بوابة صوت بلادى بأمريكا

د.محمد فتحي عبد العال يكتب : الليلة الأخيرة

 
لم يكن فاروق يتصور أن عشاؤه مع أفراد من حاشيته كانطوان بوللي ونهاد رشاد وزوجها يوسف رشاد طبيبه والأميرة فائزة وزوجها محمد علي رؤوف والأميرة فوزية وزوجها العقيد إسماعيل شيرين والنبيل محمد وحيد الدين بن الأميرة شويكار   في فندق سيسل بالإسكندرية سيكون الأخير وأن ساعات قليلة تفصله عن المصير الموعود وأي مصير !!
وحتى نكون على مقربة من لحظات فاروق الأخيرة كان لزاما أن نعود لمذكراته؟ وهل لفاروق مذكرات؟!!
كانت عدة أحاديث لفاروق أدلى بها للصحفي نورمان برايس في سلسلة مقالات نشرت بصحيفة «ذا صنداي هيرلد» البريطانية حملت  عنوان: «الملك السابق فاروق يروي قصته»، وممهورة بتوقيعه «الملك فاروق فؤاد، ملك مصر المنفي» بداية من 12 اكتوبر 1952  وقد غلب على المذكرات شعور لدى الملك بعدم تصديق ما حدث والغضب الشديد الذي يبدو من تعليقه على حوادث صغيرة قد لا تستدعي عنايته فأضاع فاروق جزءا كبيرا من أحاديثه في الرد على اتهامات صحفية ساذجة من عينة "فاروق يفطر ب 12 بيضة" و"حمامات فاروق الساخنة تستخدم كل مخزون المياه في الفندق " و"لون قميص نوم ناريمان" وإفراد صفحات كاملة لها وكأنما بدأت تثير حفيظته وحنقه الاتهامات التي تتطاله من أصحاب العهد الجديد أو "النجيبيون" كما أطلق عليهم  وبعدها  صمت تماما  وتوقف وإلى الأبد.
تكشف الأحاديث عن كواليس الأيام الأخيرة قبل الثورة  وأن الملك قد أخبر من جانب ضابطين بموعد الحركة وبدوره اتصل برئيس الأركان لتحذيره لكن الأمر قد قضي وتم حصار مبنى القيادة العامة.
كان فاروق شديد التوتر في لحظات عصيبة يخشى فيها على نفسه وعلى أسرته ومن الشائعات أيضا ومن المذكرات نستطيع أن نصل إلى    ولاء القوات البحرية لفاروق حتى آخر لحظة ودعم وتأمين السفير الأمريكي (جيفرسون كافرى) لخروجه وأسرته سالمين ودخول  علي ماهر باشا الرجل المعادي للشيوعية كوسيط مخلص بين الملك والجيش  ولذلك كان خروج فاروق إلى قصر رأس التين  في حماية القوات البحرية كذلك تكشف المذكرات أن خروج فاروق بالبحر وليس بالجو كان نتيجة خشية فاروق على حياته وحياة ولي عهده من  أن يكون هدفا لسلاح الجو المصري.
بحسب الأحاديث تولى تأمين قصر رأس التين فرقة عسكرية سودانية قوامها ثمانمائة مقاتل لكن هذا لم يمنع من حدوث إطلاق نار من جانب الثوار ويتحدث فاروق عن انبطاحه وزوجته الملكة ناريمان وبناته لتفادي النيران ثم انخراطه في إطلاق النار بعد ذلك حيث أصاب رجلا في ساقه وآخر في كتفه وهي مسألة لم ترق لفاروق الذي كره أن تكون الدماء سيدة الموقف  والتقاتل يستعر بين جيشه كما قبض على اللواء عبد الله النجومي باشا قائد الحرس الملكي و كبير الياوران. كان فاروق ذكيا بما يكفي ليدرك أن اشتراك القوات البحرية في تصفية حركة يقودها باقي الجيش ضده بمثابة انتحار لذا كان لجوئه للمهادنة والوساطة في منتهى الحكمة فتحدث مع على باشا ماهر  وسفير الولايات المتحدة كافرى وهو يكشف لنا الطريقة التي استخدمها في الاتصال على الرغم من حصار القصر وقطع الاتصالات عنه تماما فقد كان يحتفظ في قصره بخطي تليفون سريين لمثل هذه الطوارىء وهو ما يتفق مع شهادة الملكة ناريمان.
