"ليس أجمل من موقع صافيتا، ولا من مناظرها الطبيعية، وهوائها العليل".
*د. كارل فوكس
بين البساتين وغابات الزيتون الممتدة على مدى البصر، ووسط الخضرة والأزهار، وا لطبيعة الساحرة. مدينة بيضاء ووردية اللون، متراصة المساكن، يعلوها برج شامخ. بيوتها جيدة الحجارة.
تزين واجهاتها الشرفات، ويغطي القرميد الأحمر، العديد من أسقف منازلها.
تقع مدينة صافيتا على الساحل السوري. في نهاية جباله من حهة الحنوب. وهي تبعد عن البحر المتوسط حوالي (27) كيلومتراً. وترتفع عن سطح البحر الف قدم. تتدرج منازلها الحسنة البناء، على ثلاث تلال واسعات، مشرفات ولا أحلى!.. وتمتد المناظر الطبيعية الخلابة، من حولها في كافة الاتجاهات، حتى حدود الأفق. حتى أنك تشاهد منها سلسلة جبال لبنان، المغطاة بالثلوج طوال العام. وكذلك مدينة طرابلس وسهل وخليج عكار والبحر المتوسط وغيرها.
أصل التسمية
يرى البعض أن اسم (صافيتا) يعود الى أصول فينيقية وآرامية. وهو يعين (الصخرة العالية الملساء) ويرى آخؤون ان هذا الاسم سرياني، ومعناه (الهواء الصافي) ويرى غيرهم أن الاسم عبري الأصل، ومعناه (القلعة) وهو نفس معنى كلمة (صفد).. استقر اسم (صافيتا) في عهد التواطن الآرامي الأول، الذي الذي تلى العهد الفينيقي مباشرة، في القرن الثاني عشر قبل الميلاد،ويدل على ذلك وجود حرف الألف فى نهاية الاسم. والألف هي أداة التعريف في اللغة الآرامية. بينمت لو استقر اسمها في عهد التواطن الآرامي الثاني أي السرياني لكانت الألف قد قلبت واواً ولدينا في منطقة الساحل السوري، العديد من القرى والبلدات التي احتفظت بأسمائها منذ عهد التوطن الآرامي الأول. ونذكر منها: (مصبايا . بابنا. منجيلا. بروما. جناتا. مشقيتا) وغيرها الكثير.
وبالمقابل يوجد في جبال الساحل السوري العديد من القرى التي احتفظت بأسمائها منذ عهد التواطن السرياني مثل: (دمسرخو. ستمرخو. فديو. عرامو. جبرو. قدمو. مرينو) وغيرها.
والكلمة التي اشتقت منها كلمة (صافيتا) التي تعني (الصخرة العالية الملساء) موجودة في اللغتين الأوغاريتية والعربية، فالجبل الأقرع هو صخرة عالية ملساء، ويدل عليه اسمه في اساطير أوغاريت (بين القرنين 14- 12 ق.م) وهو جبل (صافون) أو (صفون) وقد كانت له اهمية كبيرة، في الأساطير الأوغاريتية لأنه كان مقراً للاله (بعل) اله المطر والخصب.
أما معجم (لسان العرب) لابن منظور. وهو أهم معجم في اللغة العربية، فيشير الى أن (الصفا) تعني (الصخرة العالية الملساء) ومنه (الصفا والمروة) وهما جبلان فى الحجاز.
ونحن نرى اليوم كلمة (صافيتا) تدخل الى اللغات الأجنبية بنفس اللفظ والمعنى.
لمحة تاريخية
تدل اسماء الأماكن فى منطقة صافيتا، أن الآراميين قد استقروا بشكل كثيف ومتجانس في بلدة (المشتى) شرقي صافيتا في بداية العصر الفارسي (النصف الثاني من القرن 6 ق.م) أما استقرارهم في صافيتا في إطار من التقاليد الزراعية، والرعوية القديمة، فقد كان أقل تجانساً، على الرغم من قدم عهده. بسبب عمليات السبي والتوطين، التي حصلت في عهد الملك الاشوري تغلات فلاصر الثالث (745- 727ق.م) والتي افادت منها املاك البلاط في بلدة (سيميرا) القديمة، المعروفة اليوم باسم (تل الكزل) المجاورة لحدود لبنان الشمالية اليوم. أما المناطق التي يشار اليها بعبارة (بملكي) والتي تقع على المحاور. التي تصل جزيرة أرواد بالمناطق الجبلية. فيرجع تاريخ إنشائها الى العهد الفارسي، الذي تلا سقوط مدينة بابل عام (539 ق.م) حتى دخول الاسكندر المكدوني الى سوريا في عام (333 ق.م) (انظر كتاب: المساهمة الفرنسية في دراسة الآثار السورية. دمشق 1989).
