لم يكن طوفان الأقصى الذى قلب الأوضاع فى منطقة الشرق الأوسط رأساً على عقب سوى رد فعل لإخفاق الدبلوماسية الأمريكية فى تسوية الصراع تلك المنطقة القلب من العالم والتى تعد بمثابة برميل بارود يمكن أن ينفجر فى أى وقت ليطيح بالمنطقة فى حرب إقليمية مدمرة.. ولعل ذلك كان السبب المباشر وراء دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى ضرورة وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية فى غزة فى المقام الأول وتحاشى خطر التصعيد فى منطقة الشرق الأوسط وعواقبها الوخيمة المحتملة والتى لا تزال مضطربة على نحو كبير.. وقد تضمنت دعوة «الأمين العام» من أجل تحقيق الاستقرار فى المنطقة على المدى الطويل تنفيذ «خارطة طريق» سياسية واضحة واتخاذ تدابير ملموسة لتهدئة التوترات وإيجاد حلول سياسية مستدامة تهدف إلى حل النزاعات الطويلة وليس مجرد إدارتها لتحقيق السلام والأمن الإقليمي.. وقد أشار «مارتن أنديك» فى كتابه «سيد اللعبة» وقد كان أحد المشاركين على الساحة الدولية فى النشاط والفكر الدبلوماسى والدور الذى قام به «كيسنجر» فى الفترة التى سبقت الحرب وأثناء القتال وفى الجهود التى قادت إلى توقيع اتفاقيات فض الاشتباك بين إسرائيل ومصر وسوريا.. وقد أشار «أنديك» إلى تلك الأخطاء التى ارتكبها «كيسنجر» والتى كان لها تكلفة بشرية واستراتيجية عالية والتى مازالت تؤثر على عملية صنع السلام حتى يومنا هذا وإنه لوكان أخذ رأى الرئيس السادات على محمل الجد فى البداية لكان من الممكن تجنب حرب يوم الغفران «أكتوبر 1973»..ويستطرد «أنديك» قائلاً لو كان مكن «كيسنجر» العاهل الأردنى «الملك حسين» عندما اتيحت له الفرصة من استعادة موطء قدم فى الضفة الغربية لربما كانت نتيجة ذلك على المعضلة الكبرى ويقصد «القضية الفلسطينية» مختلفاً على نحو كبير الآن.. ويرى البعض أن «أنديك» كان محقاً عندما قال إن مساهمة «كيسنجر» العظيمة لإسرائيل قد تمثلت فى استبدال شعار الأرض مقابل السلام بالأرض مقابل الوقت وهو ما استغلته إسرائيل فى إعادة بناء جيشها واقتصادها واستيعاب موجات الهجرة الكبيرة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي.. لقد شاء القدر أن يرى «كيسنجر» بعين رأسه هجوم السابع من أكتوبر قبل أن يتوفاه الله عن عمر يناهز المئة عام والذى أدت الاتفاقيات التى تفاوض عليها عندما كان وزيراً للخارجية الأمريكية بين إسرائيل ومصر وسوريا إلى استقرار الحدود على مدار 50 عاماً.. بيد أنه لم يكن يدفع باتجاه السلام بل كان يسعى فقط إلى تحقيق ما هو ممكن وهو ما أدى إلى تصعيد الأحداث فى المنطقة بين الفلسطينيين والإسرائيليين وحرب الإبادة والتجويع الأكثر شراسة فى تاريخ العالم لإنه لم يحسم مصير الفلسطينيين ولم يفعل أحد ذلك حتى الآن ومازال إرثه فى «الشرق الأوسط» محل نقاش.. لقد شهد «كيسنجر» وعاصر عقوداً من الاحتلال الإسرائيلى وعمليات التوسع الاستيطانى وتأجج الغضب الفلسطينى وقد أمهله القدر لرؤية مقاتلى حماس يخرجون من قطاع غزة كالطوفان ورؤية أكثر الأيام دموية بالنسبة لليهود منذ محرقة «الهولوكست» حسب تعبيره.. وقد صرح فى 19 أكتوبر فى حفل عشاء «مؤسسة الفريد سميث» التذكارية فى نيويورك بأن الهجوم البربرى الذى شنته حماس قد أدى إلى إعادة تعريف المشكلة بالنسبة لإسرائيل وحلفائها وأن على الولايات المتحدة الإستمرار فى دعم إسرائيل وتنشيط دورها كمفاوض مباشر فى المنطقة.. بيد أن أخطاءه مازال يعمل حتى اليوم فقد جاء اغتيال إسماعيل هنية بمثابة اشعال فتيل الصراع وتوسعة نطاقه مما دعا الخارجية الروسية لأن تحذر من أن الشرق الأوسط أصبح على شفا صراع عالمى وحرب كبرى فى المنطقة.
أخبار متعلقة :