بوابة صوت بلادى بأمريكا

د. ياسين العيوطي يكتب: إيران فوق بركان

       هذا موضوع الساعة. غير أن العنوان مأخوذ من أول كتاب نُشر للأستاذ الراحل محمد حسنين هيكل بعد زيارة له لطهران في عام 1951. كان ذلك العام هو عام الحسم في إيران. إذ أعلن رئيس الوزراء الإيراني في ذاك الحين، محمد مصدق، تأميم الشركة الإيرانية/الإنكليزية للبترول. ثار الغرب على تلك الخطوة الجسورة. وأسرع مصدق لتلبية دعوة البرلمان المصري لشرح ذاك التأميم. وبكى مصدق فوق منصة البرلمان في القاهرة. وصفق له وقوفا كل أعضاء البرلمان ورئيس الوزراء، الراحل مصطفى النحاس باشا.

        كانت تلك الخطوة السبب المباشر في الحصار الذي ضربه الغرب ضد إيران التي شهدت فيما بعد التدخل الغربي في مقدراتها وصالحها الداخلي. سقط مصدق، وأعاد الغرب الشاه محمد رضا بهلوي من منفاه إلى عرشه في طهران. وبذا تطورت العلاقات بين طهران وإنكلترا وأمريكا إلى علاقات عدائية. ولم يقف إلى جانب إيران في ذلك الحين إلا روسيا وزعيمها جوزيف ستالين الذي سهل على إيران فك الحصار الغربي على صادرات البترول الإيراني.

        يتضح لنا من هذا أن العلاقات بين طهران وواشنطن قد اتسمت منذ حوالي سبعين عاما بالشك في النوايا، والغضب من أية بادرة توحي بالهيمنة الغربية على حضارة فارسية عمرها خمسة آلاف عام. من مظاهر تلك الحضارة أسماء علماء فارس وخاصة في الرياضيات مثل الخوارزمي الذي أصبح اسمه بالإنكليزية Algorithm أي طريقة حل الرياضيات عن طريق تطبيق سهل متعارف عليه حتى في علوم الفلك المعقدة.

        ارتبطت الحضارة الفارسية العظيمة بالحضارة المصرية. كان ذلك الرباط بين الحضارتين أعمق بكثير من الرباط الإسلامي، وخاصة بعد انقسام الأمة الإسلامية منذ 1400 عام إلى إسلام سني وإسلام شيعي، وهو انقسام خرافي لا جذور له في الفقه الإسلامي.

        وإزاء هذه الخلفية نجد إيران لا تتطلع إلى دول الخليج إلا في مسائل متعلقة بالملاحة والتجارة عبر مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران من الشمال وعُمان (وعاصمتها مسقط) من الجنوب ولكنها تتطلع حضاريا إلى مصر التي ارتبطت بإيران بالعديد من الروابط، بما في ذلك التزاوج بين أسرة الملك فاروق وشاه إيران منذ أواخر الثلاثينيات.

        والآن نجد إيران تنظر بعين الريبة بل والاحتقار إلى اعتماد الدول العربية الخليجية على الغرب في شؤون التسليح والتدريب القتالي. بل وبصدد مرابطة القوات الأمريكية، البرية والبحرية في الخليج. وليس بالأمر الغريب أن نجد إيران اليوم دولة شبه نووية؛ بينما تعتمد السعودية على من يحميها من التمدد الإيراني الشيعي في الشرق السعودي، وارتباط ذلك التمدد بالحوثيين وهم أهل اليمن الأصليين، وبالعراق وسوريا ولبنان.

        وحينما خدمتُ بالعراق لفترة سنتين (من عام 2006 إلى عام 2008) كمستشار قانوني لـ AP (أسوشيتيد بريس)، لمست مدى عمق التصاق العراق بإيران، لا عن طريق المذهب الشيعي فحسب، بل وعن طرق الملايين من الحجاج الإيرانيين إلى النجف الأشرف وكربلاء في العراق. وهو حجيج لا يقل في أهميته الروحية بالنسبة لهم عن الحجيج إلى مكة ذاتها.

        ولقد يندهش البعض لمعرفة الوضع العسكري في إيران باعتبار جيشها رقم 14 في ترتيب أهم وأكبر الجيوش في العالم. ومن أهم منجزات الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما توصله بعد مفاوضات دامت عامين إلى اتفاقية دولية مع إيران بتأجيل مسعاها لصنع قنابل نووية لفترة 15 عاما. غير أن ذلك الاتفاق الذي أقره كل الأعضاء الدائمين بمجلس الأمن الدولي بالإضافة إلى ألمانيا عام 2015 قد أنهاه الرئيس ترامب. لم يكن ذلك الإنهاء لأسباب استراتيجية متعلقة بالأمن الأمريكي. ولكن الدافع إليه هو محاولة ترامب، وهو رئيس لا يقرأ، بل وكشط كل اتفاقية أو برنامج يحمل اسم أوباما.

        كان اغتيال الجنرال قاسم سليماني خلال زيارته للعراق عملا عدائيا سافرا من جانب ترامب. ونتج عن تلك الفعلة الحمقاء أن أصبح سليماني في قبره بإيران أشد تأثيرا من وجوده على قيد الحياة إذ أحدث تعبئة للملايين من الشعب الإيراني ضد القتلة الرابضين فوق الأرض العراقية وفي سمائها. أدى هذا أيضا إلى قرار برلماني عراقي يقضي بتصفية الوجود العسكري الأمريكي (000 5 من القوات العسكرية) من الأرض العراقية تدريجيا.

        لم يتوقع ترامب أن إيران قادرة على ضرب قواته الأمريكية المعسكرة غرب مطار بغداد في معسكرات بوكا وفيكتوري.ولقد قمتُ بزيارة هذه المعسكرات خلال دفاعي عن بلال حسين زيدان الموظف العراقي لدى الـ AP. أثبتت طهران طول باعها إذ ضربت تلك المعسكرات مباشرة بالقذائف البالستية بدلا من الاعتماد على أعوانها في لبنان أو سوريا أو العراق أو غزة، وأهمهم حزب الله في لبنان.

        غير أن القيادة الإيرانية الخاضعة لتعليمات حجة الله خامنئي، ليست بالقيادة الساعية إلى توسيع نوعية القتال ضد أمريكا. أرادت تلك القيادة القصاص لاغتيال قاسم سليماني بصورة محدودة. أرادت ”لطم وجه“ أمريكا بدلا من إنزال الخسائر البشرية الفادحة بالوجود العسكري في العراق. وترامب لا يفهم معنى ذلك الحذر الذي يصفه بـ ”الخوف من أمريكا“. لذا يسعى الكونجرس الآن إلى تقليص قدرة ترامب على زج أمريكا في خضم الحروب. وذلك لأن الدستور الأمريكي قد نصّ على أن إعلان الحرب هو من اختصاص الكونجرس الذي يمنح الرئيس الأمريكي صلاحية التنفيذ فقط.

 

 

بقلم: د. ياسين العيوطي
المستشار القانوني وأستاذ القانون بنيويورك

 

أخبار متعلقة :