حين يسقط الضمير في مربع الفراغ تسقط كل القيم و تتهاوى لدى الشخص كل المبادئ.. و حين يسكن الوهن مساحة العقل، تستيقظ كل الغرائز، و يتحول الإنسان إلى رواية للضحك.. و حال المثقفين عندنا اليوم شبيه بهذه الحالات، فلا الشعر موقظ للهمم وبان للحياة، و لا المثقفون في الساحة يحركون عواطف الناس ويصورون لهم ما هم عليه من وهن ومن انكماش، و إذا استثنينا ثقافة المدح و الدم بوجهيهما القبيح فإن لا شيء هناك يوحي بأن لدينا جامعات تدرس الآداب والعلوم الإنسانية بصفة عامة ...
سقت هذه الملاحظات من منطلق الغيرة على المثقفين، و أيضا وعلى المجتمع وما يلاقيه من فراغ ثقافي ،رغم أن الثقافة هي المحور الأساس في أي نهضة، و في أي تطور أو حدث جديد يهم الجميع و ترتكز عليها حياتهم حاضرا أو مستقبلا... ذلك أنني واحد من محبي الأدب و من الذين يؤمنون به كأداة نهوض حضاري وكأداة تفعيل سياسي ، فأين إذن الخلل..؟ و ماذا أصاب أدباؤنا..؟ هل انتقلت البطالة من الجيوب إلى الأدمغة فأصبح الكل يبحث عن طعام له ولأولاده...؟ و هذا لايبدو تبريرا بقدر ما هو هروب من مواجهة الواقع... ألم يكن شعراء الجاهلية يعيشون في الفيافي حيث لا ماء و لا طعام و لا شجر، و مع ذلك تركوا لنا المعلقات وأشعار أخرى ما زال صداها يدق آذننا كأجراس التاريخ..الذين وجدوا فيه ..ثم ألم يكن مفذي بومدين ابو زكرياء م مبدعا من داخل الزنزانة التي كان محبوسا فيها..؟
لقد طغت الهواجس البعيدة التصور الضاربة في عمق الغرائز على الهاجس الحقيقي الذي يصنع الوقت و الحدث معا، و تحولت الثقافة إلى تفاهة ، فأغلب الأدباء الذين عرفناعهم في تجارب سابقة سكنوا الظل و لم يعودوا يكتبون، بل جلهم حولوا أنفسهم إلى كتاب إداريين أو ملحقين بوزارة الثقافة وهي عن الثقافة بعيدة، لقد أصبحت الماكنة الاقتصادية هي من يوجه المجتمع بدل الإبداع الثقافي والفكري يتجول خلفها المثقفون كالقطعان بل و فيهم من أصبح من الكتبة في مؤسسات لا صلة لها بالعمل الثقافي..من هنا يمكن – و بكل أمانة – تفسير غياب المجتمع عن الوعي الحضاري المطلوب و غياب ثقافة المؤسسات لصالح ثقافة الفلكلور والرقص المجاني .
أخبار متعلقة :