بوابة صوت بلادى بأمريكا

الرعاية الذاتية ودورها الإيجابي في تقويم الفرد والمجتمع بقلم د. أنور ساطع أصفري

الرعاية الذاتية هي مصطلح يمتلك العديد من المحاور التي لا تعني نهائياً الإلتفات إلى الاهتمام بصحتنا الجسدية فقط ، وإنما تعني بشكلٍ مباشر الاهتمام بالجانب النفسي ، الذي يعني لنا النشاط والراحة والقبول والرضا والقناعة .
حيث أن الرعاية الذاتية هي مفهوم النشاط الذي نقوم به ، والذي من خلاله نلبي احتياجاتنا الأساسية الحياتية اليومية ، وإذا أحببنا أن نوضّح أكثر ، نقول على سبيل المثال : مثل ارتداء الملابس ، تناول الطعام ، غسل الأسنان ، الاستحمام ، والاعتناء بوضعنا الصحي والطبي ، وقضاء وقت ممتع ، والخروج من المنزل ، والذهاب في رحلة مع أصدقاء ، وبشكلٍ آخر نستطيع أن نقول أن الرعاية الذاتية هي أي نشاط الذي نشعر من خلاله بالانتعاش والتجديد والرضا ، وبكل تأكيد هذه الرعاية تختلف من شخصٍ لآخر ، وفق اهتماماته وميوله ، وذلك كي نستطيع التعامل بإيجابية مع ضغوطات الحياة .
فمن خلال الرعاية الذاتية نحظى بدورٍ فاعل في تحسين قدراتنا الحياتية ، و رفع مستوى التقدير الذاتي ، وزيادة الثقة بالنفس ، وتعزيز الوعي ، وتحقيق التوازن النفسي ، وتطوير الذات من كل جوانب الرعاية ، إن كانت عاطفية أو حسّية أو اجتماعية وروحانية ، و ممارسة الرياضة ، وأخذ قسطٍ من الاسترخاء وممارسة التأمل .
لم تأخذ الرعاية الذاتية شكلها الطبيعي لولا التطور الحياتي والحضاري المشهود على أرض المعمورة ، لذا التفت الناس إلى هذا المحور ، كي يتمكنوا من التواكب مع العصر ومجريات أموره ، التي تحتاج إلى كثير من التوازن والجهد والتماسك من أجل الحفاظ على استقرارهم ورفاهيتهم المعنوية والنفسية والجسدية والعملية ، بهدف التمكن من مواجهة أي مشاكل محتملة ، وعلى أي صعيدٍ كان ، لذا من الطبيعي أن يتجاوز المرء الآثار السلبية في حياته ، وأن يتمسّك ويُطوّر الآثار الإيجابية عبر مسيرته الحياتية ، والتي توصله حتماً إلى درب النجاح والسمو .ولعل من أهم الآثار السلبية وأشدها خطراً ، هو الشعور بالانفصال عن المجتمع ، والعزلة عن المحيط المُعاش ، فهذا الشعور إذا استمر يوصل صاحبه إلى كثير من المشاكل التي تتعلق بشكلٍ مباشر بالأمور الصحية وخاصة الصحة العقلية والجسدية ، وتدهور الجانب المعرفي ، وتدهور الذاكرة ، وقد تصل الأمور إلى الخرف المبكّر ، ومنه إلى احتمال تكرر النوبات القلبية .
أمّا الإنخراط في وسطٍ اجتماعي إيجابي فإنّه يدعم المعرفة والوعي والعطاء الإيجابي ، والشعور النفسي بالارتياح والرضا والقناعة .
وبنفس الوقت علينا أن لا نخشى المصائب والمحن ، أو التحديات ، بل علينا أن نتقبّلها ونواجهها بحكمةٍ وبشكلٍ إيجابي ، كي تستمر حياتنا كما نبتغي ونروم .
وهذا النشاط الاجتماعي هو ركيزة لحركة المنظمات التي تسعى وتعمل جاهدة لتشكيل المجتمع الدولي الذي نكافح من أجله ، نحن الكتّاب والمفكرين والمثقفين والأدباء في المقام الأول .
فحينما يتم تبنّي هكذا نشاطات حول الرعاية الذاتية والرعاية الجماعية ، بهدف التغيير الاجتماعي نحو الأفضل ، هذا يعني أن هناك أساس استراتيجي يبني القوة الفاعلة التي نحتاجها كي لا نفشل .
فمن خلال الرعاية الذاتية الفاعلة مع المجتمع ، والرعاية الجماعية ، يتم خلق فهمٍ مشترك ، من خلال تبادل الخبرات ، وكيفية معالجة المخاوف التي تواجهنا ، وهذا بالتالي يتيح للناس بشكلٍ عام الشعور بالراحة والرفاهية النفسية .
