بوابة صوت بلادى بأمريكا

حسني حنا يكتب : هجرة السوريين الأوائل إلى أمريكا

 
 
"يأتي السوريون في المركز الثاني ، بين أنجح المهاجرين إلى أمريكا". 
 
 
بدأت هجرة السوريين الى العديد من بقاع الأرض، منذ القرن التاسع عشر وتحديداً من عام (1820) بعد الأزمات الاقتصادية المتكررة ، والنزاعات الدينية التي تعرضت لها بلاد الشام أثناء الحكم العثماني، وقد كانت مصر والبلدان الأمريكية وجهة الهجرة الأساسية.
 
 
 طلائع المهاجرين
 يختلف المؤرخون حول من اكتشف القارة الأمريكية وهناك من يعتقد أن الكنعانيين أو (الفينيقيين) سكان مدينة قرطاجة هم أول من إكتشف القارة الأمريكية، قبل كولومبس بقرون.
ويعتقد أن أول المهاجرين السوريين إلى أمريكا. كان شاباً من جبل لبنان اسمه (انطون بشعلاني) الذي جاء إلى أمريكا في عام (1854) وعاش ومات في مدينة نيويورك.
وقد ظلت أعداد المهاجرين السوريين إلى امريكا محدودة حتى الفترة ما بين عامي (1880-1924) وكانت غالبيه المهاجرين من سوريا الكبرى اوسوريا الطبيعية . التي كانت تشمل ما يعرف اليوم باسم (سوريا ولبنان والاردن وفلسطين). وكان معظم المهاجرين السوريين يركبون البواخر من بيروت ولم يكونوا يعرفون سوى انهم ذاهبون الى أمريكا . ولم يكن واضحاً في أذهانهم،ما اذا كانوا يعرفون الفرق بين الولايات المتحدة والمكسيك  والبرازيل ، وكان أملهم الوحيد هو الذهاب إلى أمريكا لجمع ثروة ، ثم العودة الى بلادهم ، وكانت هجرة السوريين الأوائل الى امریکا ، قد بلغت ذروتها بين عامي (1880 - 1930) وقد استقر الكثيرون من اوائل المهاجرين السوريين في مدن كبرى منها (نيويورك بوسطن. دیترویت وباترسون) وغيرها. 
وكانت الغالبية العظمى من المهاجرين السوريين إلى الولايات المتحدة بين عامي (1800 - 1960م )من المسيحيين ، وقد جاء معظم. هؤلاء في البداية من قرى وبلدات مسيحية في لبنان، ووفقاً للمؤرخ (د. فيليب حتي) فقد وصل ما يقرب من مليوني سوري إلى الولايات المتحدة بين عامي (1989-1919). 
 
 
دوافع الهجرة الأساسية
هاجر السوريون إلى الولايات المتحدة ، لتحقيق حلم العيش الكريم. وبحثاً عن الحرية الدينية والهروب من الهيمنة العثمانية  وكثرة المجاعات. ومن الحروب والصراعات الدموية، التي استهدفت المسيحيين على وجة الخصوص ، بعد مجازر حلب عام (1850) ومجازر دمشق و لبنان عام (1860) والإبادة الجماعية للآشوريين والسريان والكلدان وأشهرها مذابح ( سيفو syfo) وهي لفظة سريانية تعنى (السيف) في إشارة إلى قتل معظم الضحايا الابرياء بالسيف، وذلك في عام (1915) والتي راح ضحيتها اكثر من (70) الفاً على يد الأكراد بدعم عثماني . وقد ترافقت هذه المذابح مع آلاف السبايا من النساء والأطفال، الذين تم بيعهم في حلب. إضافة الى الحكم الديني المتزمت ...
ولا يفوتنا هنا الحديث عن المعاناة من الفقر والحرمان ويقول أحد المهاجرين السوريين، بحسب كتاب (الحوار العربي - الأمريكي .. رؤية سياسية معاصرة ) : "كان كل شيء يدفعني لمغادرة حلب . حيث الحياة دون أي مستقبل، وماذا يمكن ان يجد الانسان هناك غير الفقر والحرمان"! ...
وكانت سمعة أمريكا وازدهارها ، دافعاً قوياً يجذب الناس من كل صوب ، كما كانت تكلفة تذكرة السفر في ذلك الحين معقولة، بالنسبة للأسرة السورية الطموحة، مما ادى الى زيادة عدد المهاجرين السوريين من سوريا العثمانية.
وقد نشطت هجرة السوريين الى أمريكا منذ منتصف . القرن الماضي، بسبب الصراع العربي - الاسرائيلي، والانقلابات العسكرية، وازدياد نشاط الجماعات الدينية الاسلامية المتشددة إضافة إلى البحث عن ملاذ حر وديمقراطي.
 