   يؤكد الغريب الحسيني حارس فاروق في مذكراته "سنوات في البلاط الملكي" أن تبادلا لإطلاق النار قد وقع بين القوات المحاصرة للقصر وكتيبة حرس الحدود التابعة للحرس الملكي وأن توفيق بك زاهر الياور الخاص والمصاب بالسكر أصيب فيها وذلك بعد وقت قصير من مغادرة علي باشا ماهر القصر ومعه وثيقة التنازل عن العرش والطريف حول هذه المسألة وتنفرد به مذكرات الغريب أن اعتراض فاروق على الوثيقة والذي وصل لحد الصراخ لم يكن بسبب عبارة "نزولا على إرادة الشعب" ولكن على مخاطبته بملك مصر دون السودان مما استشعر منه نية رجال الثورة فصل السودان عن مصر!!!  
خرج فاروق ببعض من شروطه فأطلقت له المدفعية 21 طلقة  ولم تصور مشاهد خروجه سينمائيا لكن مندوب مجلة الجيل الجديد نجح في تصويره من الخلف أثناء وقوفه على ظهر اللنش الذي نقله للباخرة المحروسة.
ولكن لماذا وقعت الثورة على فاروق ؟!
يوجه فاروق سهام الاتهام في تدبير الانقلاب عليه إلى الإخوان المسلمين والشيوعيين وأن السفارة الروسية  في القاهرة هي من أمدت الإخوان بالأموال مستبعدا قدرة نجيب على التخطيط لهذا الانقلاب منفردا وأن الروس يخططون لأن تكون مصر كوريا ثانية وأنه كان العقبة التى تقف أمام مخططهم باعتباره "أول حاكم شرق أوسطي سجلته الخارجية البريطانية معارضا للمد الشيوعي ومحذرا من آثاره" وأنه سمح بوجود سفارة لهم تحت ضغوط السير مايلز لامبسون المندوب السامي البريطاني باعتبارهم حلفاء بريطانيا !! واصفا نفسه بالملك الذي "كان نقطة التجمع الوحيدة ضد الشيوعية في الشرق الأوسط" وهو ما يتفق مع شهادة (أحمد مرتضى المراغي) آخر وزراء الداخلية في العهد الملكي في كتابه "شاهد على حكم فاروق" من أن النشاط الشيوعي في مصر كان مؤرقا لفاروق وجل اهتمامه كان منصبا عليه .كما تطرق فاروق  لأسماء ممثلي الشيوعية في مصر مثل :فتحي رضوان والذي عينه محمد نجيب متحدثا عنه ووزيرا للإرشاد  ودرية شفيق بنت النيل ويقال أن سؤال فاروق الأخير لسكرتيره الدكتور حسين حسني عن مدى وقوف الشيوعيين والأخوان في الثورة ضده.
نأتي لسؤال من واقع أحاديثه :لماذا لم يستعن فاروق بالقوات البريطانية المرابطة على مقربة منه  أسوة بعمه توفيق حينما تعرض لنفس الموقف قبل سبعين عاما ؟!!
