بوابة صوت بلادى بأمريكا

مراد ناجح عزيز يكتب : سينما رشدي أباظة

 
 
مبكراً ..
يصافح دواّمة عشقه اليومي , صبغته شمس الصيف بسُمرة أهل الجنوب , لكنّها لم تنال من بياض قلبه ونقاوته , , يلتحف القليل من الثياب الثقيلة شتاءاً , تشعر وكأنّه يستمتع بعمله رغم ساعاته الطوال , ورغم قسوة برد الشتاء وصقيع الماء , يشعل بعضاً من الخشب , تستكين رعشة جسده النحيل , تعود الدماء تجري في انسياب , كأنّها ثلج بدأ في الذوبان , يرتكن بظهره إلي حافة المركب , يحاول خلخلة أوقاته ورتابتها بسماع أغنيات ( أم كلثوم ) , ينفث دخان الشيشة في الهواء , لا يشغل يوسف بعد عناء يومه , سِوي أوقاته التي يقضيها , بعيداً عن عالم يضج بكل نشاز ومثير للقلق , محلّقاً في سماء عينيه , متقمصًا دور العاشق في سينما الزمن الجميل , تعلق في ذهنه دائماً مشاهد بطله المفضّل ( رشدي أباظة ) , تصاحبه أجمل الفتيات , تستند برأسها علي كتفه , بينما هو يداعب بيده خصلات شعرها , ساعات من الفرح الطفولي تعانق نشوته .
مستلقيًا يتأمل صفحة السماء باتساعها , قاربت الشمس علي المغيب بعدما تشبّعت بنسمات الحياة علي الشواطئ وبين الأزقّة والشوارع , أهازيج من الأغنيات الجميلة التي تعوّد يوسف علي سماعها , تبدو علي وجهه ابتسامة لا يعرف مصدرها أحد , هل تذكّر سنوات صباه ؟ هل تذكّر حديثاً لأحد أصدقاؤه بالأمس , 
وحده يوسف يعلم سبب ذلك , إنّها نسمات الصيف تُعلن عن حياة , جعلت من قاربه القديم صفحة من دفتر العشق , تنتظر من يسجل رفيها , أحلاماً وأمنيات , 
يتحدّث بلطف وبلباقة , اكتسب خبرات طويلة في التعامل مع الآخرين من خلال عمله , يتعمّد البعض مداعبته لعلمهم بردود أفعاله خفيفة الظل , يحافظ علي هيئته دائماً , فلابد لمن يحب عمله أن يكون أنيقاً , هكذا كان يقول يوسف .
 
امتلأت السماء بنجومها ليلاً واستدار القمر , نظر إلي ساعته ثم هدأ متمتماً : لا بأس مازال في الوقت متّسع , بدا يوسف وكأنّما يمشي راقصاً يجدّف بيديه وكأنّما هو في قاربه , يوجهه يميناً ويسارًا , جلس علي احد المقاهي متمتاً بشفتيه : 
( لقد عاد من جديد زمن الحب الجميل ) , بعيدا عمّا أتلفته التكنولوجيا , فقد جَمّدت المشاعر بدلاً من أن ترققها , وزيّفت الحقيقة بكلام معسول لا يفصح عن وجه صاحبه إلا خداعاً وكذب , قضي يوسف أجمل لحظاته واضعاً ساقيه واحدة علي الاخري , ينتظر رنّات هاتفه , لحجز رحلات أُنس بين حبيبين , تُعيد إلي قلبه نشوة غائبة لسينما الزمن الجميل , وكأنه يوم عيد , تتراقص فيه الأغنيات والطيور, تتزين الشوارع ويصبح الضجيج نوعاً من الاحتفال .          

أخبار متعلقة :