بوابة صوت بلادى بأمريكا

عبد الواسع الفاتكي يكتب : التدخلات والمتغيرات الإقليمية وأثرها على حاضر ومستقبل اليمن

دخلت الحرب الجارية في اليمن  مرحلة تعقيد الحلول ، فليس هناك في المستقبل المنظور حسم عسكري ولا إمكانية لتسوية سياسية أو حتى هدن شاملة ؛  يعزو ذلك إلى تركيبة الحرب ، التي هي خليط غير متجانس من الحرب الأهلية والتأثيرات والتدخلات الإقليمية الدولية ، وبالتالي فهي ليست تعبيرا  عن صراع داخلي مستقل قائمًا بذاته ؛  إنما تمثل وجها من وجوه صراع مركب متعدد الأطراف ،  تتداخل فيه تأثيرات  إيرانية سعودية إماراتية ومصالح الدول الكبرى ، كأمريكا وبريطانيا ، كما تتداخل فيه عوامل سياسية وطائفية وجهوبة من جانب آخر ؛  الأمر الذي أدى لأن يصبح  اليمن مرهونا برسم الحسابات والصراعات الإقليمية والدولية ،   وهو نوع من الحروب  ، التي  يمكن أن تطول ، ففي الوقت الذي  يبدو فيه السلام المنشود في اليمن بعيدا ؛ مع تزايد الصراعات الداخلية ؛ وتباين المصالح بين دول الإقليم والدول الكبرى ؛ لذلك ستظل الحرب تستنزف اليمنيين ؛ ما لم يتم لجم الفواعل المليشياوية المناوئة لقيام الدولة الاتحادية بمؤسساتها الوطنية ، يشارك كل اليمنيين في بنائها متساوون في الحقوق والواجبات .
حشرت المليشات الحوثية الانقلابية الصراع اليمني اليمني في الصراع السعودي الإيراني ؛  ما أدى إلى إطالة أمد الصراع ، ونجم عنه أوضاع سياسية غير مستقرة ، وتدهور اقتصادي وتصدع اجتماعي ، وتعميق للأزمة السياسية اليمنية  وولد الكثير من الهويات الجزئية داخل اليمن ؛ فظهر الولاء للطائفة والمنطقة والقبيلة والحزب والفرد ، بل ظهر الولاء للخارج والذي اثر على الهوية اليمنية الجامعة لكل الهويات ،  كما أنتج الصراع الإقليمي انقساما داخل  مستوى التنظيمات والنخب السياسية والاجتماعية والثقافية ؛ وفتح الباب لدخول اليمن مرحلة الفوضى ،  وجعله أرضا خصبة للمليشيات المسلحة .
يزداد الأمر تعقيدا في أن  مايحدث في اليمن في الوقت الراهن من تأثيرات إقليمية ودولية ، لعبت دورا مهما في أزمة تكوين الدولة اليمنية الحديثة ، توزع بين التدخل المباشر والغير مباشر ،  فضلا عن تنوع أبعاده بين سياسية واقتصادية وأمنية ودينية واجتماعية ،  والتي تقاطعت مع الإشكالات اليمنية الداخلية ، التي أنتجت فواعلا يمنية ذات ارتبط وثيق بتحالفات تجاوزت حدود الدولة الوطنية ، وباتت رأس حربة في صراع الإرادات الإقليمية والدولية ؛ نتيجة غياب الشعور بالانتماء الوطني ، واللجوء للاسقواء بالخارج بغية توهم الغلبة على بقية الفرقاء اليمنيين .
لا ينبغي تحميل الصراع الإقليمي في اليمن المسؤولية الكاملة عما آلت إليه الأوضاع ؛  إذ أن العوامل الداخلية للصراع في اليمن المتمحورة في صراع القوى اليمنية على السلطة والثروة , كان لها الدور البارز في  وصول الصراع الحالي لهذه الدرجة من الحدة والاتساع والضراوة .
تشير المؤشرات الأخيرة المتمثلة بالمحادثات المباشرة بين المليشيات الحوثية والسعودية  إلى أن السعودية تسعى للخروج من الحرب في اليمن ، وأنها قررت البحث عنن توفير ضمان طويل الأمد لأمن السعودية ؤ  والمليشيات الحوثية مع الأسف أحد الخيارات كأمر واقع ، في ظل عدم الحسم العسكري معها وبقائها مسيطرة على جل المحافظات الشمالية  ، وربما تم البدء فعليا بإجراءات جدية ، تمثل اختبارات قبول لهذا الخيار ،  بتفاهمات وضمانات إقليمية ودولية ، ناهيك عن أن هناك  الكثير من المؤشرات تكشف وجود رغبة جامحة لدى قيادات الحركة الحوثية ، في التقرب من السعودية وعقد صفقة معها ، بموجبها تتحول المليشيات الحوثية لحارس الحدود الجنوبية السعودية ، وتكف عن استهداف الأراضي والمنشآت المدنية والاقتصادية السعودية ،  مقابل امتناع  المملكة العربية السعودية من تقديم العون العسكري المباشر للسلطة الشرعية ، واحتفاظ المليشيات الحوثية بمكاسب سياسية واقتصادية وعسكرية ، وشرعتة وجودها في أي توليفة قادمة للسلطة ، وفق تسوية ستكن المليشيات الحوثية مكونا أساسيا فيها ، إذ أن من أهم القواعد الأساسية في العلاقات الدولية ، لا يهم من يحكم ولكن كيف يحكم ،  وليس ببعيد عنا تسليم أمريكا أفغانستان لحركة طالبان .
الضرورة الوطنية واللحظة الحرجة التي يمر بها اليمن الآن ،  تحتم  على القوى والقيادات الوطنية اليمنية إدراك المتغيرات ، ومغادرة حالة العناد السياسي و الشتات والمماحكات ، وتجاوز إفرازات وترسبات المرحلة السابقة ، والبدء فوراً في صياغة مشروع وطني موحد ، والذوبان في كيان سياسي واحد ، يعمل الجميع من خلاله لإسقاط كل المشاريع الأيدلوجية الطائفية أو المناطقية والجهوية ؤ وإعطاء أولوية قصوى لدمج الوحدات العسكرية والأجهزة الأمنية ، تحت مظلة وزارتا الدفاع والداخلية اليمنيتين ؛ لترسيخ دعائم الأمن والحفاظ على السلم الأهلي في كافة المناطق المحررة ، وبما يضمن فعالية وتوحيد العمل العسكري والأمني  ، نحو معركة تحرير ما تبقي من المناطق ، التي مازالت المليشيات الحوثية تسيطر عليها ،  ومن الأهمية بمكان التأكيد على أن الحفاظ على علاقة الشراكة الاستراتيجية مع العمق العربي ،  لاسيما دول الجوار ، كمسار اجباري وخيار وحيد وواقعي لأي سلطة يمنية أو نظام سياسي يمني ، تفرضه الاعتبارات الجيوسياسية والاقتصادية والجغرافية ، فضلا عن الأمن القومي اليمني الذي يعد جزءا لا يتجزأ من الأمن القومي لدول الجوار ،  بل من الأمن القومي العربي .
لا تزال الفرصة سانحة أمام التحالف العربي والسلطة الشرعية ؛  لتصحيح الاختلالات وتقويم المسار  والفوز بالحفاظ على اليمن دولة وشعبا من المشاريع التدميرية الطائفية أو المناطقية ؛ كي لا تغرق سفينة اليمن وسفينة الخليج والجزيرة العربية .

أخبار متعلقة :