 
 وجهة المهاجرين السوريين
توجه السوريون الى الولايات المتحدة، الى الشاطئ الشرقي للبلاد أساساً ، والى أماكن أخرى عديدة، وتضم مدينة نيويورك أعلى نسبة تركيز للأمريكيين من أصل سوري ، ومن تلك الأماكن مدن كبرى منها: (باترسون. النتاون ، بوسطن ، نيربورن، نیو اورلیانز، توليد و ،سيدار وهيوستن ) إضافة الى تواجدهم في جنوب كاليفورنيا. وفي لوس انجيلوس وسان ديغو و أريزونا.
 
 
الاستيطان في نيويورك وسوريا الصغرى
 بعد وصول السفن التي تنقل المهاجرين الى نيويورك، كان المهاجرون يدخلون من خلال (مركز هجرة) في اقصى جنوب مانهاتن. وعند وصول المهاجرين السوريين إلى نيويورك كان شارع واشنطن washington Street) هو مكانهم المفضل.
ولما بدأت أعداد السوريين بالتزايد تدريجياً ، صبغوا الحي بصبغتهم الخاصة حتى أطلق على الحي الجنوبي من جزيرة مانهاتن اسم (سوريا الصغرى Little Syria)
وبعد انتقال مركز الهجرة إلى جزيرة (اليس illis ) القريبة من مانهاتن عام (1892) استمر المهاجرون السوريون يأتون إلى شارع واشنطن عند وصولهم ، وكان بعضهم يستقر" هناك . والبعض الآخر يتوقف فيها للاستشارة ثم يتابع رحلته لإحدى المدن، أو إحدى الولايات المجاورة ، ولهذا اعتبرت (سوريا الصغرى) المستوطنة ، التي انبثقت منها باقي مراكز الاستيطان السوري في أمريكا. 
وبعد الحرب العالمية الأولى، تغير المشهد في سوريا الصغرى، حيث قامت ثورة عمرانية ، بدأ معها بناء الأبنية الشاهقة. مما حدا بالكثير من السوريين إلى بيع ممتلكاتهم ، والاتجاه إلى مناطق أخرى. ومن الأبنية الهامة التي قامت في هذه المنطقة مبنی (مركز التجارة العالمي World Trade Center ) وكان الأديب (ميخائيل نعيمة) قد كتب الكثير عن سوريا الصغرى!..
 
 
الحالة الاقتصادية
جاء في كتاب صدر في أمريكا عام (1916) : " أن أنجح المهاجرين الى الولايات المتحدة الأمريكية بعد اليهود هم السوريون " . وقد كانت التجارة في حينه هي المهنة الأكثر تداولاً بين السوريين آنذاك . حيث عمل الكثيرون منهم في البداية كباعة متجولين في شوارع نيويورك ، يبيعون الملابس و الحلي والأيقونات والفواكه والمشروبات ، وغيرها مما خف وزنه ، وصارت لهم بعد ذلك محلات وشركات . وبحلول عام (1910) وما بعده صار بعضهم من أصحاب الملايين...
وكان عمل السوريين المفضل، هو العمل في معامل النسيج. وحين يجمع المرء مالاً كافياً، كان يفتح محلاً تجارياً ، أو مقهى أو مطعماً ، وبينما كان الرجل يعمل في هذه المحلات ، كان آخرون يعملون في مجال الزراعة والنقل وما إلى ذلك، كما كانت النساء تعملن في الخياطة في المنزل، وقد حقق الجميع نتائج جيدة . وخلال نحو قرن من هجرة السوريين الى امریکا، تمكن سوريو المهجر أن يصبحوا شريحة هامة في المجتمع الامريكي في مختلف المجالات.
 
 
 الحياة الثقافية 
شهد المهاجرون السوريون الى أمريكا نهضة ثقافية، وكان لهم صحف ومجلات، کما ظهرت جمعيات ثقافية هامة ، كان من أهمها (رابطة القلم pen League) التي ضمت أشهر أدباء المهجر ومنهم : (جبران خليل جبران ، ميخائيل نعيمة. أمين الريحاني وإيليا أبو ماضي) وغيرهم . وهؤلاء كتبوا باللغتين العربية والانكليزية. كما كانت هناك مطابع، ومن الجدير بالذكر هنا أن كتاب (النبي The Prophet ) لجيران . ما زال من أكثر الكتب مبيعاً في أمريكا إلى اليوم.
 
