قامت السلطات التونسية بإعتقال مجموعة من الأجانب (زوجان هنديّان وفلبينية وإسترالي من أصول مصرية ) بعد إتهامهم بتوزيع منشورات مسيحية ، وصرحت الناطقة الرسمية بإسم المحكمة الإبتدائية في سوسة : أن النيابة العمومية أذنت بإحالتهم على خلية الفصل السريع لاتخاذ الإجراءات اللازمة في حقهم. أن ما قامت به السلطات التونسية من اعتقال لهؤلاء المسيحيين بتهمة التبشير مخالف للدستور والقانون التونسي والإعلان العالمي لحقوق الإنسان .
فقد نص الدستور التونسي 2014 في الفصل السّادس منه، “الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير وممارسة الشعائر الدينية، حامية للمقدّسات ، ضامنة لحياد المساجد ودور العبادة عن التوظيف الحزبي . كما نصّ دستور 1959 في مادّته الخامسة على أنّ “الجمهورية التونسية تضمن حرية الفرد وحرية المعتقد وتحمي حرية القيام بالشعائر الدينية ما لم تخل بالأمن العام. بالإضافة إلى أنّ القوانين التونسيّة لا تتضمّن عقوبة الرّدّة، فإنّ وثيقة عهد الأمان، الصّادرة في 10 سبتمبر 1857 نصّت في مادّتها الأولى على” تأكيد الأمان لسائر رعيتنا ورعايا الدول الآخري على اختلاف الأديان والألسنة والألوان. ونري في تونس وجود تراكم وتطوّر في اتّجاه إثبات حرية المعتقد منذ القرن التّاسع عشر إلى اليوم. وقد طرحت حرّيّة المعتقد ومعها حرّيّة “التّفكير” في إطاراً سياسياً يجمع الأحزاب التونسية المعارضة العلمانيّة والإسلاميّة بما فيهم حزب النهضة، وتحديداً في “الإعلان المشترك حول العلاقة بين الدّولة والدّين”، الذي قرر " إنّ الدّولة الدّيمقراطيّة التونسية المنشودة تقوم على مبادئ المواطنة والحرّيّة والمساواة، وبناء على ذلك فهي تسهر على ضمان حرّيّة المعتقد والتّفكير، ومقاومة كلّ أشكال التّمييز بين المواطنين على أساس العقيدة أو الرّأي أو الجنس أو الانتماء الاجتماعيّ أو الجهويّ، كما تضمن للمواطنين جميع الحرّيّات والحقوق الأساسيّة التي تشكّل أساس النّظام الدّيمقراطيّ.
وفِي تقديري لهذه الأزمة أن الإشكالية تكمن في أن الدّستور التونسي في 2014 حافظ على مظهر من مظاهر الازدواجيّة بين النموذج التقليدي والنموذج الدّيمقراطيّ.
وهو ما يعني، إلى حدّ مّا، ازدواج المرجعية في المرجع الذي يفترض أنّه يوحّد المرجعيات أو يقع في ما بعد أو قبل كلّ مرجعيّة. وهو ما أدّى إلى معارك بين أجهزة الدولة حسب ميزان القوي بين الأحزاب والموائمات السياسية.
ونتج عن هذه الازدواجيّة معارك تأويليّة متجدّدة مع كلّ انتخابات وفي بعض المناسبات الدّينيّة أو الأحداث المرتبطة ببعض الممارسات و بالإبداع الفنّيّ والأدبي ّ، في غياب محكمة دستوريّة تمثّل هيئة تأويليّة عليا، ومع بقاء بعض القوانين والممارسات القضائيّة خارج المبادئ الدّيمقراطيّة التي جاء بها الدّستور التونسي الذي أقرّ توسيع مجالات الحرية الدينية رغم كلّ ما أحيط به من تنازلات تحافظ إلى حدّ ما على ازدواج المرجعيّات؟ وأنظمة الحقيقة لدى الشخص الواحد.
في هذا السياق يلاحظ كثيراً بأننا نخلط في العالم العربيّ بين حرّيّة المعتقد وحرّيّة الضّمير، وأنّ حرّية الضّمير أشمل من حرّيّة المعتقد، وأهمّ من حيث الاعتراف بالذّات وفرادتها. وتعريف حرّيّة الضّمير كما جاء في المادّة 18 من الإعلان العالميّ لحقوق الإنسان : “لكلِّ شخص حقٌّ في حرِّية الفكر والوجدان والدِّين، ويشمل هذا الحقُّ حرِّيته في تغيير دينه أو معتقده، وحرِّيته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبُّد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حدة.”
فحرّية الضّمير إذن لا تقتصر على حرّيّة التّديّن، بل تشمل حرّيّة العلاقة بالدّين، وتفتح إمكانيّات تغيير الدّين، أو تغيير العلاقة به، أو عدم الاعتقاد. لذلك نطالب الدولة التونسية وفقاً للدستور والقانون التونسي ووفقاً للإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي الإفراج عن المعتقلين المسيحيين بتهمة التبشير بالأنجيل لعدم ارتكابهم ثمة أي خطأ ، كما نطالب بحماية الآلاف من الشّبان والشّابات المسيحيين من خطر الأضطهاد بشكل يومي ما دفع بالكثيرين منهم إلى اللجوء إلى الكنائس السّرية ، وأن تسمح الحكومة التونسية للجماعات المسيحية ببناء كنائس وأن يمارسوا شعائرهم الدينية بحرية كاملة.
هاني صبري – المحامي
أخبار متعلقة :