اللغة هي الركيزة الأساسية للتواصل وتبادل الأفكار ومناقشتها بين الأفراد والمجتمعات، حلقة الوصل بينهم،هي العمود الفقري للثقافة والفنون والآداب، لكن يحدث أن تطغى على مجتمعاتنا اللغة العامية الركيكة بكل مافيها من تناقضات ومصطلحات غريبة و غربية مفرنسة، لا تكاد تعرف مصدرها و مفهومها الصحيح، إلا أن تداولها و استعمالها المتكرر جعلها تطغى على تعابيرنا ، ما أدى إلى تراجع اللغة العربية بكل مفرداتها ومصطلحاتها و زخمها وثرائها، لدرجة أن أصبحت بعض الكتب والروايات تكتب باللغة العامية من أجل جلب أكبر عدد من القراء، اللغة العامية بمفرداتها المشلولةوالمعوجة التي لا ترتكز على أعمدة تسندها، ليتحول المشهد الأدبي إلى ما يشبه المسخرة، عندما تجد نفسك تقرأ كتابا وتتصفحه لتصادف عبارات أنت شخصيا تخجل من توظيفها، اللغة العربية الفصحى من المفروض أن نفتخر لاستعمالنا لها، هي تشريف لشخصنا، لكن للأسف أصبحت في وقتنا الراهن محلا للسخرية والازدراء من طرف ذوي العقول الجاهلة، موقف قد يصادفك يوميا في حال ما تحدثت مع شخص معين باللغة العربية الفصحى لتجده ينظر إليك باستغراب وتعجب، و ينساق لإطلاق النكت والطرائف عنك، ووصفك أنك غريب الأطوار ، أو تشبه قناة "سبايس تون"، لا أحد يلومه على تعليقه بل يؤييدونه باعتباره فردا من المجموعة التي تطغى على المجتمع، أما أنت فمجرد طفرة جينية، لكن يحدث أن يراودك تساؤل يفرض نفسه، ما سبب تراجع اللغة العربية؟ ما السبب في قلة تداولها؟، إشكالية تحتاج إلى فرضيات و دراسات تتطلب حلا، لكن يمكن القول أن المدرسة الإبتدائية هي لبنة هذا التحدي الذي أصبح يفرض نفسه، فالطفل في مراحله الأولى يعد صفحة بيضاء بإمكاننا أن نخط بها ما تشاء بكل سهولة، لأنه يتيسر عليه تقبل ما يقدم إليه، لكن يحدث أن تجد أحيانا المعلم يتحدث مع تلاميذه باللغة العامية بكل ركاكتها و اعوجاجها، يناقشهم ويشرح لهم الدروس عن طريقها، ثم يصدم عندما يقرأ تعابيرنا الكتابية والشفهية التي تكاد لا تخلو من كلمة عامية غير مدرجة بالقاموس الذي أصبح مع الوقت يتجرد من الكثير من المصطلحات والمفردات لعدم تداولها، أصبحت صفحاته تقل مع الوقت، حتى كتاباتنا صارت تقتصر على توظيف بعض المفردات التي تعودنا عليها، ليحدث أن تقرأ يوما كتابا قديما لتدرك جهلك و قلة معرفتك و محدودية علمك، المعلم هو الذي يفرض نفسه ولغته الصحيحة على متعلميه ، عليه أن يعمل على ترقية مستواهم اللغوي بدل النزول إلى مستواهم ، فالطفل يتحدث العامية في الشارع والمنزل وفي أي مكان ومع أي شخص يصادفه، لتقع المسؤولية حينها على المدرسة التي يتوجب عليها تعزيز هذه اللغة وجعلها مصدر فخر بالنسبة للمتعلم، أن تنمي ثقته بنفسه وقدرته على التواصل بها، أن لايخجل من التحدث بها، لغة تكاد تندثر بسبب عدم تقبلنا لحقيقة أنه علينا العمل على ترسيخها وتداولها، فليست محط سخرية بل هي امتداد لفكر متشبع بمقومات الشخصية العربية.
أخبار متعلقة :