لم يعد يخفى على أحد أنه منذ السابع من اكتوبر ٢٠٢٣ لم ينعم قطاع غزة بأي خير، في حرب لم يحصد منها إلا الدمار والقتل. تسع شهور مضت لم تعرف فيها غزة إلا الخوف والموت. شبح الموت أصبح يخيم علي المدن والقرى والشوارع ، تحول القطاع بكامله لمدينة أشباح، انتشرت فيها السرقات والقتل والنهب ، سرقت ضحكات الأطفال البريئة وأحلام الشباب ، حولت حياة الناس الى عويل وبكاء، وأصبح النحيب والحزن هو الرفيق الدائم لهم في حياتهم اليومية. هذا من المعاناة التي كان يتكبدها الشعب في غزة قبل الحرب جراء سوء الأحوال المعيشية والغلاء الذي يجتاح العالم وعدم توفر فرص العمل وضعف مصادر الدخل بسبب توقف البنوك عن صرف رواتب العاملين في السلطة الفلسطينية بسبب الحصار ومنع تدفق الأموال للقطاع بسبب اغلاق اسرائيل علي الأموال المحولة من الخارج وتضيقات أخرى كثيرة ساهمت جميعها في تحويل الحياة في غزة إلى واقع لا يطاق . واليوم يكتمل السيناريو ليعش قطاع غزة حرب شعواء لم تحط رحاها حتى اللحظة بل ولا يعرف لها نهاية ومتى ستكون تلك النهاية، لكن مؤكد أنها حرب أكلت الأخضر واليابس لم تبقى ولا تذر الخاسر الوحيد فيها هو الإنسان المواطن الغزي الذي يعيش علي تلك البقعة من الأرض
ومما لا شك فيه ، أنه ما من حرب تقوم إلا وكانت مخاسرها كبيرة، مهما حققت من مكاسب وانتصار فهي على الإنسان وبال. فخيار الحرب على الإنسان هو الأسوء وإن استعد له هذا إن كان خيارا، أما وإن كان قد فرض عليه فهو كارثة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى، كونه لم يستعد لها علي الإطلاق لا جسديا،لا نفسيا ولا معنويا، يجد نفسه بين ليلة وضحاها في خضم معركة تدور رحاها ،قد يفقد فيها كل شئ وليس له فيها أي ذنب ، فينتهي به الوضع لواقع جديد لم يكن يوما يعهده ولا يتخيله ، وعليه أن يقبل به ويتعايش معه. فالحروب من أكثر الظواهر السلبية التي تؤثر علي البشرية جمعاء. تتسبب في خسائر فادحة في الأرواح والممتلكات وتخلق دمارا هائلا يمتد لسنوات بعد انتهاء الصراع. ، ينتشر الفقر والجوع والتسول بين الناس ويسهم في تهجير السكان للبحث عن ملاذ آمن. وأكثر ما تجلبه الحروب والصراعات هي الإذلال وكسرة النفس لمن يعيشها على أرضه. فالحرب حتى للمنتصر خسارة لما تزهقه من أرواح وخسائر مادية على الأرض وما تسببه من خسارة للإقتصاد لسنوات عدة. ...قرار الحرب ليس سهلا ولا هو طريق معبد بالورود ولا رحلة تنتهي بين يوم وليلة بل هي انقلاب كبير للحياة وقطار يخرج عن مساره ليسلك طريق آخر مجبر عليه
والمتابع لجميع الحروب التي تحدث حول العالم يعرف تماما بأن الحرب صناعة لها صناعها المحترفين الخاصين بها ، هؤلاء المستفيدين الذين يؤججون الصراعات الدولية والحروب الإقليمية والأهلية والنزاعات الطائفية والإفتتال الداخلي بين العائلات وأفراد الوطن الواحد، وذلك للمساهمة في بيع الأسلحة الموجودة وتجريبها علي البشر لمعرفة مدى فاعليتها وقدرتها على الفتك والقتل والدمار ومن ثم التحفيز على تطويرها التكنولوجي والعلمي من خلال ابتكارات جديدة في مجال السلاح والتكنولوجيا العسكرية أكثر فاعلية وأكثر فتكا بالإنسان. هؤلاء الذين يعتشاون على دماء الناس ولا يهمهم معاناتهم بقدر اهتمامهم باستغلال الأوقات الصعبة لاستثمار ذلك اقتصاديا لتحقيق أكبر قدر من النقود. يثير دورهم جدلا كبيرا وحنقا أكبر بين أفراد المجتمع أثناء الحرب. عادة ما يكونوا إما أفرادا، كيانات أو حتى شركات يعتاشون على النزاعات والحروب. وكلما طال أمد الحرب كلما زادت أرصدتهم في البنوك. هؤلاء الأشخاص أو الكيانات يمكن أن يكونوا من منتجي وموزعي الأسلحة أو من يقدمون الخدمات للناس أثناء الحرب بل ويعملون على زيادة توترات الحرب
إنهم " تجار السلاح " و "تجار الدم "الموجودون في كل مكان في العالم، لا يأبهون لما يحدث للإنسان ولا ينظرون لقيمة الإنسان فهي ليست على رأس أولوياتهم، حيث يمكن لهؤلاء الأفراد رؤية معاناة الإنسان بشكل عام أداة لتحقيق أهدافهم المالية والسياسية دون أخذ في الإعتبار لقيمته الإنسانية، و كل ذلك من أجل امتلاك القوة لترويض العالم والسيطرة عليه من قبل حفنة من البشر ، ترويض الإنسان من خلال تفقيره وتجويعه وإذلاله وتحويله لسلعة رخيصة ولا بأس من قتله إذا كان لا مفر من فأصبح سعر الإنسان قمة في الرخص وسعر الأداة التي يقتل بها أغلى من ثمنه
ولو تمعنا النظر قليلا لوجدنا أن الإنسان هو الكائن الأهم في هذا الكون، فهو الذي يجسد فلسفة الحياة وجوهرها، إذ يرتبط بالأرض والوطن وبالإنسانية بشكل عميق ، وهو قوة تحرك العالم بأسره نحو الأمام، وهو من يجعل كل شيء يحيا حياة مليئة بالمعنى والقيمة، وبدونه لا قيمة لأي شئ آخر. بل وأن الله سخر له كل شئ في هذا الكون، ليعمر الأرض إلى ماشاء الله ثم يموت بعد ذلك متى أراد الله ، بإختصار الإنسان هو قلب الحياة يمتلك من الخصائص الفريدة ما لا تمتلكه المخلوقات الأخرى ما جعله العنصر المحوري في بناء المحتمعات، لذا يجب أن يعيش في سلام كي يبني ويعمر الأرض لا أن يقتل ويأسر ويهان .
أخبار متعلقة :