* الدين والسياسة وقراءة المشهد الحقيقي :
الأمر المؤكد أن الآتي أسوأ مما مضى وأن العرب على مشارف مرحلة صعبة في المنطقة نحتاج فيها إلى تكاتف تقوده مصر والسعودية وينضم إليه العراق والأردن وقطر والإمارات بل كل دول الخليج والمشرق العربي لأنه صراع أخير بين الحياة والموت في منطقة شديدة الحساسية من قلب العالم العربي في بؤرته متطلعين إلى المستقبل بتفاؤل حذر أحياناً وتشاؤم متأصل أحياناً أخرى.
إن محاولة تطويق العالم العربي من كل اتجاه لن تكون صائبة في كل الظروف بل إنها قد تدفع إلى ما هو غير ذلك تماماً، ويكفي أن نتذكر أننا أمام إدارة أميركية جديدة وحكومة إسرائيلية لا تحترم الشرعية الدولية ولا ترعى حقوق الإنسان بل لا تفكر في مستقبل التعايش المشترك بين كل
* استعدوا لعودة تنظيم الدولة الاسلامية (داعش ) :
في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة الإسلامية لم ينجح في القضاء على التهديد، بل احتواه فحسب. ولا يزال أكثر من 40 ألف من قدامى مقاتلي التنظيم وأفراد أسرهم محتجزين في حالة من الغموض في مخيم الهول. وفقد كثيرون منهم جنسياتهم، عندما تطوعوا للانضمام إلى داعش، ولم يحصل أطفال مقاتلي داعش قط على جنسية واضحة. وبالنسبة إلى العديد من الناس في الغرب، أصبح مخيم الهول مشكلة بعيدة عن الأنظار مع تقدم دورة الأخبار. وقد أعاقت جماعات حقوق الإنسان حل المخيم خوفاً من أن تفرض الحكومة العراقية، على سبيل المثال، عقوبة الإعدام على أولئك الذين استعبدوا الإيزيديين وقتلوا الشيعة والمسيحيين.
* تسيطر القوات الكردية علي مناطق شاسعة شرقي نهر الفرات في سويا منذ سنوات طويلة, وتضم هذه المناطق عدة سجون ( 26 سجنا ) بداخلها الالاف من عناصر داعش ( 12 ألف ) سجين داعشي من جنسيات محتلفة .
, وسط تساؤلات حول امكانية تسليم هذه السجون للادارة السورية الجديده في دمشق كجزء من حل اوسع نطاقا للملف الكردي في سوريا و يذكر ان مخيم الهول يقع في ريف الحسكة ويضم عائلات مقاتلي داعش من نساء واطفال وتعد هذه السجون مصدر قلق امني اقليمي ودولي نظرا لخطر اعادة تنظيم وتجنيد مقاتلي داعش من داخلها .
وفي حال استخدام او فرار مساجين داعش وعائلاتهم المحتجزين في مخيم الهول , فانهم سيسلكون اتجاهين رئيسيين :
سيظل العديد منهم في سوريا اما تستخدمهم جماعة جبهة النصرة لتحرير الشام بقيادة احمد الشرع الامير السابق لفرع تنظيم قاعدة الجهاد الدولي في سوريا والتي اسقطت بشار الاسد , أو ينتشرون في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، في حين سيسعى البعض إلى الانتقام من الأكراد، ومن المرجح أن تتسامح هيئة تحرير الشام مع آخرين لتهدئة المتشددين تحت مظلتها أو حتى تلعب دور الشرطي الصالح والشرطي الشرير من أجل تعزيز أجندتها الجهادية دون المخاطرة بالمساءلة عن أفعالها. وسيتوجه آخرون إلى الأردن... والمملكة العربية السعودية ....ومصر.....، حيث سيتجمعون في خلايا لزعزعة استقرار هذه الدول وخاصة مصر لانها الدولة الوحيدة في المنطقه التي لم تسقط ويحميها جيش مصر القوي . وسوف يبيع آخرون مهاراتهم كمرتزقة للإسلاميين في الصومال وليبيا والسودان.
كذلك سيفر كثيرون آخرون عبر الحدود التركية التي أصبحت مسامية وسهلة الاختراق عمداً. فقد نجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تحويل ابتزاز أوروبا إلى فن من خلال التهديد بإطلاق سراح اللاجئين غرباً. وسوف يتعامل مع تنظيم الدولة الإسلامية بوصفه فرصة وليس مشكلة. ولن يصبح الإرهاب ـ الطعن، وهجمات الدهس بالسيارات، والتفجيرات ـ مستشرياً في مختلف أنحاء أوروبا الغربية فحسب، بل إن بعض قدامى مقاتلي داعش سيجدون طريقهم إلى الحدود الجنوبية لأمريكا. وفي غياب ياب الرغبة في تسليح الأكراد بصواريخ أرض-جو وفرض عقوبات على الاقتصاد التركي، فإن فرص الغرب في تجنب عودة تنظيم الدولة الإسلامية ضئيلة للغاية.