وعلى الصعيد الأثري، لابد من القول أنه لم يعثر أثناء التحريات السطحية في منطقة صافيتا، على أية بقايا تذكر من العصر الحديدي (أواسط الأف الثانية ق.م) باستثناء ماتم جمعه في المواقع المهجورة.
وقد يعود السبب في ذلك، الى أهول القرى المستمر عبر الزمن، أما في منطقة المشتى، فلم يعثر على بقايا العصور الفارسية والاغريقية والرومانية. ونظراً لأهمية المسائل التاريخية المطروحة. فإنه لابد من دراسة هاتين المنطقتين بطريقة تتلاءم مع واقعهما.
وهناك قمم كلسية وفجواتها الجنوبية كما في (قلعة الحصن) بتصدعاتها المعترضة وعلاقتها بالنبع الدوري المعروف اليوم باسم (فؤاد دير مارجرجس) ذي الدفق المتقطع. هذا النبع نزل عنده الفرعون رمسيس الثاني، عند قدومه من مصر لمحاربة الحثيين في معركة قادش الشهيرة (تل النبي مفد حالياً) قرب بحيرة حمص. وذلك في آواخر شهر آيار من العام (1296 ق.م) وهو النبع الذي زاره واستراح عنده أيضاً، القائد الروماني (تيطس) وصحبه. عند عودته ظافراً من حربه ضد اليهود، وتدمير مدينة القدس، ونهب هيكل سليمان في عام (70 للميلاد) وهذا النبع مازال قائماً الى اليوم. يفور كل سبعة ايام. وقد ذكره المؤرخ (فلافيوس يوسيفوس) في كتابه الشهير (في حرب اليهود: الكتاب 7 الفصل 5 الفقرة 1).
سهل صافيتا وتلاله الأثرية
يقع سهل صافيتا في جنوب غرب المدينة. وتشرف عليه من جهة الشرق سلسلة تلولية قليلة الارتفاع، غنية بالتربة الخصبة. ويحتوي سهل صافيتا، مع القسم السوري من سهل عكار ومستنقعاته، على أكثر من (15) تل آثري، مختلف الأحجام، يتوسطها (تل كزل) حيث كانت تقع مدينة (سيميرا) الآثرية الهامة. وقد قام (جان بول تالمان) من جامعة باريس الاولى بدراسة تلك التلال باستثناء (تل كزل) وتلال صافيتا القلية الانحدار، يشرف عليها برج صافيتا.
نهر الغمقة
الى الشمال من مدينة صافيتا، وعلى بعد نحو خمسة كيلومترات، يوجد نهر الغمقة، الذي يؤلف حوضاً دائرياً، صافي المياه، وهو يتفجر بفوران شديد، ويندفع راغياً مزبداً هادراً، في مسيل صخري، حتى يهوي في مسيل تحت مستوى النبع، وقرب النبع يوجد كهف، في أسفله تجري المياه قرب النبع. وقرب مصب نهر الغمقة في البحر المتوسط، جنوبي مدينة طرطوس الساحلية، تقع بلدة (أنهيدرا) الفينيقية القديمة التي كانت تابعه لمملكة جزيرة أرواد .وهي الجزيرة الوحيدة المأهولة على الساحل الشرقي للبحر المتوسط .وهذه البلدة تشكل اليوم تلاً اثرياً هاماً.
برج صافيتا
يعتبر برج صافيتا أجمل و أضخم برج ، يعود إلي عهد الفرنج في العالم كله وقد سجل (توماس لورنس) إعجابه الشديد بهذا البرج في كتاب (القلاع الصليبية في الساحل السوري ) وكان قد زار هذا البرج في العام (1909) و التقط له عدة صور من الخارج ومن الداخل يتوج برج صافيتا تل القلعة ،احد التلال الثلاث التي تقوم عليها المدينة. وهو يقع علي هضبة مستديرة واسعة يحتل موقعا استراتيجيا هاما وبرج صافيتا الذي يرتفع عن سطح البحر (411 مترا )هو من أهم المعالم الاثريه في المدينة , كما انه رمزها التاريخي . و قد تكون (قلعة الحصن ) الواقعة في أقصي جنوب جبال الساحل السوري و المشرفة علي سهل البقيعه الخصيب اكبر و أجمل و أكمل قلعه تعود الي العصور الوسطى _ وربما في العالم كله _ لكن برج صافيتا ربما كان أكثر طرافة وأكثر رومان نطيقية علي حد تعبير الكاتب الفرنسي (جان هيرو ) في كتابه (سوريا اليوم )!...