يجيب فاروق عن ذلك بأنه كره أن يكون إنقاذ حياته على أسنة رماح القوات البريطانية وبالتالي يخسر أي دعم شعبي إذا اقتضت الظروف ذلك خاصة وأنه يرتكن إلى رصيد شعبي لا بأس به بعد حادث 4 فبراير  فآثر الحل السلمي عبر أمريكا القوى العظمى الصاعدة والمناوئة للاتحاد السوفيتي وتسعى لدور متزايد في منطقة الشرق الأوسط .ثمة سبب آخر لمحته بين مذكراته وإن لم يشر إليه صراحة وهي ظروف النشأة وقسوة المربية الإنجليزية التي جلدته بالسوط وهو طفل لأنه خلع معطفه الصوف وما أضمره في نفسه من أن يرد لها الصاع صاعين حينما يكبر لكنه عفا واكتفى بطردها خارج القصر فقسوة المربية الإنجليزية ولدت لديه شعور بالكراهية لكل ما هو  إنجليزي علاوة على الطريقة الفظة التي كان يعامله بها السير مايلز لامبسون وكانت على قائمة الموضوعات التي تحدث بها إلى الرئيس الأمريكي (فرانكلن روزفلت) في جلستهما على متن الطراد الأمريكي "كوينسي" في البحيرات المرة عام 1945.
إذا هل اختار فاروق التخلي عن الحكم حقنا لدماء جيشه حقا كما يزعمون؟ أم لأنه قرأ مستقبل العالم كما يروج محبيه وأن العالم سيكون به خمسة ملوك أربعة  بالكوتشينة وملك بريطانيا فقط ولذلك غير بنفسه مسمى السلام الملكي إلى السلام الوطنى ؟
أعتقد أن تخلى فاروق عن العرش بهذه السهولة ودون مقاومة كان لأسباب عكس ما يتم تداوله  تماما فالواضح أن القيادات الموالية له بالجيش والداخلية كان قد تم القبض عليها والقوات البحرية التي تدين له بالولاء ليست كافية لتدخل في معارك من أجله وربما كانت قياداتها ليست على اتفاق تام حول خوض مثل هذه المعركة الخاسرة هذا بفرض أن المعركة كانت مطروحة من الأساس. الأمر الآخر ما أشرنا له في البداية  أن فاروق لم يقرأ المشهد العالمي بشكل صحيح بعد الحرب العالمية الثانية وأن موازين القوى قد تبدلت وأصبح القطبين الصاعدين هما روسيا التي عاداها بشدة وأمريكا التي تساند الكيان الصهيوني الذي عاداه فاروق في مهده وأصر على خوض حرب ضده فمن الطبيعي حينما تدور الدوائر حول فاروق أن تتخلى عنه جميع القوى العظمى الصاعدة وربما أبلغ بشكل صريح بأن وجوده غير مرغوب فيه وعليه أن يرحل في مقابل تأمين حياته وحياة أسرته والإبقاء على ابنه ملكا تحت الوصاية وهو ما قد كان .
من بين ما جاء في الأحاديث رؤية فاروق لرجالات نظامه فيصف فاروق (علي ماهر) بالرجل الفاضل المخلص الذي تحمل الإهانات حتى اللحظة الأخيرة  من أجل عرشه والواضح أن  فاروق كان يشعر بالامتنان لكل رجالات أبيه واختياراته   فيما لم ينطلى عليه إظهار البعض تعاطفا معه في ساعاته الأخيرة .
كان حدس فاروق مشتعلا طوال الوقت لا يستطيع أن ينزع احتمالية الخيانة من أيا من مساعديه فقد تخلى عنه من كان يؤمن جانبهم فما بال البعيدين ؟! فنجده  يصف دموع (سليمان حافظ) التي كست وجهه وهو يحمل وثيقة التنازل وعلامات التأثر البادية عليه  و تطوعه للاتصال بأصدقائه  "بدموع التماسيح" فهي حيلة تمثيلية لمعرفة أسماء من ظلوا على ولائهم له وقد يآزرونه ضد المتمردين ولفاروق الحق في ذلك إذا علمنا أن أحمد مرتضى المراغي وزير داخليته وفي ظروف دقيقة كهذه كان يحمل قدرا كبيرا من الضغينة والكراهية كذلك موقف محمد حيدر باشا وزير الحربية السابق والقائد العام للقوات المسلحة من فاروق يعكس تراخيا في التعامل مع عناصر الجيش الثائرة منذ البداية .
