حوار وترجمة: خالد ديريك
عقدت العزم على ترك موطنها الذي يقع في منطقة جبلية مزينة بآثار وقلاع خالدة في عمق التاريخ، من مجتمع أقلي تعرض لمآسي الحروب والنفي في مراحل سابقة لتحط بها الرحال منذ نحو عقد من الزمن في سويسرا كلاجئة حاملة معها عادات وتقاليد عريقة لمجتمعها.
سعت بكل طاقتها لإحداث تغيير نوعي في حياتها من خلال برامج الاندماج للاستفادة من الفرص المتاحة لها، كأي لاجئ آخر واجهت صعوبات كثيرة وخاصة في مسألة تعلم لغة بلد المستضيف لكن بالإرادة والدعم المحيطين بها تجاوزت أغلبها، وحققت أهم أهدافها ولا زالت تطمح لتحقيق المزيد.
أحبت الرسم في طفولتها كما نظمت حفلات الغناء، فيما بعد تعلمت مهنة الخياطة كمصدر للمعيشة وفي نفس وقت دخلت إلى مدرسة الفنون ثم إلى كلية الفنون في منتصف الأربعينيات من العمر وهي الآن مُدرسة الفنون.
بيلا تسوكيفا Bella Tsokieva ، فنانة من جمهورية أنغوشيا Inguschetien في منطقة شمال القوقاز الروسي، التي تتمتع باستقلال ذاتي، وتعيش حاليًا في سويسرا
نص الحوار...
حدثتنا بيلا تسوكيفا BellaTsokieva عن طفولتها وشبابها في بلدها الأم، قائلة:
كنت أمارس مهنة الخياطة في روسيا. حتى عندما كنت طفلةً كنت أحب الرسم والغناء وقضاء الوقت مع الناس. أتذكر كيف كنت في طفولتي أحب تنظيم الحفلات الموسيقية للجيران. كانت الناس تأتي إلى فناء بيتنا بكراسيهم ليشاهدوا حفلتنا الموسيقية. أنا وأصدقائي كنا نغني ونقرأ الشعر ونرقص كما أنني تواظبت على أداء الأغاني وتدربت عليها بشكل منظم وغالبًا ما اضطررت إلى التغيب عن المدرسة لحضوري الحفلات الموسيقية... كما ذهبت إلى مدرسة الفنون لأطور من نفسي كفنانة. وقضيت بقية أوقات فراغي في الرسم.
تركت مرابع الطفولة والصبا، وتوجهت نحو الغرب الأوربي:
أتيت إلى سويسرا منذ 9 سنوات كلاجئة من شمال القوقاز الروسي (جمهورية إنغوشيا). بعد أن تعلمت اللغة الألمانية، درست في كلية الفنون بجامعة زيورخ السويسرية. اليوم أنا فنانة ومُدرسة الفنون.
لا تجد الفنانة بيلا تسوكيفا BellaTsokieva أي علاقة تربط مهنة الخياطة بالفن:
في الوقت الحاضر، عندما يمكن استيراد الملابس الأساسية من بلدان أخرى وكما يمكن شراء الملابس بسعر أرخص من الخياطة، فمن المحتمل أن يكون من الصعب وصف الخياطة بأنها فن. إذا لجئت/ المرء إلى الخياطة اليوم، فغالبًا سيتم تغيير أو تعديل العناصر المشتراة.
لا تنفي أن الخياطة هي مهنة إبداعية لكن طموحها كان أكبر:
على الرغم من أن خياطة يُنظر إليها على أنها مهنة إبداعية، إلا أنني كنت أطمح إلى وظيفة أكثر إبداعية بحيث تسمح لي بالتواصل مع الناس يشكل أكبر وأوسع. لذلك اخترت التدريس والفن.
اكتشفت موهبتها الفنية في المدرسة:
في المدرسة، كنت أحصل دائمًا على علامات ممتازة في مواضيع ومجالات الرسم والغناء، وكانت هذه هي الأشياء التي كنت أجيدها دائمًا. أحببت الرسم والطلاء، وقد تطورت أكثر في هذا الاتجاه من خلال تجربتي الخاصة وبفضل دعم المعلمين.