ويشرف برج صافيتا باعتزاز علي المرتفعات الأولي لسلسلة جبال الساحل السوري ، من جهة الجنوب ، القريبة من الحدود اللبنانية ومنشأ القلعة مجهول ،و ترقى الابنيه الموجودة فيها اليوم ، إلي بداية القرن الثانى عشر ( الدليل الأزرق : آثار الشرق الأوسط ,لمجموعه من أساتذة اللوفر في باريس ). ولا يختلف البرج ذو اللون الاشهب اليوم . عما كان عليه عند بنائه ، ألا ان لونه كان فى ذلك الحين ابيض ناصعا . ويبلغ ارتفاع البرج نحو ثلاثين مترا . ولا تزال اقسام هامه فى قلعة صافيتا ، و ابراجها قائمه , لا سيما البرج الرئيس .أما الابراج الدفاعيه التى كانت تقوم عند الاسوار ، فقد غابت عالمها تقريباً في الوقت الحاضر
كنيسة البرج
تفع كنيسة البرج في طابقه الارضى بأرتفاع نحو مترين ، عن مستوى سطح الارض ، ويعود تاريخها الي اوائل الفرن الثانى عشر ، و اوائل القرن الثالث عشر . ويعيد (توماس لورنس ) تشييد هذا البرج الي عام ( 1140 ) دون ان يقدم دليلا . او يسوق شاهدا .ومن المستحيل بناء برج بهذه الضخامه و الروعه ، في عام واحد . و تعلو الكنيسه قاعه من جناحين. و تستخدم الكنيسه اليوم الطائفه المسيحيه الارثوذكسيه للصلاه. وبلغ طولها (31مترا ) وعرضها (16 مترا ) و يرتكز سقفها المعقود علي اربعة دعائم ضخمه ملتصقه بالجدار من الشمال ومن الجنوب . وتصل سماكة جدارانها الي ثلاثة امتار. و تقوم فيها نوافذ ، عريضه في الداخل ، و ضيقه في الخارج . كانت تستخدم الاناره و الدفاع ،ورمي السهام ، عندما يتعرض البرج للحصار .و يجدر الاشاره هنا الي امر نادر واثتثنائى ، وهو ان هذه الكنيسه ، لم تتحول يوما الي مسجد!...
البرج و القلاع المجاوره
كان الفرنج يتبادلون من علي سطح البرج الاشارات الناريه ، مع الحصون و القلاع المجاوره مثل (قلعة الحصن ) شرقاً ،و (قلعة العريمه ) جنوباً ،و( برج العرب ) و (قلعة يحمور ) غرباً. وبالتالي مع حصن طرطوس و قلعة المرقب و غيرها ...
الدخول الي قلعة صافيتا
يتم الدخول الي قلعة صافيتا ، من بوابه حسنة البناء في الجهه الشرقية .اما باب البرج الرئيس ، فهو يقع في الجهه الغربيه ،و تزينه من اعلاه اشارة الصليب المزهر ، محفوره في اعلي الباب ، وهي مازالت ظاهرة تتحدى عوامل الزمن ، و صروف الدهر. و تمتد حول الكنيسه داخل الاسوار و الابراج الدفاعيه ، سراديب وممرات متشعبة ، تصل بين نقاط الاسوار و أبراجها ، واماكن اخري خارجها. و هناك خزان ماء مربع الشكل لتخزين ماء المطر ،منقور في الصخر تحت سطح الارض ،طول ضلعه الواحد ستة امتار ، يوصل اليه بسلم مجرى منقور فى الصخر. كما توجد قرب البرج بئر ماء عذب ،عمقها عشرة امتار ، و قطر قاعدتها خمسة امتار ، ولا تزال بحاله جيده
القاعده العلويه
تنقسم القاعده العلويه ( 26- 12 )مترا الي جناحين ، بواسطة سلسلة من ثلاث ركائز قويه .تستند إليها عقود متصالبه ، شديدة الانحناء . يتم الوصول منها الي السطح عن طريق درج . اما الوصول من الكنيسه الي هذه القاعه ،فيتم من خلال درج داخل الجدار الجنوبي وجدران القاعه العلويه . مزوده بنوافذ لرمى السهام ، واسعه من الداخل وضيقه من الخارج ,للدفاع عن البرج .و كانت هذه القاعه مخصصه للاجتماعات . و هي خاليه اليوم ، الا من ناقوس الكنيسه البرونزى القديم .ومن سطح هذا البرج العظيم ، يقف المشاهد مشدوهاً ، امام روعة ما يتكشف له من مناظر ، تسحر الالباب ، و تمتد فى كافة الجهات ، الي حدود الافاق البعيده .
أخبار متعلقة :