أما موقف فاروق من محمد نجيب والذي استبدل اسم ابنه البالغ من العمر 14 عاما من فاروق لصلاح الدين بعد الثورة فكان على شقين .الشق الأول يبدي فيه تعاطفا مع رجل يراه مدفوعا من الخلف وأنه يخشى على حياته وهو ما تحقق بالفعل من خلافات لنجيب مع مجلس الثورة في أزمة مارس 1954 وما تلاها من تحديد إقامته ويقدم فاروق دليله على هذه النظرة المستقبلية بقول نجيب له وقد أتى لوداعه متأخرا على لنش مسرع :"أنا لست مسؤولا عن الذي حدث !كنا نأمل خيرا بهذا الانقلاب ،لكن الأمر خرج من أيدينا وتطورت تداعيات الموقف لأبعد مما كنا نتصور !".
الشق الثاني كان ينظر فيه فاروق لنجيب باعتباره رجلا مراوغا يجيد طمس الحقائق  فعلى الرغم من مطالبه التي وافق عليها الملك قبل ثلاثة أيام من الانقلاب بترقيته إلى رتبة فريق إلا أنه أدعى أنها كانت عرضا من فاروق ورفضه  وكذلك فيما يتعلق بطلب نجيب وداع فاروق والذي تغير بعد ذلك إلى كونه من شروط فاروق للتنازل وفي ذلك يجد فاروق دهشة في فهم  إحجام نجيب عن الاعتراف بالحقيقة كسلوك راق تجاه الرجل الذي تمت إزاحته عن عرشه .
ولا تخلو الأحاديث في هذا الجانب من محاولات لدغدغة العواطف عبر إشارة فاروق لكونه ملكا دستوريا بينما حكم نجيب حكم ديكتاتوري متجاهلا قرب الفترة الزمنية التي يدلي فيها بأحاديثه فتلاعبه بالدستور وأزماته مع الوفد وتقريبه لحكومات الأقلية التى اشتهر بها عهده وعهد أبيه كانت محفورة لدى الجيل الذي يخاطبه وقتئذ.
السؤال : كيف استقبل قادة الثورة الجدد تصريحات فاروق ؟
جاء رد (محمد نجيب) على فاروق بحسب جريدة الأهرام  بأن "الحرس الملكي لم يدافع عن الملك السابق بل انضم إلى الجيش وأن الشذوذ الحسي يسيطر على فاروق ورجال حاشيته يلعنونه ويلعنون الظروف التي جمعتهم به "وأن الثورة عليه تستهدف المبادىء الديموقراطية الصحيحة وأن "عملنا الصالح خير رد على  إفتراءات الملك السابق" .
نأتي لحديث فاروق عن  رحلته للمنفى بايطاليا وقد سيطرت عليه هواجس الخشية على حياته من الاغتيال فهم بإظلام المحروسة تماما ثم تراجع عن ذلك كما زعم أن سفينة مدفعية رمادية اقتربت من المحروسة التي تقله وأسرته لنسفها والادعاء بعد ذلك بانتحاره وأن جلال بك علوبة قائد المحروسة وباقي الطاقم كانت أسرهم رهن الاحتجاز لضمان عودة الطاقم وعودة المحروسة بأمر نجيب !وهو ما يتوافق مع مذكرات الغريب الحسيني "سنوات في البلاط الملكي".
