بوابة صوت بلادى بأمريكا

إبراهيم الديب يكتب : أنا غير مسؤول

 
 
 
كان بيني وبين الرقيب أول" ممدوح " المسؤول عن فصيلة النقل في الكتيبة أثناء فترة التجنيد؛ صداقة قوية وتقارب نفسي و عقلي.
في صبيحة يوم من الأيام أرسل من يطلبني لمقابلته فذهبت إليه على الفور: فوجدته يجلس بين مجموعة من زملائي, ثم أشار إليهم وقال: بما أن هؤلاء جميعاً لا يفهمون شيئاً على الأطلاق ويعيشون تحت رحمة الله ,حتى يأتي الفرج من عنده، فضحك الجميع وأنا أولهم لطريقة مزاحه معنا بأسلوبه الساخر الذي يبعث على الدفء الأسري ,ويخبرنا عن صفاء ذهنه واعتدال مزاجه واستقامة نفسه، ثم واصل حديثه ولكن هذه المرة بجدية أكثر: أنا يا "ديب "عندي مأمورية عاجلة وجاءت إلينا إشارة  هنا للكتيبة: أن نرسل عشرة سائقين لكشف النظر وامتحان الدرجة الأولى, ووقع اختياري عليك بما انك تحمل شارة عريف وتقرأ ، وتكتب ،وهم موافقون حتى أنجز أنا المهمة الأخرى الاكثر أهمية.
فقبلت طبعا أن أكون مسؤولا فهي تكليفا قبل أن تكون تشريفا، وهو ما له تأثير داعب نزعة القيادة في نفسي أن أكون مسؤولا ، وهذا ما جعلني أقوم بتوفير نفقة السفر لجميع أفراد المأمورية الأحد عشر، وأنا على رأسهم، من سيناء لمدينة القصاصين ،لمركز امتحان السائقين، والمبيت بهم يومين في فنادق، والعودة بهم مرة أخرى, لأن جميع زملائي مفلسين والحق ولأن هناك عدل فأنا: استحق أن أكون زعيم المفلسين بجدارة ،ولكني جمعت النفقات من بقية معارفي و اشباهي في الكتيبة فنحن لا تكف عن الاقتراض من بعضنا البعض، بعد أن قال الرقيب أول ممدوح بتشفي وبطريقته الساخرة أنه اوقعني في ورطة: أنت المسؤول يا ديب اتصرف وأطلق ضحكة نفهم مغزاها سويا أنني أصبحت أحمل تبعات المسؤولية..
ولكن لا بأس كل شيء يهون من أجل أن الحصول على دور المسؤول، وقيادة هذه المجموعة التي تسير خلفي وأنا أشعر بخيلاء تسلل لداخل نفسي، فحملت الدوسيهات، وورق المأمورية ،والنفقات التي اقترضتها لحين قبض زملائي السائقين مرتب الشهر الجديد، ف المسؤولية تستحق التضحية من أجلها أكثر من ذلك ، ولكني تذكرت أننى فاشل :في التخطيط بالنسبة لعملية الانفاق ، ف أحياناً  أنفق في يوم ما يغطي نفقات شهر فأنا لا استطيع التحكم في نفسي كثيراً ولكني اتخذت قرارات بيني وبين نفسي: أن لا أفعل هذه المرة ابدا حتى أنجز المهمة بنجاح وذكرت نفسي للمرة الألف أنني المسؤول.
نزلنا الإسماعلية ونسيت كل شئء عندما شاهدنا أول مطعم  , فتناولنا به كمية كبيرة من الطعام  مرتفعة الثمن ، وبعدها مباشرةً اتجهنا للقهوة التي لم يكن حظها أقل من المطعم في عدد المشاريب من: الساقع الذي يعقبه الساخن، فذهبت نصف نفقات المأمورية ولم نفعل شئء بعد ، بتنا ليلتنا في فندق الإسماعلية وفي الصباح انطلقنا  لمستشفى القصاصين للكشف الطبي على العيون، ثم لمركز امتحان السائقين، كانت النقود تتسرسب من جيبي على طلباتهم، الغير مجدولة أصلا في نفقات الرحلة، فكان احدهم مثلاً: يطلب كوز درة مشوي, والآخر علبة سجائر، وخالد: نفسه في سندوتش بسطرمة فوافقت على طلبه , وأعطته يشترى لنا: اثنين فأنا الآخر مغرم بالبسطرمة، كان الجميع وكل من ليس له طلب ، يطلب هو الآخر من باب: اشمعنى أنا ؛ قبل أن يتعلل أنني المسؤول عنه، ولابد أن اوفر لهم كل طلباتهم ثم اضيف ما أنفقته على حسابه بعد أن وجه لي أحدهم لوم بأنني: طالما لست بقادر على تحمل المسؤولية لماذا قبلتها من الأساس، فبلعت:جملته الماسخة على مضض ولم أعقب.
ونحن جلوسا بداخل قهوة القصاصين  تجهمت وتقمصت شخصية القائد والزعيم واعلنت لهم عن حزمة قرارات أولها: أننا لن ننفق قرشا واحداً في غير الموصلات ، وأن العودة  للإسماعيلية للمبيت بها و لن يكون البيجوه وسيلة مواصلاتنا، وسنستقل القطار ترشيدا للنفقات فوافق الجميع، ولكن الخطة جاءت بنتيجة عكسية ،لأن أفراد المأمورية تناولت كل شيء كانت تحمله: باعة القطارات قبل أن يرسلوهم لي مطالبين بالثمن لأني المسؤول ، فطلبت أنا الآخر زجاجة كندا دراي برتقال مشبرة  كانت تسكن أسفل الجردل الذي يحمله البائع ،عندما شاهدت رضا زميلي يرفع واحدة منها لفمه ،و لم تنزل مرة أخرى بها نقطة ، فقد افرغها رضا في بطنه دفعة واحدة، هؤلاء البائعون كنت معجب بهم كثيراً منذ فترة طويلة ،ليس في قطار القصاصين فقط ،ولكن في كل قطار ركبته في مصر كانوا: يصعدون بالبضاعة ولهم قدرة عجيبة على ؛جمع  أكواب والزجاجات الفارغة ، مرة أخرى وثمن البضائع؛ قبل النزول بثواني في المحطة القادمة.
وصلنا للإسماعيلية وليس في جيبي قرشا واحداً فتجولت في المدينة وكنت على ثقة أنني سوف اجد في شوارع المدينة من؛ أعرفه من أبناء محافظتي دمياط  وقد كان بالفعل فاقترضت ثمن مبيت ليلتنا في الفندق وأجرة المواصلات لسيناء مرة أخرى, وقصصت بعد العودة كل ما حدث للرقيب أول ممدوح الذي لم يكف عن: الضحك لفترة طويلة هو وأفراد المأمورية التي كنت أنا مسؤول عنها ووافقت عليها بسبب ذلك ثم توقف الرقيب أول" ممدوح" عن الضحك وقال: أنا عارف إن كل ده ها يحصل.
وبعد عدة أشهر أرسل الرقيب أول ممدوح يطلبني ومعه مجموعة من زملائي في جوا وحالة اشبه تماماً  نفس وملامح المرة الأولى التي طلب مني حينها الرقيب أول ممدوح القيام بأداء المهمة السابقة، ودون أن أشعر بعد أن رأيتهم مجتمعين قلت: أنا هذه المرة: غير مسؤول ليغيب الجميع في نوبة الضحك لتبدأ بعدها بيني وبين الرقيب أول ممدوح المفاوضات.

أخبار متعلقة :