فنحن نستطيع أن ننجح من خلال الرعاية الذاتية ، وأن نجمع ما بين النشاط والتألق والسعادة ، وخاصة عندما نكون مرتبطين بكل صدقٍ وتفاعل مع إحساسنا ، والتزامنا بأهدافنا ورؤيتنا ، وقدرتنا على تحقيق مهامنا .
والحفاظ على تراثنا وهويتنا ، وقولاً واحداً ، إن هويتنا العربية ، ليست هي وسيلة للتواصل فقط ، بل تحمل بين طيّاتها تاريخاً غنيّاً ، وثقافة واسعة ، تشمل ثقافة كل شعوب المنطقة ، من أدبٍ وفن وعلوم وموسيقى وفن العمارة ، إضافة إلى الأزياء الشعبية والعادات والتقاليد .
ومن يتابع مجريات الأمور ، يدرك أن الهوية العربية تعرّضت إلى الكثير من التحديات ، فهناك عولمة ، وتغييرات اجتماعية ، وفنية ، وتكنولوجية ، وعلينا أمام كل هذه التحديات ، أن نتأ قلم مع الأوضاع على أساس الحفاظ على هويتنا في المقام الأول .
وللدقة في الطرح نستطيع أن نقول أن العرب بمجملهم يعيشون فعلاً أزمة حقيقية حول انتمائهم لهويةٍ مشتركة ، فليست هناك هوية واحدة تؤسّس لخطابٍ موحّد ، حيث كثرت التبعيّات ، وكثرت الانتماءات ، وتحوّلت إلى أداة للصراع ، و وصلت إلى درجة القتل .
والأسباب واضحة حيث أن الخطاب القومي تراجع وترك فراغاً واسعاً ، فقام الخطاب الديني واحتل هذا الفراغ ، وخاصّة الخطاب المتشدد والمتطرف بل والإرهابي .
وأيّاً كانت الأمور فإن الهوية العربية ستبقى شامخة ومصانة ، لكنها معرّضة للخطر ، وفي الدرجة الأولى الغزو الثقافي ، ويبقى الطرح القومي ، والانتصار لهوية جامعة هي الحل الأنجع للعرب ولأمّتهم .
ولأننا عرّجنا على الغزو الثقافي ، لذا ومن أجل الإهتمام بشخصيتنا ونموها ، لا بُدّ من الإعتماد على الثقافة ، نظراً لما لها من دورٍ فاعلٍ في تقدم وارتقاء الأفراد والمجتمعات .
فالثقافة حينما تطال المجالات المختلفة ، إن كانت إعلامية أو إجتماعية أو سياسية وبيئية وتربوية واقتصادية ، تُحقّق نمواً ملحوظاً بل كبيراً في بنية الأفراد والمجتمعات ، فيتحقق النجاح والارتقاء والتقدم الحضاري .
وقولاً واحداً إن الثقافة هي بمثابة العمود الفقري لبناء وتنمية المجتمعات بشكلٍ عام ، لما تحمله من قيم وأفكار وتقاليد وموروثات و واقعٍ مُعاش ، وبدون هذه الثقافة لا ولن تتم عملية بناء المجتمعات ، و سنجني الفشل في خطواتنا .
فعندما يكون المجتمع مُحاطاً بثقافة واسعة وراسخة ، بالتالي سيكون المواطن أو الفرد مثقفاً كالمجتمع ، لأن هذا الفرد هو أحد مُكونات المجتمع الذي يُولد فيه ، وينتمي إليه ، فثقافة المجتمع هي التي تقوم بتأطير ثقافة الفرد ، فتتشكّل شخصية هذا الإنسان من خلال البيئة والوسط الذي ينمو فيه ، إن كان من الناحية الجسميه أو النفسية أو الصحية ، أو حتّى المزاجية والقدرات العقلية ، لأن كلّ ثقافة لديها تيّار أخلاقي خاص بها ، لذا ينساق الفرد متأثّراً بالمعطيات والأسس الأخلاقية السائدة في هذا المجتمع أو ذاك .
ومن خلال هكذا ثقافة نستطيع أن نقيّم علاقاتنا مع الآخرين ، بشكلٍ طبيعي ومن خلال التفاهم والتوافق ، والمهم أن نتوافق ثقافياً ، حتّى لو كان هناك إختلاف فكري ، نتيجة للمعتقدات بين الطرفين . وعندما نكون في هكذا مستوى من الثقافة والوعي ، حينها سيكون بمقدورنا التحكّم ومن خلال التفكير الإبداعي لدينا أن نتحكّم بإدارة الصعوبات أو المطبات التي تتعرض لها مسيرتنا ، وبالتالي نحقق أهدافنا من خلال ما نتمتّع به من قدرةٍ على التكيّف والثقة بالنفس ، والفكر الحكيم الذي نلجأ إليه ، إضافة إلى مزاجنا السليم من خلال علاقاتنا الحسنة مع الآخرين ، وصحتنا النفسية التي تسيطر على مجريات أمورنا الحياتية ، من خلال توازننا ، والبيئة الإيجابية التي نتمتع بها ، والسعي المتواصل لتوحيد الذات .

أخبار متعلقة :