نحيا بذكراكم اذا لم نراكم الا أن تذكار الأحبة ينعش
لا يغيب عن خاطرى ذاك اللص الأمين أتذكر كل حركاته و سكونه ، أتذكر كيف كان يقرأ و يكتب و كيف كان يتحدث بلباقة و كيف كان يبتسم بخجل و كيف كانت عيناه مليئة بالود و المحبة و كيف كان يصلى و أسمع أنين دعاءه في سجوده ، أتذكر كيف كان يرتشف القهوة بأدب و إستحياء ، و كيف كان يأكل و إذا تقدم للطعام لا يشبع و أتذكر كيف كان يقدم الحلوة في العيد للضيوف و لي خاصة ، أتذكر كيف كان يستقبلني و على وجهه فرحة اللقاء و أتذكر همسات صوته و هو يحتضنني قائلا لي إشتقت إليك يا شقيقي الحبيب ، أتذكر كيف كان يتوتر عندما أمرض و يظل خائفًا علىّ و كيف كان يفرح اذا رآني في حالة سرور و كيف كان يحزن عندما يرآني في حالة حزن و يحاول أن يخرجني منها ، أتذكر ضحكته التي قل إن تخرج منه بقهقه لأنه كان دائمًا يبتسم بخجل ، أتذكر عندما كنا نمشي سويًا على قوارع الطريق و يحدثني عن الأدب و الدين و أنا أظل صامتًا لا أتحدث لكي لا أقاطعه في سرده الجميل ، أتذكر عندما كنا نجلس في الحديقة و يتحدث عن معاني الكلمات و مرادفات اللغة و كيف تطور من نفسك ، أتذكر مكالماته ليطمئن عن حالي فلا يمر يومًا الا و لابد أن يتواصل معي و لو لدقيقتين ، أتذكر مزاحه اللطيف و أتذكر نصائحه في المزاح عندما يقول لي لا يجوز الكذب في المزاح ، أتذكر مواعظة لي المليئة بالحكمة فمن المعتاد عندما يكمل حديثه يقول و صل الله ربنا
أتذكر شدته أحيانا لكي لا نصبح من المستهترين ، أتذكر عطفه للصغير لاسيما اليتيم أو الدرويش و إحترامه للكبير فقد كان يحترم الجميع و الجميع يحترمونه ، أتذكر مدى إنضباطة بالمواعيد و مدى حرصه على إرضاء الجميع فهو ليس بالسباب و لا الشتام ، أتذكر كيف كان يمشي منفردًا بالليل و أتذكر دموعه التي تقطع قلبي ، أتذكر لطافته و خفة دمة ، أتذكره عندما يقرأ علىّ الكُتب فأذا أخذ كتابًا يظل مُصرًا على إنهاءه و من الجميل كان يقرأ لي و يشرح ، أتذكر طيبة قلبه فكان لا يرد مسكينًا و لا ينهر سائلا و لا يغضب في وجه متملقًا و كان لا يحب النصح في الملاء و كان يقول النصيحة في الملاء فضيحة ، أتذكر لحظة هدوءه و صمته فكان حتى في صمته حكمة فأحيانا كنت أجد الجواب في نظرة عيناه بدون أن يتحدث ، أتذكر مدى حبة لسيدنا النبي صل الله عليه وسلم سيرته العطرة و لآل البيت و مدى حبه لقراءة سيرة الأولياء و الصالحين و كان يحتفظ بصورهم أتذكر كيف كان يتحدث عنهم بشوق و كيف نتحقق بكمالاتهم في الأدب و العلم
أتذكر مدى حبه للنبهان و للدباغ و للقوصي و الجعفري و للشاغوري و للادريسي و لجميع الأولياء أتذكر عدم حبه في من يغلو و يتعصب و ينحاز ، أتذكر مدى حبه لفيروز و قراءة المجلات فهو يمتلك حس ثقافي رفيع المستوى ولكنه يكره الظهور ، أتذكر كيف كان يتحدث عن الملامتيه و كأنه يعيش معهم و كيف كان يهتم بمعرفة ما يفيده و يفيد غيره و أتذكر كيف كان يحب العزلة و لا يحب الاختلاط و يقول لي في العزلة راحة فبها أشعر بحالة صفاء النفس و ينفرد دائمًا بقراءة الكتب ، أتذكر كيف كان يتحدث عن الوراثة المحمدية و كيف نتحقق بذلك ، أتذكر و أتذكر فالحديث عنه يحتاج سلسة مقالات و ليس مقالا واحدًا فالحديث عنه يطول فكنت أراه ملاكًا يمشي على الأرض و كأنه لا مثيل له فيحركنا ذكر الأحاديث عنكم و لولا هواكم في الحشى ما تحركنا إذا أهتزت الأرواح شوقًا إلى اللقاء نعم ترقص الأشباح يا جاهل المعنى ، و للحديث بقية .
أخبار متعلقة :