 
الحياة الدينية
كانت الغالبية العظمى من المهاجرين السوريين الأوائل من المسيحيين. كما كان هناك بعض اليهود السوريين الذين إختلطوا باليهود الموجودين أصلاً ، ولم يختلطوا مع المهاجرين القادمين من البلدان العربية.
وقد قام السوريون ببناء العديد من الكنائس لمختلف الطوائف وما زال بعضها قائماً الى الآن . وقد تأسست أول كنيسة سورية في حي (بروكلين Brooklyn) عام (1895) من قبل طائفة الروم الأرثوذكس، ويوجد اليوم في أمريكا الكثير من الكنائس الأرثوذكسية ، وكنائس الطوائف الأخرى. ويكتب أحد المؤرخين أنه في الوقت الذي هدد فيه الشتات العالمي الواسع الهوية السورية . أصبح الحفاظ على التقاليد الدينية السورية ، مهماً بشكل متزايد...
 
 
الحياة السياسية والاجتماعية
كان يطلق على المهاجرين السوريين الأوائل في أمريكا اسم (توركو) حيث كانت سوريا خاضعة للحكم العثماني، ثم تغيرت هذه الصفة في عام (1899).
وقد كان الإندماج الإقتصادي مقدمة للإندماج في النواحي السياسية والإجتماعية الأخرى. ويضاف إلى ذلك تغيير الأسماء والكنية ، وعدم تدريس اللغة العربية لأبنائهم . وتدريس اللغة الأسبانية واللغة البرتغالية بدلاً عنها.
ولم يكن للمهاجرين السوريين الأوائل إلى أمريكا أي إنتماء سياسي، لكن مع الوقت أصبح رجال الأعمال منهم من (الجمهوريين) بينما صار العمال في الغالب من (الديمقراطيين) ، واليوم توجد جماعات سياسية عربية، يشكل السوريون جزءاً منها
کما وصل بعض السوريين إلى مناصب سياسية رفيعة في العديد من الولايات الأمريكية.
والسوريون في أمريكا يقدرون الروابط الأسرية القوية، حيث أن المجتمع السوري يركز بشكل كبير على المجموعة  لاعلى الفرد. ويتميز السوريون بأخلاقهم وحنانهم، التي تعتبر جزءاً لا يتجزأ من الحياة السورية، ويتحدث معظم السوريين في أمريكا اللغة العربية الفصحى بطلاقة كما يستخدمون اللهجة السورية بفروعها في المحادثات اليومية، ولا يهم السوريين كثيراً أن يعرف أولادهم اللغة العربية.  وما زال بعضهم يتحدثون عدة لغات أخرى منها الآرامية (السريانية) والأرمينية وغيرهما.
ويحتفل المهاجرون السوريون بالأعياد الدينية مثل الأمريكيين . وعادة ما تكون الروابط الزوجية والأسرية عند السوريين قوية ، وتتميز العائلات السورية بأنها تنجب من الأطفال أكثر من الأمريكيين.
ومن الجدير بالذكر هنا ، أن ملابس السوريين الاوائل التقليدة مثل الشروال والقنباز والطربوش الأحمر وغيرها. كانت تثير نوعاً من كراهية الأجانب تجاههم . ولكن سرعان ما أستجاب السوريون للعادات والتقاليد الجديدة. وصار من المتعذر تمييزهم عن غيرهم من الأمريكيين . كما اتخذ كثيرون منهم أسماء مسيحية أمريكية شائعة...
ومن المعروف أن نسبة المتعلمين من المهاجرين السوريين إلى أمریكا عالية . وينظر السوريون إلى التعليم على أنه ضرورة وبشكل عام نجد السوريين أكثر تعليماً من كثيرين من المها جرين الآخرين ، ونسبتهم عالية بين الأطباء والعلماء والمهندسين والصيادلة ورجال القانون ... 
 
 
هجرة السوريين الى أمريكا الجنوبية
بدأت هجرة السوريين الى أمريكا الجنوبية ، متزامنة مع هجرتهم إلى أمريكا الشمالية، وتتشابه هاتان الهجرتان إلى حد كبير . والحديث عن هذه الهجرة يحتاج الى مقالة خاصة ...
لقد كافح المهاجرون السوريون إلى أمريكا ، من أجل حياة أفضل ومستقبل أفضل لهم ولأولادهم، مثل الكثير من المهاجرين الآخرين ، وقد حققوا الكثير ، والحياة كفاح.

أخبار متعلقة :