كان اليوم الأول للدراسة حيث قررت طبيبة المدرسة والملحق بها حضانة أن تستغل فرصة قدوم أولياء أمور الطلاب معهم لتجتمع بهم في مكتبة المدرسة ..
بدأت الطبيبة حديثها بالترحاب بأولياء أمور الطلاب متمنية لهم عاما سعيدا مليئا بالنجاحات وتحقيق الأمنيات ..
طرحت الطبيبة استطلاعا للرأي تضمن أسئلة متعددة الخيارات حول العادات الصحية للأطفال في المنزل وبعد اكتمال ملء الاستبيان وتحليله عبر برنامج للتحليل الاحصائي لديها وجدت الطبيبة حيودا كبيرا في اتباع النظم الصحية التي تحقق للأطفال حياة صحية رشيدة ..
قالت الطبيبة : من خلال نتائج الاستبيان أستطيع أن أجزم أننا نفتقد كنزا مهما في حياة أبنائنا وبناتنا ..
قال أولياء الأمور جميعا في صوت واحد لا يخلو من همهمة واندهاش : ماهو هذا الكنز؟
قالت الطبيبة :سيادة الثقافة الصحية في حياة أطفالنا .
قال أولياء الأمور : هل توضحين لنا السبيل يا دكتورة ؟!
قالت الطبيبة : المثال على ذلك : سؤالي في الاستبيان : هل يتعرض الأبناء لضوء الشمس بشكل كاف أثناء اليوم ؟وكيف ؟
جاءت أغلب العلامات بجانب خيار (نعم ) وخيار (الجلوس اليومي بجانب النافذة عند ارتفاع الشمس في أفق السماء )وهذا ليس كافيا فالحصول على القسط اللازم من فيتامين د لا يتحقق إلا بالتعرض المباشر لأشعة الشمس في الأوقات الصحيحة ..
قال أولياء الأمور :وما هي الأوقات الصحيحة؟!
قالت الطبيبة : خلال فترة الصيف فالأفضل انتقاء وقت التعرض لأشعة الشمس من الساعة الثامنة والنصف صباحا وحتى العاشرة والنصف صباحا ومن الساعة الثانية ظهرا إلى الرابعة عصرا أما في الشتاء فيكون من الساعة العاشرة صباحا إلى الثانية ظهرا ..
٠سال احد أولياء الامور: ومانستفيد من فيتامين د ؟فأجابت الطبيبة :لفيتامين د أهمية كبيرة في صحة العظام والعضلات ويحمي من كل شيء بداية من التعب وآلام الجسد وصولا لأمراض القلب والسرطان ،ولايستطيع الجسم امتصاص الكالسيوم مكون الرئيس للعظام إلا بوجود فيتامين د ، وانخفاض فيتامين د يرتبط بصعوبة التعليم (الانحدار المعرفي)، وتلين العظام عند الكبار وهشاشة العظام والكساح عند الأطفال،
تساهم أشعة الشمس في إنتاج 90% منه ، بينما يساهم الغذاء مثل اللحوم الحمراء والكبد وصفار البيض وزيت السمك في إنتاج 10%.
عادت الطبيبة للنظر في نتائج الاستبيان ثم قالت : في سؤال :هل اليود مهم أن يكون ضمن الطعام وضمن خيارات منتجات الملح المزود به ؟! وجدت أن الخيارات الأكثر لصالح خيار (لا أعلم)
وهنا لابد من وقفة فقصور الغدة الدرقية من الأمراض الشائعة لدى الأطفال خاصة في الدول النامية لذا فتوافر اليود عامل أساسي في تأمين الوظيفة الطبيعية للغدة الدرقية ..
سألت إحدى أولياء الأمور وما وظيفة الغدة الدرقية؟
أجابت الطبيبة: الغدة الدرقية تقوم بانتاج الهرمون الدرقي الذي يتحكم في معدل الاستقلاب في الجسم بما في ذلك معدل ضربات القلب ،وكيفية تنظيم الجسم لدرجة حرارته ولها وظائف أخرى كثيرة ،وقد يتم إنتاج كمية كبيرة من الهرمون الدرقي فتتسرع هذه الوظائف فتظهر أعراض نشاط الغدة الدرقية من هذه الأعراض عند الأطفال:سرعة البكاء ،العصبية ،تشتت الذهن ،عدم القدرة على التركيز لفترة طويلة ،فرط التعرق ،زيادة ضربات القلب ،أما في حالة خمول الغدة يبدأ انخفاض مستوى الهرمون الدرقي في الدم فتظهر أعراض قصور الغدة الدرقية التالية:قصر القامة ،تأخر النمو البدني والعقلي ،زيادة الوزن ،عدم تحمل الحرارة الباردة وغيرها من الأعراض..
