بعض المثقفين عندنا - أقول البعض - تحول إلى وسيط بين حكايات القواعد من النساء ، و القواعد من الرجال ..يكتبون مذكراتهم بظلم لماضيهم ، و بألم لمستقبلهم .. يحكون حكايات هي من لغو الكلام .. و من الخبل أن يحيكها الواحد منا ..فالذين كانوا للدين أوفياء ، و للتاريخ حماة ، وللأرض على الثغور ثابتين ، صاروا في نظرهم من لغم الإرهاب جاؤوا ، وللإرهاب كتبوا ونظروا ، و أرخوا .. عجبا لقوم ساهم حب فرنسا و لغتها في ضعف لسانهم وذاكرتهم وهم يدعون أنهم لأهل العلم ينتسبون .. و قد كان فرعون جبارا وزوجته مؤمنة ، و لوط نبي وزوجته فاجرة ، لقد تألمت لأحدهم وهو يصف مولود قاسم بأنه منشئ الإرهاب ، و قد غادر الدنيا ، و لا يملك منها إلا ما كفن به .. عاش مدافعا عن الجزائر وتاريخها ، ولغتها في وجه ساسة فرنسا الكبار ، و رفض في زيارة رسمية لموسكو زيارة قبر" لينين "قبل زيارة مساجد بخارى وسمرقند ، ورفض الزيارة و عاد دون أن يتمها .. و قد قال لعتاة فرنسا وعلمائها من المؤرخين والسياسيين ،" نحن أقدم منكم حضارة واستقلالا "وأحصى للأمير وحده أكثر من 60 معاهدة عقدها مع قادة العالم .. عاش للأصالة و بالأصالة تولى الوزارة .. و ما طمع في كرسي اليونسكو مثل "الميلي" وهو أولى به ، و لا ملك في غير الجزائر مسكنا أو حجارة ، كون أجيالا في معاهد التعليم الأصلي ، هي الآن تمثل الجزائر في الجامعات وفي غيرها .. و الذين كونهم هم أبناء الريف ، و لم يقل يوما أن إغلاق مدرسة ديكارت (وكر الجواسيس الفرنسيين وقتها) بأنها مأساة لأبنائها أو تجهيل لهم .. وقال غيره ذلك ممن للعلم الديني يدعي الانتساب.. عاش بالتاريخ و وللتاريخ ، وأحبه كل من عرفه و قدره حق قدره .. و العالم الإسلامي مدين إليه في الجهر بالكلمة الحرة .. إن في التاريخ أو في الثقافة ، يكفيه انه جمع علماء عصره من كل المذاهب والأديان في ملتقيات فكرية هي قمة الحوار الحضاري بين المذاهب و ألأديان ، بين الأمم والشعوب .. في حرية لم يعرفها حتى الفرنسيون الذي ابتاعوا لديهم مساكن ممن يقولون اليوم أسوأ كلام في عالم أحبه الشعب برمته ، وسارعوا بعد وفاته إلى إطلاق اسمه على المراكز العلمية .. بل هناك من سمى ابنه باسمه ، كل هذا ،هو نتاج التوجه العالم والارتباط المتين بقوة التاريخ الذي يمتد إلى قرون ، والمبنى على إحداث رغم عاصفتها الدامية ، فالشعب الجزائري بمهمة واحدة ، وتوجه واحد نحو الأحداث الجديدة ، يمارس فيها الحياة وقف ثوابت راسخة صاغتها ثورة نوفمبر التي هي من أعظم التوترات في التاريخ والتي نسجت المجال واسعا أمام بلدان عدة للخروج من جحيم الاستعمار إلى ساحة الحرية وعظمة التاريخ .. نحن إذن ، أمام مشاهد لا أقول نحسد عليها بل أقول إن الكثير من أصحاب الرأي عليهم أن يأخذوا من ثوابتها مبادئ لهم للخروج من أزماتهم ومن الأخطاء التي هم عليها واقفون. أكيد لسنا من أولئك الذين يرتكزون في بناء حضارتهم على المال بل من أولئك الذين يصنعون قوتهم ،إن في الحضارة أو في التاريخ ، من ثوابتهم وقداسة جهادهم ، ذلك أن الحضارة لا تصنع في منشآت هي أشبه بسوق البازار السياسي، ولا تقوم على أرصدة مالية في بنوك مجمدة بل على وعي شامل يأخذ بالجزء لصالح الكل وبالكل لصالح الجزء، وفق منطق السلامة كثابت والتطبيق لها واجب ..
نحن إذن ، نبني قوتنا ووعينا وفق منطق التاريخ لا خارجه ، لأن من يؤمن بأن الفراغ يصنع القيم بناء على صناديق الأموال التي توزع في الفناء الخارجي واهم .. تبنى على فهم عناصر البناء والقوة التي تحكم الذات وتؤمن لها الاستدامة وهذا هو سر ما نحن عليه من أمن وأمان حتى وان ادعى البعض خلاف ذلك..طالما ان هذا البعض يؤسس من الفراغ لنظرية الفراغ سواء آمن بذلك ام لم يؤمن..فالطريق نحو بناء الذات لا يعترف بالمجازفة في الرأي ، ومن يتحكم في الحوافي ويطوعها لصناعة النصر هو بالتأكيد القادر على تطويع الواقع لفكرة الصعود بعمق الذات نحو التحول العام صوب التاريخ.. .قلت ذات مرة ،" لقد مشينا بعيدا في صنع الأوهام بمفارقات فيها القليل من الإفصاح عما نؤمن به , والكثير من الحدس الديني يكفينا.... و باختصار , إن لا أحد بإمكانه أن يظل يحلم ببناء مطلق في عالم متغير باستمرار وبمنطق الحداثة فان الانحناء أمام الأفكار التي تبهرنا بجمالها ، أو بمحتوياتها ، هو بداية الفهم لما يمكن أن نقف عنده بكل ما نملك من حكمة ، و لا شك أننا على الدوام نشعر بأننا من إنتاج الواقع و إننا بأدوات هذا الواقع نقرا المستقبل ، نحن على خارطة اسمها الواقع ، وعلى مساحة اسمها التاريخ و بينهما مساحة اسمها الإحساس بمن معنا و من حولنا وإلا فلا داعي للقول مع ابن خلدون (الإنسان مدني بالطبع).
أخبار متعلقة :