نقطة التحول مهمة في مسيرتها الفنية:
لعب محاضروي الاستثنائيون في كلية الفنون بجامعة زيورخ، وخاصة السيد كريستيان فيتر، دورًا مهمًا للغاية في تطوري كمُدرسة للفنون وأيضًا كفنانة. الجدير بالذكر، كنت قد زرت بالفعل مرسمه قبل دراستي الجامعية، مما أعطاني ألوانًا ومعانٍ جديدة للرسم.
تستخدم الأدوات التالية أثناء البدء بمشروع فني:
أُفضل العمل مع الألوان الزيتية، ولوحات الجينز، ولوحات جلد السمك، وهذه هي نتيجة أبحاثي وتجاربي.
غيرت مواضيع لوحاتها الفنية من حياة مثالية إلى ذكريات وحياة واقعية حقيقية:
في بداية دراستي، وخاصة أثناء إقامتي في سويسرا، كانت لوحاتي تمثل حياة مثالية. عندما قمت بتصوير إنغوشيا، قمت أيضًا بنقلها في ضوء مثالي، على الرغم من وجود مشاكل سياسية واجتماعية واقتصادية في الواقع. ومع مرور الوقت تعلمت تصوير الواقع ونقل الذكريات السعيدة منها والحزينة أيضا على لوحة القماش.
وتضيف: تتيح وتمنحني اللوحة أحيانًا الفرص والاحتمالات للمشاركة والتواصل ونقل شيء ما للناس، مع ترك مساحة للمخفيين وغير المذكورين.
يجد الناظر الزخرفة الانغوشية في بعض لوحاتها، وعن هذا الأمر بينت ما يلي:
استخدمت في بعض لوحاتي، الزخرفة الإنغوشية التقليدية وتعلمت الكثير عن تاريخها. ومن المثير للاهتمام، أن الزخرفة كان لها معنى دلالي ولم تكن مجرد عنصر زخرفي. إنه لأمر مبهر أن نرى كيف ابتكر الناس معاني عميقة في شيء خاص بهم وفريد من نوعه منذ سنوات عديدة. لقد كتبت أيضًا ورقة علمية باللغة الألمانية حول هذا الموضوع.
رغم بناءها لوحات إبداعية إلا أنها لم تحدد بعد انتمائها الفني:
أنا حقا أحب التجريب. لهذا السبب جربت اتجاهات الرسم والتقنيات المختلفة في عملي. على الرغم من أن أعمالي تم إنشاؤها في أنواع مختلفة، إلا أن الأشخاص الذين يرونها يقولون إن هناك صلة مشتركة بينهم. ومع ذلك، فأنا لا ألتزم دائمًا باتجاه معين عند الرسم. ربما سأكتشف اتجاهًا محددًا بشكل أوضح في المستقبل.
أما عن رأيها بالفن والجمهور السويسري، قالت:
الأكثر شهرة في سويسرا هي المتاحف والمعارض الفنية مثل متحف الفن بمدينة زيوريخ، الذي يضم الأعمال المشهورة عالميًا للفنان السويسري ألبرتو كياكوميتي Alberto Giacometti. كدولة عالمية، تعد سويسرا بوتقة تنصهر فيها الثقافات المختلفة، مما يسمح للجمهور بمقابلة أشخاص من جميع الجنسيات والاستماع إلى لغات مختلفة.
أهم المعارض التي شاركت فيها:
لقد شاركت في معارض في سويسرا وألمانيا، لكن المعرض الأكثر الأهمية بالنسبة لي كان معرض أطروحتي الجامعية/ أطروحة درجة البكالوريوس في ZHdK جامعة زيورخ ـ كلية الفنون. خصصت رسالتي هذه لذكرياتي كلاجئة وعَكستُ من خلالها اللحظات الحالية الحزينة منها والسعيدة في حياتي وأيضاً عبرت من خلالها عن ذكرياتي وآمالي.
التحقت بالتعليم العالي في سويسرا في عمر متأخر، شرحت لنا بإسهاب عن كيفية قبولها في الجامعة، والصعوبات التي واجهتها والدعم الذي تلقتها:
اتضح أنه تم قبولي في كلية الفنون بجامعة زيورخ ZHdK بعمر 44 عامًا، وذلك بعد أربع سنوات فقط من وصولي إلى سويسرا. بالمناسبة، تعد جامعة زيورخ للفنون أكبر جامعة فنية في سويسرا. لديها 2000 طالب من جميع أنحاء العالم في مجالات الفن والتصميم والموسيقى والمسرح والسينما والرقص والتعليم، وعلم أصول التدريس والتربية.
