بوابة صوت بلادى بأمريكا

إدمان أم إيحاء بقلم /حنان فاروق العجمي

 
هل تساءلت يومًا عن طبيعة علاقتك بأبنائك ومدى قيامها على الثقة ؟
أحد الآباء أعرب عن ضيقه وغضبه من ابنه الذي يتركه بالساعات ويجلس منفردا في حجرته منعزلًا عن العالم حوله وعن أفراد الأسرة مما يؤثر على علاقته بهم ويخلق جو من عدم الألفة والتباعد بينه وبينهم 
وهنا انتبه الأب أن شيئًا ما خطأ فقرر مراقبة ابنه فوجد أن ابنه يطفئ الأنوار ويُظلم حجرته ويستلقي في ثُبات واضعًا عصابة على عينيه وسماعات على  أذنه وأثناء تلصُّص الأب على ابنه ليكتشف سر عزلته اكتشف أن الإبن يسمع موسيقى غريبة عندما رفع السماعات عن أذنيه وسمع الأب هذه الموسيقى ذات الترددات الغريبة ولكنه اطمأن إلى حد ما فهي مجرد موسيقى وفي أحد المرات دخل على الإبن الحجرة أثناء سماعه الموسيقى المعتادة فأصيب بالذُّعر حيث الإبن يرتجف ويرتعش بطريقة غير طبيعية وكأنه مصاب بالصرع المرضي وهنا قرر الأب الذهاب بابنه للطبيب لمعرفة ما يحدث معه فليس له تاريخ مرضي يثبت إصابته بالصرع أو أي مرض عضوي وقام بعمل كل الفحوصات الطبية المطلوبة وأخيرًا نصحه أحد أصدقائه بالذهاب إلى الطبيب النفسي وحدث بالفعل وتحدث الطبيب مع الإبن فقال الإبن أنه يحب سماع نوع معين من الموسيقى متوفر عبر منصات ومواقع إلكترونية على الإنترنت نظير مبلغ من المال وأحيانًا يستمع لبعض المقاطع على اليوتيوب وأنه يشعر بالسعادة البالغة ولا يستطيع التوقف عن سماع مثل هذا النوع من الموسيقى ولكنه بعض الأحيان يشعر أنه منفصل عن كل ما حوله لايسمع أحدًا ولا يدرك شيئًا ولا يشعر وعندما يفيق من هذه الحالة يجد نفسه واقعًا على الأرض ويشعر بألم شديد في عضلاته ولا يدرك ما حدث له وكذلك صداع شديد برأسه فيعود إلى سريره ويستلقي بعدها ويدخل في نوم عميق وهنا لم يجد الطبيب تفسيرًا واضحًا لحالته ولكنه أوصى الأب بضرورة الاهتمام بالإبن والتحدث معه ومراقبته باستمرار قد يكون نوع من الاكتئاب والانطواء ورغبة من الإبن في لفت الانتباه إليه وهذا وارد بسن المراهقة وعاد الأب للبيت أخذ يكيل الاتهامات للأم ويتهمها بعدم الاهتمام بابنها وأنه لن يترك عمله ويجلس بالبيت لحل المشاكل النفسية لأولاده وأنه يتعب من أجل توفير لقمة العيش ولا ينقصه مثل هذا الهراء فدخلت الأم في حالة بكاء هستيري وألقت هي الأخرى بقذائف الشكاية من معاناتها مع الأبناء وأن الأب يلقي بالمسؤولية كاملة على عاتقها افرغ كل منهما شحنته السلبية بوجه الآخر ولكن الإبن توجه إلى غرفته كالعادة ووضع السماعات بأذنيه ليستمع لموسيقاه التي تذهب به إلى عالم من النشوة يدمنه ولا يستطيع الاستغناء عنه ولم تُحَل المشكلة أصبح لا مُباليًا بما يحدث له على الإطلاق دلفت الأم إلى غرفة ابنها فإذا به على نفس الوضع ملقى على الأرض مصاب بحالة من التشنجات المعهودة صرخت الأم تنادي على أبيه هرع الأب مسرعًا متوجهًا إلى الغرفة ليجد ما حدث سابقًا يتكرر هدأ الوضع بعد إفاقة الإبن ولكن الأب أخذ يبحث على مواقع الإنترنت عن حالة تشبه حالة ابنه فقرأ عن ما يسمى "بالمخدرات الرقمية " وأصيب الأب بحالة من الذهول فكل معلوماته تنصب على علمه بالمخدرات المعروفة مثل الكوكايين والهيروين والترامادول وما إلى ذلك لكن أول مرة بحياته يعلم أن هناك ما يسمى بالمخدرات الإلكترونية والتي هي عبارة عن نوع من الموسيقى تُرَوِّج له بعض المنصات والمواقع الإلكترونية وتعرضه للبيع نظير مبلغ من المال أو قد يكون ببعض المواقع والتطبيقات مجانًا
قام الأب بعرض الموضوع على أحد أطباء المخ والأعصاب الموثوق بهم وأفاده الطبيب أن مثل هذه المخدرات هي إدمان العصر الحديث يلجأ إليها الشباب للشعور بالنشوة والهروب من عالمهم الواقعي إلى عالم خيالي لمجرد التجربة ثم يتحول بعدها لنوع من الإدمان على سماع تلك الموسيقى ويرجع اكتشاف هذا النوع من الموسيقى إلى العالم الفيزيائي
