تعتبر ظاهرة التخاطر موضوعًا شائكًا ومثيرًا للاهتمام يجمع بين العلوم النفسية والعصبية وعلم الاجتماع. يُعرَّف التخاطر بأنه القدرة على تبادل الأفكار أو المشاعر بين الأفراد دون استخدام وسائل التواصل المعروفة أو الحواس الخمس. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة تُعتبر أمرًا غامضًا، فقد كانت محل دراسة ونقاش منذ قرون.
شهدت دراسة التخاطر تطورًا عبر الزمن. وفي القرنين التاسع عشر والعشرين، أصبح التخاطر جزءًا من الأدبيات الروحية والباراسايكولوجية، حيث قام العلماء والممارسون بتوثيق تجاربهم، وفي بعض الأحيان، تم تحليل هذه الظواهر من منظور علم النفس. يجمع العديد من الباحثين اليوم بين العلوم الطبيعية والروحية لاستكشاف جوانب التخاطر.
يمكن تصنيف التخاطر إلى عدة أنواع، منها التخاطر العاطفي الذي يُشير إلى القدرة على تبادل المشاعر أو الفهم العميق لحالة شخص آخر دون التفاعل اللفظي. قد يشعر شخص ما بما يعاني منه أحد أصدقائه حتى دون وجودهما في نفس المكان. هناك أيضًا التخاطر الفكري الذي يتعلق بنقل الأفكار أو المعلومات، حيث يزعم البعض أنهم يستطيعون "قراءة" أفكار الآخرين أو الحصول على معلومات عنهم بطرق لا يمكن تفسيرها. بالإضافة إلى ذلك، يوجد التخاطر الحسي الذي يشمل تبادل المعلومات الحسية، مثل الألوان أو الصور. وفي التجارب المثيرة، التي أثارت الباحثين تلك التي يُزعم أن شخصًا ما يستطيع رؤية ما يراه غيره من مسافات بعيدة.
ورغم وجود العديد من التجارب والدراسات حول التخاطر، إلا أن الأدلة العلمية التي تدعمه لا تزال متنازع عليها. بعض التجارب، مثل تلك التي أجراها علماء باراسايكولوجيا "البارا سيكولوجي هو أحد فروع علم النفس، ويعني ما وراء النفس، يتخصص في التعامل مع التحقيق في الظواهر النفسية الخارقة، مثل الاستبصار والإدراك خارج الحواس والتخاطر والتحريك النفسي وما شابه، كما أنه يدرس القدرات العقلية الغريبة التي يبدو أنها موجودة ولكن لا يمكن تفسيرها علميًا"، حاولت قياس التخاطر باستخدام طرق علمية. ومع ذلك، فقد وجدت الكثير من هذه الدراسات أن النتائج غير قابلة للتكرار أو غير حاسمة. هذا أدى إلى جدل كبير حول موضوع التخاطر، مما يجعل المجتمع العلمي حذرًا جدًا في قبول مفهوم التخاطر كظاهرة علمية.
ويمكن، بلا شك، أن تكون التكنولوجيا فعالة في دراسة التخاطر من خلال توفير أدوات جديدة وتجارب محكومة. كما يمكن استخدام تقنيات مثل تصوير الرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI) أو تخطيط الدماغ الكهربائي (EEG) لمراقبة النشاط العقلي للأفراد أثناء التجارب الخاصة بالتخاطر. فعلى سبيل المثال، يمكن تصميم تجارب يتم فيها عرض معلومات على شخص واحد بينما يتم قياس استجابة شخص آخر لمعرفة ما إذا كان بالإمكان اكتشاف أي اتصال فعلي. ومع ذلك، تواجه دراسة التخاطر باستخدام التكنولوجيا تحديات، بما في ذلك صعوبة قياس الظاهرة، وتكاليف التجارب، وضرورة التحكم في المتغيرات لتقليل تأثير العوامل الخارجية مثل العواطف أو التجارب السابقة.
تشير بعض الدراسات إلى أن التخاطر قد يتعلق بالتفاعل الاجتماعي العميق والمشاعر المشتركة بين الأشخاص. قد يؤدي الحب أو التعاطف القوي إلى شعور الأشخاص بأنهم مرتبطون على مستوى عميق يمكن أن يبدو وكأنه شكل من أشكال التخاطر. وقد يلعب التحفيز النفسي والبيولوجي دورًا في كيفية إدراك الأفراد لهذا النوع من التواصل.