داعش والمأساة التي يعيشها الشرق الأوسط الآن وربح تركيا بسقوط نظام بشار الأسد :
إذا تأملنا منطقة الشرق الاوسط وإقليم البحر المتوسط لادركنا أننا أمام مشاهد عبثية، تشير بوضوح إلى التدهور الواضح في الرؤية بين كل الأطراف وعلى مختلف المستويات بصورة تكاد تطيح مفهوم التعايش المشترك بين البشر مهما اختلفت مشاربهم وتنوعت أوطانهم وتعددت دياناتهم، والذكر الحكيم يقول في كتاب الله (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خبيرٌ)، مما يعني أن كلمة الله إلى البشر عامة وشاملة لا تختص بقوم من دون آخرين أو جماعة من دون غيرها، وها هي المنطقة التي نعيش فيها من قلب العالم تواجه محنة حقيقية بين المفهوم المعتدل للأديان السماوية وعناصر التطرف ومظاهر العنف التي تكاد تطيح السلم والأمن الدوليين، إذ إن ما جرى في سوريا وهو إسقاط نظام أجمعت الآراء على فساده ووحشيته، وظهر أمامنا بعده حجم من الحقائق لم نكن نتخيل وجوده أو نعلم بشأنه، وأصبحت سوريا في قبضة مجموعات جديدة قد تثير قلق بعض المراقبين ومخاوف آخرين، في ظل أوهام وهواجس قد تدفع بالمنطقة إلى مواجهات صعبة غير محسوبة ونزاعات دامية.
لا شك في أن تركيا من أكبر الرابحين في الأحداث الأخيرة، إذ تحقق لها سقوط نظام الأسد الذي لم يكُن على وفاق معها وأضحت بالتالي هي التي تمسك بمفاتيح الحكم في دمشق ولو بعد حين، وبذلك فإن ما خسرته طهران اكتسبته أنقرة تلقائياً، واضعين في الاعتبار أن الدولة العربية خسرت بذلك معركة أمام الترك، على رغم أن نظام الأسد لا يستحق الأسف عليه، خصوصاً بعد أن انتشرت فضائحه وجرائمه بحق المسجونين وأنواع التعذيب التي أتقنتها أجهزته والتي تركت بصمات حزينة جعلت التنبؤ السياسي بما هو آتٍ أمراً صعباً، فالسياسة فرع من العلوم الاجتماعية التي لا تسمح مقدماتها بالضرورة بالتنبؤ الدقيق بالمستقبل القريب والبعيد لأن كل الظواهر البشرية لا تخضع لحسابات رياضية محددة، فهي ترتبط بالعنصر البشري الذي لا يمكن القياس عليه بصورة حاسمة.
لقد أعلن الحكام الجدد من دمشق أنهم ينزعون رداء الفصائل التي كانوا ينتمون إليها والميليشيات المسلحة التي حاربوا معها لكي يتحولوا إلى عناصر عصرية تؤمن بالشعوب وتحترم حقوق الإنسان وترفض كل الممارسات التي تؤدي إلى التعصب والغلو والتشدد، بل وتقرأ أديان السماء قراءة شكلية لا تصل للجوهر وإنما تكتفي بالمظهر، مع أن الدين معاملة وهو أيضاً وسطية واعتدال وحب للغير وحرص على الآخر وسندع الايام تثبت الاحداث والحقائق.
ومنطقة الشام الكبير التي تبدو دمشق عاصمتها الأولى هي الأحرى والأجدى بأن تكون – كما كانت دائماً – منبعاً للقومية ومستودعاً للعروبة وأرضاً للتعايش المشترك، ولكن الحركة الصهيونية التي اختارت فلسطين مركزاً للاستيطان غير المشروع والعبث الذي لا مبرر له والعدوان الظالم على أصحاب الوطن الأصلي أحال كل شيء إلى نقيضه بعد الحرب الدامية على غزة لأكثر من عام والعدوان على أجزاء من الأراضي اللبنانية، مما أدى إلى سوء الظن واستشعار الريبة بأن ما هو قادم على سوريا قد يحمل في طياته مشكلات جديدة وأزمات عدة نتيجة الصراعات المتراكمة والنوايا السيئة.
إن محاولة تطويق العالم العربي من كل اتجاه لن تكون صائبة في كل الظروف، بل إنها قد تدفع إلى ما هو غير ذلك تماماً، ويكفي أن نتذكر أننا أمام إدارة أميركية جديدة وحكومة إسرائيلية لا تحترم الشرعية الدولية ولا ترعى حقوق الإنسان، بل ولا تفكر في مستقبل التعايش المشترك بين كل الأطراف، لذلك يتعين علينا جميعاً أن نرصد الواقع بعين فاحصة، فالدولة الشريرة التي دمرت غزة وابادت الاطفال والنساء والشيوخ اباده جماعيه بما يزيد عن 100 الف خلاف المفقودين والجرحى وواصلت مسيرة العدوان إلى لبنان هي ذاتها التي تتحرش بالعراق وها الان وسع الجيش الاسرائيلي مناطق سيطرته علي الجولان بضم 600 كيلو متر بنسبة 1 % من مساحة سوريا وتواجه سوريا في الوقت ذاته أشد ما يكون وأكبر ما يحتمل!
وهنا تبقى كلمة الا وهي أن التضامن بين الأنظمة مهما اختلفت والحكومات وإن تباينت هو السبيل الصحيح لمواجهة الموقف الذي طرأ بعد العدوان على غزة ولبنان وتغيير نظام الحكم في سوريا، إذ غطت الفرحة على الحقيقة وكاد يسكرنا شراب الانتصار على النظام البائد في سوريا حتى أصبحنا ننسى أن نظاماً جديداً بفكر مختلف تماماً يقبع الآن في دمشق يدير الأمور ويحرك السياسات، وهو نظام نرجو أن يكون عادلاً وعصرياً، واضعين في الاعتبار حالة الانقسام في السودان والتضارب السياسي في ليبيا والنزاعات المكتومة داخل صفوف القيادات الفلسطينية!
أخبار متعلقة :