فعاودت ولية الأمر بسؤال الطبيبة: ومن أين نحصل على اليود ليكون ضمن أكلات أطفالنا ؟!
قالت الطبيبة : يتوافر اليود في الأسماك والبيض والحليب السائل وفي الخضروات والفاكهة ومنها البرقوق ..كما أنه ينبغي التأكد من أن الملح الذي نستخدمه في المنزل مدعوما باليود لقد استطاعت الدول المتقدمة أن تحد من تفاقم حالات قصور الغدة الدرقية لديها عبر هذه الإجراءات ..
قال أحد أولياء الأمور : وهل أظهر الاستطلاع أمورا أخرى يا دكتورة ؟!
قالت الطبيبة : أعلم أن الوقت قد داهمنا لهذا سأركز على النقاط الجوهرية التي يكشفها الاستطلاع وشديدة الأهمية للأمهات اللاتي ألحقن أطفالهن بالحضانة :فقد جاءت أكثر الاجابات مؤيدة للرضاعة الطبيعية فقط كمصدر غذائي وحيد للطفل في بداياته وهذا الاعتقاد ليس صحيحا في المطلق فلابد من متابعة نمو الطفل مع طبيب مختص واستشارته مع الشهر الرابع حول إضافة مكمل غذائي مدعم بالحديد في شكل غذاء أو قطرات أو حليب صناعي معزز بالحديد وتوصي الأكاديمية الأمريكية لطب الأطفال باختبار جميع الأطفال بين 9 شهور -12 شهر للتأكد من خلوهم من الإصابة بأنيميا نقص الحديد ..
سألت إحدى الأمهات : وهل هذا الأمر جد خطير يا دكتورة ؟!
قالت الطبيبة : أجل فالحديد من العناصر الهامة حيث يساعد في نقل الأكسجين من الرئتين إلى باقي الجسم ويساعد العضلات في تخزين الأكسجين ومن ثم استخدامه ..
علق أحد أولياء الأمور : فعلا مسألة شديدة الأهمية ولكن فيما يخص الأطفال في سن المدرسة وما بعدها ألا يوجد نظام غذائي يقي من نقص الحديد المسبب للأنيميا ؟!
قالت الطبيبة: بالطبع فاللحوم والدجاج والأسماك والبقوليات والسبانخ من المصادر الهامة للحديد ويا حبذا لو دعمنا ذلك بأطعمة غنية بفيتامين سي مثل الحمضيات والفراولة والطماطم والفلفل الحلو والشمام ..
سألت إحدى أولياء الأمور: وهل هناك سبب لاختيار مصادر فيتامين سي جنبا إلى جنب مصادر الحديد ؟
قالت الطبيبة: نعم بالتأكيد فيتامين سي يساعد على امتصاص الحديد..
قال أحد أولياء الأمور: وهل أظهر الاستطلاع أمورا أخرى يادكتورة؟!هناك نقاط كثيرة لكن داهمنا الوقت كما تحدثت آنفا لذا ففي النهاية وقبل أن أختم حديثي أود أن أتطرق لأمرين شديدي الأهمية على جناحي السرعة: الأول هو ضرورة حماية أطفالنا من أخطار الأجهزة الذكية إذ تشير الدراسات إلى تأثير ضار نتيجة التعرض لها لوقت طويل على نمو الدماغ ووظائفه مما يسبب قصورا في المهارات المعرفية والارتباك لدى الأطفال ..والأمر الثاني هو ضرورة تعويد أطفالنا على النوم في موعد ثابت ولمدة كافية ما بين 9 ساعات و12 ساعة تقريبا لما في ذلك من ضرورة محتمة لنمو أطفالنا حيث يصل هرمون النمو الذي تفرزه الغدة النخامية بالمخ لحدوده القصوى أثناء النوم العميق بنسبة 48% فأكثر حيث يسهم هرمون النمو في بناء العضلات وأنسجة الجسم وأن عوز هرمون النمو يزيد من قصر القامة عند الأطفال فضلا عن أن عملية نمو أعضاء الأطفال خاصة العظام تنشط أثناء النوم الليلي الهادىء العميق ..
الخلاصة أن أخذ قسط كاف من النوم مع ممارسة الرياضة بذلك تتحقق لنا كافة الفوائد مع نظام صحي سليم ..وقتها ووقتها فقط يترائى لنا الكنز الحقيقي في بيوتنا ..
شكر الجميع الطبيبة وانصرفوا سعداء على وعد منها بتكرار هذه المحاضرات والارشادات القيمة..
* بقلم : د.درر سمير الصوفي مدرس الكيمياء الحيوية بكلية الطب البشري جامعة دمشق..
و د.محمد فتحي عبد العال كاتب وباحث وروائي مصري..
أخبار متعلقة :