أكثر ما استولى على فكر فاروق في أحاديثه  كان دفع الشائعات عن نفسه والتي تناقلتها صحف الثورة حول ثروته والصناديق الحافلة بالأموال  التي خرج بها من مصر والتأكيد على أن ذلك عار تماما من الصحة فمائة وخمسين صندوقا بصحبة ستين فردا من المرافقين له تعنى أن نصيب الفرد ثلاثة صناديق وحسب لا تكفي إلا للأغراض الضرورية من ملابس وألعاب للأطفال وأن الصناديق الكثيرة الممتلئة بالخمور على سطح السفينة كانت جزءا من بروتوكولات ومراسم الترحاب بالضيوف الأجانب وليست لاستخدامه الشخصي كما أشيع وهو حريص أن يكون دفاعه عن نفسه أمام ابنه ملك مصر المقبل غافلا عن أن مستقبل  الملكية في مصر على وشك الانقضاء  بعد أشهر قليلة من هذه الأحاديث .
بحسب لجان الجرد التي تشكلت بعد الثورة فثروة فاروق كانت 55 ألف فدان ورثها عن أبيه وزادت إلى 146 ألف فدان منهم 23  ألف فدان اشتراها والباقي استولى عليها قسرا وحساباته في البنوك كانت 2 مليون و600 ألف جنيه بالبنك الأهلي ومليون و100 ألف جنيه ببنك مصر سحب منها مليونا قبل رحيله وله حسابات في البنك البلجيكي بأسماء مستعارة سحب منها أمواله قبل مغادرته أيضا وبحسب صحيفة المصري في 28 يوليو 1952 فثروة فاروق بالخارج قدرت بأكثر من 10 ملايين دولار في بنوك أمريكا وحدها والتي نصحه مسؤوليها بعدم اللجوء لبلادهم .
  لا ينبغي إغفال مسؤولية فاروق بشكل مباشر عن بعض الشائعات التي نالت من سمعته فيما يخص علاقاته بالراقصات وبعض نجمات السينما في عصره وهي شائعات حرص فاروق على تنميتها بإجماع معاصريه للتغطية على فقدانه القدرة الجنسية عقب حادث القصاصين عام 1943 كذلك تصرفاته الشخصية التي حطت من صورته كملك في نظر رعيته فماذا يقول شعب عن ملك يقترن اسمه بالملك الصالح على صفحات الجرائد نهارا فيما يشاهدونه ليلا يلعب الورق في نادي السيارات ؟!وهي أمور كان يمكنه أن يجعلها بعيدا خلف جدران قصره كذلك شهر العسل الذي قضاه مع عروسه ناريمان في أوروبا وجعل شيخ الأزهر (الشيخ عبدالمجيد سليم) يقول "أتقتير هنا وتبذير هناك" كما نشر أحمد حسين زعيم حزب مصر الفتاة مقالا حمل عنوان "رعاياك يا مولاي" معززا ذلك بصور لأطفال ينامون في العراء ملابسهم ممزقة وأقدامهم حافية ومرارة الحاجة تعتصرهم.
سؤال على الهامش : هل كان وضع الفقر في عهد فاروق مختلفا عن وضعه في عهد والده الملك فؤاد ؟
لا بالطبع فالفقير كان خارج معادلات الحياة وحسابات التنمية في هذه الأزمنة طوال الوقت ولا تنظر يا عزيزي لفخامة القصور والفلل والشوارع بالصور القديمة على صفحات الفيس بوك التي تترحم على الزمن الجميل فجدي وجدك لم يكونوا يوما من ساكنيها !!
نعود لإجابة السؤال :في ديسمبر 1928 حملت مجلة (كل شىء والعالم) على غلافها عنوان "فقراؤنا عار على الوطن : لماذا يجب أن نمحو الفقر والشحاذة؟"   جاء ذلك بمناسبة انعقاد مؤتمر الطب في القاهرة حيث كرهت المجلة أن يأتي الأطباء للمؤتمر من بقاع العالم ليروا "العار" من "أمثلة الإنسانية المعذبة في شوارعنا" فبحسب المجلة "ليس في العالم كله مدينة كالقاهرة يرى فيها الإنسان هذه الجثث الحية التي يسير بها أصحابها وكأن نفوسهم تجر أبدانهم " من فرط الضعف و"الأيدي المجذومة" التي تمتد إلى الأغنياء طلبا للصدقة والأم الشاحبة تحمل أطفالها وحولهم "سرادق من الذباب " تسمع طلبها للصدقة من الضعف "كاستجارة مريض ومواه القطة" وأن "أكواخ الفلاحين" لا يمكن اعتبارها منازل والأمراض بين الفقراء تنتقل إلى الأغنياء لذلك طالبت المجلة الحكومة باستخدام الاحتياطي المالي الكبير للقضاء على الفقر ..