بدأت بإعداد ملف التقديم للقبول في كلية التربية الفنية بالجامعة. احتوى المجلد على رسومات ولوحات وصور لقطع الملابس التي كنت قد خيطتها. قررت في البداية البدء في الدورة التمهيدية ثم التقدم على دراسة البكالوريوس. وقد استغرق الأمر أربع سنوات في المجموع.
من خلال مشاركتي في المشاريع، أدركت أن الطلاب هم أشخاص عاديون، ومن حيث المبدأ، يمكن لأي شخص لديه الرغبة والجهد التعامل والتعايش معه.
الصعوبات:
تكمن الصعوبات بشكل رئيسي في اللغة. كان مخيفًا ألا أفهم فجأة شيئًا ما أثناء الامتحان وأن أجيب بشكل خاطئ. في الواقع، لم أفهم أحيانًا بعض الأشياء، لكن ردة فعل اللجنة كانت متفهمة. بدت كمية المعلومات التي تلقيتها هائلة. كان علي أن أبذل مجهودًا أكبر بثلاث مرات للتحضير للامتحان من المتحدثين الأصليين، جعلني هذا أشعر بعدم الأمان في المجالات والموضوعات النظرية مثل علم النفس وعلم النفس العصبي ونظرية الفن ونظرية التصميم وعلم التربية والتعليم العام.
بدأت التحضير للامتحان في وقت أبكر بكثير من الآخرين، وعلقت أهمية على إعادة ومراجعة المادة كل صباح ومساء.
الدعم:
طلبت الدعم من الطلاب الآخرين لإعداد نفسي بشكل أفضل. فقد أصبح المستحيل ممكنا. ووجدت في الممارسة العملية إيقاعي الخاص، وشعرت بنقاط قوتي وتلقيت ردود أفعال إيجابية من المعلمين وزملائي في الفصل.
كما تلقيت المساعدة من أطفالي في تعلم اللغة الألمانية والعمل مع برامج الحاسوب المختلفة. عندما بدأت الدراسة لم يكن بإمكاني فعل أي شيء تقريبا بشكل مستقل (في التصميم والفوتوشوب والتصوير الفوتوغرافي) وكل ما كان مهمًا لعملية التعلم. لكنني بطبع تعلمتهم جميعًا الآن.
كان المحاضرون صبورين أيضًا لأن اللغة الألمانية ليست لغتي الأم، ويمكن أن أرتكب أخطاءً. غالبًا ما كان علي أن أستفسر أو أطرح أسئلة لفهم ما لم أفهمه وتلقيت دائمًا المساعدة والدعم.
أود أن أضيف أنني كنت الطالبة الوحيدة التي كانت ترتدي الحجاب، وخلال السنوات الأربع التي قضيتها في ZHdK Hochschule جامعة زيوريخ بكلية الفنون لم أواجه أو أتعرض لأي سوء تفاهم من أي شخص. لطالما تم دائما احترام معتقداتي الدينية.
إلى جانب الرسم لديها موهبة الغناء أيضا إلا إنها لم تطورها كما الرسم وذلك اعتقادا منها:
أعتقد أنه من غير ممكن أن تصبح متخصصًا جيدًا في مجالات مختلفة. لذلك كان علي أن أختار، ويظل الغناء هواية بالنسبة لي.
عن طموحاتها وأحلامها قالت:
أريد أن أطور من نفسي أكثر كفنانة، وأن أستمر في تنظيم ورش العمل ودورات الرسم. لا يزال لدي بعض الأهداف التي أريد الوصول إليها وتحقيقها.
في ختام حوارنا معها، وجهت الفنانة بيلا تسوكيفا BellaTsokieva نصيحة إلى جميع الناس، قائلة:
أتمنى من جميع ألا يخافوا من تجربة أشياء جديدة وإجراء تغييرات. (السفينة التي لا تجري لن تكون لها رياح خلفية).
أخبار متعلقة :