بوابة صوت بلادى بأمريكا

القصة الشاعرة وأجيال الإبداع (4) بقلم عمرو الزيات

إن الإجابة على هذا السؤال المشروع ليست سهلة؛  لأنها منوطة بضمير الغيب، وبضمير جيل من المبدعين الذين يولون وجههم شطر كل جميل من ضروب الإبداع الحق الذي يُعني بالإنسان وهمومه، وبالمجتمع ومشكلاته وصلة المبدعين بتلك المشكلات؛ لكن – مع كثير من التفاؤل – لدينا الآن طائفة من الشعراء المبدعين من شتى بقاع الوطن العربي أثبتوا أنهم على الدرب سائرون بخطى واثقة، وأن الاتجاه –القصة الشاعرة– له أتباع ومريدون ، وأنه لم يتوقف عند إبداع الرائد وحده.
وسوف نعرض لنماذج من إبداعهم وإبداع الرائد المؤسس؛ إثباتًا لما ذهبنا إليه من تأثير القصة الشاعرة وسماته في شعراء هذا الجيل؛ بل إن الأمر قد تجاوز ذلك؛ إذ إن ظهور هذا الجنس الأدبي على يد رائده منذ عشرين عاما كان سببًا رئيسًا في دعوات التجديد أو محاولاته المستمرة في جميع الأجناس الأدبية الأخرى؛ فدعا بعض الشعراء إلى الالتفات للبحور المهملة والمهجورة والقوافي الصعبة وكذا اللزوميات، واستحدثت تقنيات للقصة القصيرة والومضة والقصة القصيرة جدًا، كل ذلك محاولةٌ للسير جنبًا إلى جنب مع ما أحدثته القصة الشاعرة من تجديد.
نماذج من القصة الشاعرة :
- إبهار ..   محمد الشحات محمد
كان "سَيْبيري" يرى تفْويضَه مائدة الحصْنِ إذا غابت شعوبُ الأرضِ، أو صامت إمارات "الحلالِ" الشّهْرَ طَوْعًا..، قرَّر التنفيذَ، ناداهُ ابنُ نوحٍ، فاستقلَّ النَّهْرَ مِن أعْلى جبال النورِ حتّى وقَّعَ الناسُ، عَدا أبْرهةٍ؛ أعْلنَ سدًّا لاتفاقيّة أغصانِ التَّمَنّي .. جفّتِ الأوراقُ، مدّ الجذرُ مُومْياهُ، استعدّ المَوْكبُ، احْتجّتْ فراعينُ الإماراتِ على التّحْريرِ ..؛ شقّتْ طلْعةٌ مجهولةٌ "رافالَ" بطْنِ المُنْحنى؛ ضفْدعة العاشرِ عادتْ تُغرقُ الأوزونَ، فانهارتْ مِنَ الأشلاءِ جولدا ..
أكّدَ الشَّعبُ التفافًا وطنيًّا .. شاركَتِ العالمَ مصرُ، استقبلَ التشكيلُ ترسيمًا جديدا، بثّتِ الصينُ الحزام الأخضرَ، اهتزّت شرايين النّهى ..، ألْقى عصامُ السّدْرةَ الأولى، التقى الجمعانِ في تنميةِ الإبهار .. عُدنا.
يجئ العنوان " إبهار" عنوانًا مقتضبًا من كلمة واحدة نكرةً ليفتح آفاق العقل على مصاريعها ؛ وليحلق المتلقي في عوالم شاعرنا الرحيبة متكئا على ما توحيه الكلمة من معاني الدهشة والمفاجأة، تشحذ قوته وتستحثه على التحليق نغمات الرمل المتلاحقة وكأنه يهرول ليساير الشاعر في رحلة الإبهار التي لا تنقضي، ( كان  ) بزمن المضي لكنها تفيد تجدد واستمرار الوضع الذي نعلمه جميعًا ونترقب عواقبه في خوف شديد (فاستقلَّ النَّهْرَ مِن أعْلى جبال النورِ حتّى وقَّعَ الناسُ، عَدا أبْرهةٍ؛ أعْلنَ سدًّا لاتفاقيّة أغصانِ التَّمَنّ ) يشحن شاعرنا النص بتلك الرموز  ويلقي بكل أسلحته؛ فالأمر لا يحتمل المهادنة، والأديب الحق سلاح أمته، يرى ما لا يراه غيره ويستشرف الأحداث الجسام بما أوتي من رقة الشعور وحسن قراءة الأحداث.
(جفت الأوراق ) مرارة المآل الذي تؤول إليه الأمور، وما يوحيه الفعل ( جفت ) من أمارات الموت والخراب والدمار ، ( أكّدَ الشَّعبُ التفافًا وطنيًّا .. شاركَتِ العالمَ مصرُ، استقبلَ التشكيلُ ترسيمًا جديدا، بثّتِ الصينُ الحزام الأخضرَ، اهتزّت شرايين النّهى ..، ألْقى عصامُ السّدْرةَ الأولى، التقى الجمعانِ في تنميةِ الإبهار .. عُدنا. )
يبني الشاعر قصته الشاعرة على التدوير القصصي وهو " تقنية سردية تعمل على سيادة السرد على التفاعيل، وتجعل من البناء كلًا ممتزجًا لا انفصال فيه، وتجعل من التدوير الشعري آلية سردية لازمة لهذا البناء، مما يجعل القص متبطنًا النص من أوله إلى آخره "
معتمدا في ذلك على مقدرته في توظيف الموروث الديني الواضح في ذكر ابن نوح، ثم ثقافته التاريخية في شكل قصصي بديع، واستطاع أن يبهرنا كل إبهار.
نعم  التقى الجمعان في تنمية الإبهار ، ثم عدنا، ختام بديع حيث العودة بدون هدف وبلا نتيجة، إنها رسالة يؤمن بها شاعرنا ولا يحيد عنا فهو يرى أن الأدب لن يكون أدبًا ما لم يكن له نصيب من شعور الإنسان، وبهذه المثابة يحدثنا عن ( الصين ) فيحدثنا عن قريب، ويروي لنا خبر البطولة ( ضفدعة العاشر عادت ) فيروي لنا خبرًا يهزُّ نفس الفقير والغني والصغير والكبير.

أخبار متعلقة :