من العوامل الخارجية التي عجلت بنهاية فاروق ومن ثم الملكية في مصر الفضائح التى ارتبطت بأسرة محمد علي باشا كزواج الأميرة فتحية من رياض غالي الذي أسلم من أجلها  وزواج الأميرة فاطمة طوسون بغير موافقة فاروق من أمير برازيلي مسيحي هو" دوم جوان " بقي على ديانته  إضافة لفضائح الملكة نازلي كلها أضعفت من مكانة فاروق و نالت من احترام العرش .
سعي فاروق أيضا لانتحال صفات ومسميات تمنحه مزيدا من الوجاهة أسهم في رسم صورة عبثية ومضحكة له بين العامة والخاصة فالملك السابق الذي لم يحصل على أي شهادة في حياته جاءت الصحف لتبشر القراء بالدكتور فاروق مرتديا روب دكتوراه جامعة فاروق في عام 1943 كذلك سعي فاروق للانتماء للأشراف وثبوت نسبه إلى السلالة النبوية الشريفة من ناحية والدته حفيدة سليمان باشا الفرنساوي  في مايو 1952 !!! وهو ما وصفه النحاس بالمؤسف والمضحك "وإلى الهزل أقرب إلى التعقل".
كذلك  الصحافة الدعائية للملك في فترة عهده أسهمت في انهيار هيبة الملك من حيث أرادت مساندته فهي إما تختلق أخبارا أو توظف أخرى بشكل ساذج على نحو أن الملك اصطاد 344 بطة وسفير الهند بطة واحدة !!! أو أن حمامة بيضاء هبطت على عربة جلالته أثناء سير موكبه يوم توليه الحكم عام 1937 أو أن جمل هرب من المجزر إلى قصر عابدين عام 1944 فأمر الملك بشرائه وعدم ذبحه وضمه لمزارع أنشاص ليعيش معززا مكرما أو أن الملك دخل المطبخ الملكي بسراي القبة ليخرط الملوخية بنفسه بالمخرطة والتي وضعت بعد ذلك بمكان خاص "ذكرى لزيارة المليك الشاب" !! كل هذا كان له مردود سلبي على صورته الشعبية كملك وقائد مفترض أن تشغله مشاكل أمته في فترة شهدت تحديات إقليمية ودولية صعبة إذا ما قورن ذلك بوالده الملك الصارم فؤاد الذي قلما نجد له صورة ضاحكة . كما أحاط فاروق نفسه بجماعة من الصحفيين الانتهازيين مثل كريم ثابت والذي حذره إسماعيل باشا صدقي من أنه يعمل بصحيفة تتقاضي مصروفات سرية لكن فاروق أصر على تعيينه مستشارا صحفيا غير ملتفتا إلى أن الذي يبيع ضمير قلمه من السهل أن يبيع مولاه وهو ما كان فكما كتب كريم ثابت عن فاروق  "الفاروق والعروبة"  جاءت مذكراته بعد الثورة "فاروق كما عرفته" و"عشر سنوات مع فاروق"   مسيئة ومتجنية على  فاروق في أجزاء كثيرة .
 
 
* د.محمد فتحي عبد العال 
كاتب وباحث وروائي مصري 
كتاب نوستالجيا الواقع والأوهام

أخبار متعلقة :