها وتوازنها، ونجاتها والوصول إلى هدفها. فمن فضلك لا تعتب على الدنيا وأحكامها، ولكن إجتهد أن تحكم نفسك.
شكراً لذلك الصياد المكسيكى الذى علَّمنا مفهوم عميق للحياة السعيدة.
بالتأكيد كلنا نقابل ولو لمرة واحدة في العمر رجالاً ينطقون بكلمات تجعلنا نفكر للأبد... فهناك رجالاً كلماتهم تشبه الوحي بدرجة ما، يستطيعون تركيز كل أسرار الحياة في جملة واحدة، ويتكلمون بأقوال تشكل الشخصية وتضئ الطريق، ويبقى علينا فقط أن تكون لنا الآذان المدربة على الإنصات الجيد.
تاركين لك عزيزى القارئ، ولتأملاتك الشخصية، ولثرائك الفكرى، وخبرتك الخاصة، استنتاج العديد من الدروس المثمرة من كل قصة بل وإضافة الكثير إليها، ليصبح لكل قصة، على حدة، معنى عام، ومعان خاصة تتوقف على مدى ثقافة القارئ العزيز...
ولدروسنا من التنمية البشرية بقية...
أخبار متعلقة :