بوابة صوت بلادى بأمريكا

راغدة شفيق تكتب : المعلّمة القاتلة

 
معلمةُ المدرسة اليوم مختلفة فهي تجيب وفق السؤال المطروح عليها من الطلبة دون زيادة أو نقصان ، ستمنح طلابها آلاف الكلمات والصفحات دون كلل أو ملل فلن تتضجر من حرارة الصف في الصيف ولا برودته في الشتاء، ولن تتغيب بسبب المرض أو عطلٍ في محرك السيارة التي تنقلها....
بعبارتها الجذابة افتتحت كلامها مرحبا أنا المعلمة الجديد نانا .
كانت عيون الطلاب تراقب حركات شفاهها ونظرات عينيها البراقتين كنجمتين، شعرها الأشقر وثوبها الرسمي تمشي بكبرياء واتزان، تراقب الطلاب العشر وكأنها تنظر بدقة لكلّ العيون، وتساءلوا بصمت هل حقا ستكون معلمتنا روبوت... شيء ممتع أن نتخلص من عصبية مدرّسة العلوم وانتقادات مدرّس الرياضيات  والكلام السخيف لمدرّسي اللغات والاجتماعيات.. ...
كان منصور يراقب بصمت و تشوق تلك المعلّمة التي ظهرت أمامهم وبدأت باستعراض الصور والتجارب عن طريق أحدث التقنيات العلمية الثلاثية الأبعاد وكأن الطلاب في مختبر حقيقي وفضاء واسع ....
 المدرّسه لا تتعب ولا تسعل أو تتثاءب، وتخاطب الجميع بأسمائهم، ولديها بيانات كاملة عن عائلة الأطفال، وماذا يحبون ويكرهون والأمراض التي أصيبوا بها ومواعيد الدواء عند المرض ، عمت الفرحة لأسابيع مع المعلمة الجديد التسلية والرحلات من خلال شاشة العرض لم يعد من أهمية للعالم في الخارج لقد أصبح العالم داخل القاعة الصفية. وحتى أنهم رفضوا عودة معلميهم الحقيقيين وأصبح اسم المعلمة نانا يرافقهم في البيت يتحدثون عنها بفخر وفي طريق المدرسة، أصبحوا أفضل في الدراسة فقد ربطت التعليم باللعب والتسلية ولديها الكثير من خوارزميات التفكير المنطقي والتحليلي ، وطرائق التدريس العالمية المختلفة، كان ما يميزها عن معلمة الأنشطة الرياضية أن يديها تبدوان باردتان دائما وقاسيتان وهي تدرّب الطلاب ولم تكن تحملُ مشاعرها من خوف وركض لحمايتهم بيديها الرقيقتان.
في استراحة الغداء لا ترافقهم إلى طاولة الطعام ولا تتقاسم معهم حبات الشوكولا، كان عماد مريضا ومتعبا وقد قام ولد بضربه بقسوة حاول الأطفال اللجوء للمعلمة طلبا للمساعدة ولكنها صامته لا تتكلم ، حاولوا الاقتراب منها ولكنّ حرارتها مرتفعة جدا وبدأ الدخان يخرج من فمها وعينيها أصيبوا برعب كبير وحاولوا التواصل مع الطوارئ ولكنّ جهاز الانذار لم يعمل. عطل شامل وصلت رسالة إلى أجهزتهم الحاسوبية نعاني من مشكلة ونعمل على حلها حاولوا مغادرة المبنى بسرعة، أصيبوا برعب كبير  وتلعثم في صراخهم، وهم يشاهدون الشرار يخرج من جسد معلمتهم لتحترق ثيابها وشعرها المستعار وتبقى أمامهم قطعة من الخردة المعدنية تضطرم بها النيران وتمتد لتشعلَ من حولها.
كان الأطفال العشر يشعرون بوهج شديد يقترب منهم وهاهي معلمتهم تحتضنهم بحرارة ليتحول المكان إلى شعلة متقدة.
أمام هول هذا المشهد وتوثيق الكميرات له كان المشاهدون يتساءلون 
هل الروبوت آمن؟ أم أننا في الطريق إلى نهاية العالم؟ هل يستطيع أن يطور نفسه ويأتي بمعلومات تفوق العقل البشريّ فيبني الأرض بعد أن دمرها أبناء الأرض ويسيطر عليها لتبدأ حضارة جديدة .
في عالمنا الثالث لا طاقة دائمة، ولا رغبة لدينا أن نسيطر على العالم. هل سنسيطر على هذه الفيروسات التي ستغزو جميع الأجهزة الإلكترونية لدينا وتتسلل إلى عقول أطفالنا من خلال التعليم ومحاولات كبيرة لصناع القرار في استيراد هذه الأجهزة دون دراسة الجدوى الاقتصادية منها وكيفية التخلص منها عند انتهاء صلاحيتها وتحولها إلى خردة لا قيمة لها .
 

أخبار متعلقة :