يعتبر الجدل حول وجود التخاطر جزءًا مهمًا من الدراسة. يشير العديد من النقاد إلى أن التخاطر هو نتيجة لتجربة نفسية أكثر من كونه قدرة حقيقية. العوامل مثل التواصل غير اللفظي، والمشاعر المشتركة، وحتى الصدفة يمكن أن تفسر التجارب التي يُشار إليها كظاهرة تخاطر. بالإضافة إلى ذلك، يعكس الكثير من الأشخاص في المجتمع العلمي الشكوك حول إمكانية حدوث التخاطر بشكل فعلي، ويعتبرون أنه لا يوجد دليل قاطع يدعمه. لذا فإن فهم التخاطر يتطلب نهجًا موضوعيًا وعلميًا.
وتظل ظاهرة التخاطر موضوعًا مثيرًا للنقاش والدراسة. وبالرغم من الأبحاث المتنوعة التي تم تنفيذها، تبقى النتائج غير قاطعة ولا زال هناك الكثير لفهمه. وبما أن العلم يتقدم وتظهر تقنيات جديدة، يمكن أن نأمل في مزيد من الفهم حول هذا الموضوع الغامض الذي يربط بين عقول البشر. ولا شك أنه قد تؤدي الدراسات المستقبلية، بالاستفادة من التكنولوجيا الحديثة، إلى اكتشافات جديدة تسلط الضوء على كيفية تواصل البشر على مستويات ربما لم نتخيلها من قبل.
إن ظاهرة التخاطر قد أثارت اهتمام العديد من العلماء والمستكشفين على مر العصور. ومن بين أهم الأمثلة على تجارب التخاطر التي تمت دراستها وتوثيقها، كان هناك تجارب تهدف إلى قياس التخاطر بين الأشخاص. في هذه التجارب، تم تزويد المشاركين بمعلومات معينة، وُطلِب منهم محاولة نقل تلك المعلومات إلى شخص آخر كان موجودًا في غرفة منفصلة. على الرغم من عدم الحصول على نتائج متسقة، أصبحت هذه الدراسة واحدة من التجارب الأولى التي تعالج التخاطر كظاهرة.
وفي الستينيات، قام أحد علماء الاجتماع، بإجراء العديد من الدراسات حول التخاطر، حيث استخدم بيئة تحكم للتحقق من إمكانية نقل المعلومات بدون استخدام اللغة. على الرغم من الإبلاغ عن بعض الحالات الناجحة، إلا أن الأبحاث لم تتمكن من إثبات التخاطر بشكل موثوق.
في الفترة من السبعينيات إلى التسعينيات، أدار مشروع "Stargate" – مشروع ستارغيت هو الاسم الرمزي الذي استخدم في عام 1991 لوصف الوحدة السرية التابعة للجيش الأمريكي والتي تأسست عام 1978 في فورت ميد بولاية ماريلاند من قبل وكالة الاستخبارات الدفاعية ومعهد ستانفورد للأبحاث للتحقيق من امكانية استغلال «ظاهرة الوسطاء» في العمليات الاستخباراتية وقوات الجيش -نقول قام هذا المشروع البحثي من قبل الحكومة الأمريكية لدراسة القدرات النفسية، بما في ذلك التخاطر. على مدار عدة عقود، استخدمت الوكالات الحكومية الأمريكية هذا البرنامج للبحث عن معلومات حساسة باستخدام ممارسة التخاطر. على الرغم من بعض النتائج المثيرة للاهتمام، تم إنهاء البرنامج بسبب نقص الأدلة العلمية الداعمة.
وفي السبعينيات كذلك، أجريت دراسات على مجموعات من الأشخاص الذين يعانون من تقارب عاطفي أو انسجام، مثل الأزواج أو الأصدقاء المقربين. كانت بعض النتائج تشير إلى وجود تبادل للمعلومات دون استخدام وسائل التواصل التقليدية، ولكن النتائج كما سابقتها لم تكن قاطعة.
في الثمانينيات، شهدت هذه الفترة اهتمامًا متزايدًا بظواهر مثل التخاطر، وخاصة في وسائل الإعلام. تم عمل تجارب تستند إلى التحديات بين المشاركين، حيث يُطلب من المشاركين إرسال معلومات خاصة إلى آخرين من خلال خطوات معينة. على الرغم من النتائج المتباينة، إلا أنها جذبت الكثير من الانتباه.
تعد تجارب التخاطر جزءًا من تاريخ البحث في الظواهر الخارقة والمقدّرة النفسية. مع ذلك، حتى مع وجود بعض النتائج المثيرة للاهتمام، لا يزال الكثير منها محل شك. وبالتالي تظل الحاجة مستمرة لإجراء أبحاث أكثر دقة وموضوعية لدراسة هذه الظاهرة الغامضة.
أخبار متعلقة :