‏ Heinrich Wilhelm Dove 
عام 1839 حيث اكتشف نوع من الترددات والموجات الصوتية يمكن بها معالجة مرضى الاكتئاب والقلق ومن لايستطيعون النوم بسهولة عن طريق ذبذبات كهرومغناطيسية معينة يتعرض لها الدماغ للحث على إفراز هرمونات ومواد كيميائية معينة مثل الإندروفين والدوبامين لتحسين دورة النوم عند المريض والتخفيف من الآلام والشعور بالراحة الجسدية وبدأت الاستعانة بهذا العلاج فعليًّا عام 1970 بتطبيق تقنية 
"النقر بالأذنين" واستخدم هذا في البرمجة العصبية حيث يستمع المريض لموسيقى بترددات موجية صوتية  معينة في الأذن اليمنى وترددات أقل منها قليلًا في الأذن اليسرى وهنا يصاب الدماغ بحالة من الاضطراب فيعمل على تحقيق حالة التوازن ويفرز مواد كيميائية من شأنها المساهمة في علاج المرضى بالمصحات العقلية لتنشيط الدماغ بسماع هذه الترددات والموسيقى لثوانٍ معدودة مما يساهم في تحسُّن المرضى والاستجابة للعلاج ولكنهم توقفوا عن مثل هذه التقنية لتكلفتها الباهظة ولكن لم يثبت علميًّا مثل هذا العلاج مما جعل البعض يشككون في صحة ذلك وأنه مجرد علاج بالإيحاء فقط لا غير !!
ولكن هذا لاينفي وجود مثل هذا النوع من المخدرات التي تؤثر على بعض الشباب وسُجٍّلت بعض الحالات في دول عربية ولكن لم تظهر تصريحات رسمية من وزارة الصحة بثبوت هذا أو نفيِه وانتهى حديث الأب مع الطبيب وعاد الأب مرة أخرى إلى منزله في حالة شديدة من الحيرة ولايعلم كيف يعالج ابنه من هذا الإدمان الجديد وما هي خطورته على صحة إبنه وهل لا شفاء منه ؟ وهل يؤدي للوفاة؟
ما رأيك عزيزي القارئ؟
أرى أنك وقعت في حيرة مثل هذا الأب المسكين 
ولكن مع هذا كل مشكلة ولها حل وكل مرض لابد له من علاج إلا داء السَّقم أو الموت 
أهم طرق العلاج هي مراقبة سلوك الأبناء وعدم تركهم بمفردهم لفترات طويلة ومعرفة من يخالطون ومَنْ هم أصدقاؤهم وعدم ترك النقود أمامهم بدون حساب أو المصروف الشخصي المبالغ فيه لبعض المقتدرين ماديًّا وكذلك الرقابة والتحكم في الإنترنت الذي هو شيء رئيس الآن بكل منزل لا نستطيع الاستغناء عنه فهو مجال واسع للبحث والكورسات التعليمية والتطبيقات والفيديوهات التي تقدم ما هو هادف أو ما هو على سبيل الرفاهية وما هو تافه لمجرد التسلية فلا يجب عليك ترك أبنائك يشاهدون كل المواقع دون معرفة محتواها وما تقدمه واستخدام أسلوب اللين في المعاملة تارة والشدة تارة أخرى والحكمة في التعامل مع الأبناء ومصادقتهم حتى لا يلجأون للكذب وفعل أي شيء من وراء آبائهم دون أن يعلموا فالعصر قد تغير لم تَعُد تكمُن الخطورة فقط في مشاهدة المواقع الإباحية ولا المخدرات المتعارف عليها كمواد تدخل الجسم بالحقن أو الاستنشاق أو تناول الأقراص فقط بل ظهرت مخدرات أخرى أكثر خطورة وعلاجها كعلاج الإدمان ويصعب التخلص من هذا الإدمان وإذا لم يثبت علميًّا صحة ذلك وصُنِّف على أنه نوع من الإيحاء يهرب به الشباب من واقعهم فهو أكثر خطورة يؤدي إلى تفشي الأمراض النفسية والانعزال والانطواء وجيل كل هدفه إشباع ملذاته لا يمكن الاعتماد عليه متواكل على غيره فاشل في حياته لا يُرجى منه فائدة ونجاح أي أمة وتقدمها من نجاح أبنائها فهم اللبنة الأولى لها الذين يجب تنمية الوعي الفكري لهم وتعريفهم بالمخاطر المحيطة بهم لتجنُّبها بكل طريقة ممكنة فينشأ جيل واعي يستطيع النهوض بأمَّتِه ويفيد نفسه وبيئته لمواكبة ركب الحضارة فكل يوم هو في شأن وعلينا أن نستعد دائمًا لمجابهة كل ما يطرأ من جديد والتَّسلُّح بسلاح العلم والعقل
أعلم أني قد أطلت عليك عزيزي القارئ ...
ولكن الغرض من الطرح هنا ليس هو العرض القصصي أو حكايات من الحياة بل هو دق ناقوس الخطر والانتباه لم يحدث حولنا قبل الندم.

أخبار متعلقة :