العلمانية ليست إلحادا ، وهي ليست لا دينية أيضا، ولا هي ديانة إضافية فليس موضوع العلمانية هو الله، وإنما المجتمع .. العلمانية ليست مطالبة بتقديم تصور عن العالم، وإنما شغلها الشاغل هو كيفية إدارة و تنظيم "الدولة" و أيضاً هي ليست معتقداً، هي مجرد مبدأ، أو مجموعة من المبادئ :
١- حيادية الدولة فيما يتعلق بالدين بصفة عامة.
٢- استقلاليتها عن المؤسسات الدينية و العكس .. أي استقلالية المؤسسات الدينية عنها.
٣- حرية المعتقد الديني.
٤- حرية الانتقاد والمراجعة الفكرية.
٥- عدم وجود أي مرجعية دينية للدولة.
٦- عدم وجود أي قيود رسمية أو تشريعية تعوق الممارسات الدينية، وبالتالي الحق لكل فرد في ممارسة الديانة التي تروقه أو عدم ممارسة أي واحدة.
٧- الحق في الصلاة و أيضاً الحق في انتقاد المؤسسات الدينية، بشرط عدم الإخلال بالنظام العام.
٨- وأخيرا، وهذا الأمر ليس بأقل أهمية مما سبق، الطابع المحايد الذي لا ينحاز لدين معين في التعليم .. التعليم الذي يجب أن يظل بعيدا عن تدخل رجال الدين في شؤونه ، وهو، في المقابل، ليس مطالباً بأن يكون معادياً لهم، فالحيادية هي كلمة السر.
يمكن تلخيص الأمر برمته في ثلاثة جُمَل :
•الحيادية ( حيادية الدولة والتعليم)،
•الاستقلالية ( إستقلالية الدولة عن المؤسسات الدينية والعكس)،
•الحرية ( حرية المعتقد الديني).
إنتصار العلمانية " إن حدث" ، ليس هزيمة للمؤسسات الدينية : إنه انتصار مشترك للعقول الحرة و المتسامحة. •• العلمانية تمنحنا فرصة العيش معاً رغم اختلافاتنا الكثيرة في الآراء والعقائد. لهذا فهي رائعة ، مفيدة، منصفة وضرورية. فالأمر لا يتعلق هنا بمعاداة الدين .. فالعلمانية هي عكس الإكليروسية ( التي يريد فيها رجال الدين السيطرة على مختلف مفاصل الدولة )، وعكس الشمولية ( التي تريد فيها الدولة السيطرة على المؤسسات الدينية ورجالها).
نستطيع أن نفهم الآن لماذا لا يمكن اعتبار إسرائيل، إيران أو الفاتيكان دولاً علمانية، فكلها دول تتبنى ديانة رسمية أو مفضلة .. لكن ألبانيا الشيوعية، في ظل حكم إينفر هوكسا، هي الاخرى لم تكن دولة علمانية لأنها كانت تتبنى الإلحاد كمذهب دولة. هذا المعطى يشرح بشكل كاف معنى العلمانية : فهي ليست أيديولوجية(معتقدات و أفكار) دولة، و لكنها رفض الدولة لأي أيديولوجية مهما كانت.
ليس من واجب الدولة أن تحكم العقول أو القلوب ، هي ليست مطالبة بأن تطلق أحكاما تخضع لمعايير الحقيقة والخير، بل ما يهمها، في الدرجة الاولى، هو السهر على تطبيق القانون والمعاقبة على مخالفته .. فالدولة لا تملك ديانة .. الدولة لا تملك أخلاقاً .. الدولة لا تملك مذهباً .. المواطنون وحدهم يستطيعون امتلاك كل هذه الأشياء إذا أرادوا عن طيب خاطر.
لكن هذا لا يعني أن على الدولة أن تتسامح مع كل هذه الأمور .. كل ما في الأمر أن الدولة لا تعاقب سوى التصرفات، لا النوايا والأفكار، وفقط في حالة ما إذا كانت هذه التصرفات مخالفة للقانون .. في دولة علمانية حقيقية، لا يوجد هناك ما يسمى بجريمة رأي، كل واحد يحق له أن يفكر كما يريد، وأن يعتقد فيما يريد .. كل واحد يجب أن يحاسب على أفعاله، لا على أفكاره. على ما يقوم به، لا على ما يعتقد به .
في السنوات الأخيرة صار الجدل شديدا حول العلمانية و ضرورتها وأهميتها بالنسبة لشعوب الشرق الأوسط وخاصة مصر , بين مؤيد متحمس للفكرة و غالبية تجهل معنى العلمانية وتصفها بالكفر و الإلحاد , و تتوعد معتنقي الفكرة بالويل والثبور وعظائم الأمور .. فصار مفهوم العلمانية بين عامة الناس هو رفض تطبيق الشريعة الإسلامية واستبدالها بقوانين البشر , و ده جعل العلمانية بالنسبة للكثيرين مرادفاً للكفر و الإلحاد , و اللي زود الفكر الخاطئ ده , كذب تجار الدين وتدليسهم و تنفيرهم لعامة الناس من الفكرة العلمانية بوصفها فكرة مستوردة من الغرب و مهاجمتهم بكل شراسة لكل من ينادي أو يدعو للفكرة العلمانية في مصر و الشرق الأوسط!.
نتعرف أكثر علي العلمانية عن قرب: العلمانية ترسخت في الحضارة الغربية منذ ما يزيد عن القرنين من الزمان , و ستزداد نضوجاً ولمعاناً في السنوات القادمة , بينما في مصر و الشرق الأوسط , بدأت العلمانية بالتغلغل تدريجياً , بوضوح كما في تركيا و تونس , و بخفاء كما في مصر و السعودية , فالوضع في هذه المجتمعات يمثلها المثل المصري القائل (زي اللي رقصت على السلم) , فهذه المجتمعات ألغت كثيراً من التشريعات البدائية الهمجية , مثل الرق و العبيد و الجزية وغيرها , وهي قد ألغتها تحت وطأة ضغط المجتمع الدولي و تماشياً مع الأمم المتحضرة .
لكن باطناً في اللاوعي الجمعي , لا ترى هذه المجتمعات نهائياً أي غضاضة في الرق و الجزية و العبيد وغيرها , و قد ينطق العقل و الفعل بذلك أحياناً كما فعلت داعش و استعادت تطبيق هذه الشرائع الإرهابية الهمجية , و لكن ظلت الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسا للتشريع في دساتير الدول الإسلامية , مما أثر في قوانين الأحوال الشخصية من زواج و ميراث و طلاق و حضانة و إن كانت مُخففة عن الأصل و ممزوجة ببعض المواد القانونية المستقاة من الدساتير الغربية.
هذا المأزق التاريخي الذي تمر به مصر و الشرق الأوسط , هو عدم القدرة على تطبيق الشريعة بصورة كاملة ارضاءً للغالبية المُشبعة بفكرة الإسلام السياسي , وفي نفس الوقت عدم القدرة على التحول العلماني , خوفاً من غضب الجماهير المسلمة المتعصبة دينياً , و أيضا خوفاً من أن تخسر الأنظمة السياسية لأداة مهمة من أدوات الحكم و السيطرة على الجماهير ألا وهي أداة الدين , و انحشرت مصر ومعها الشرق الأوسط في عنق الزجاجة هذا ما يقرب من قرنٍ من الزمان , في صراع بين قوى العلمانية مدعومة بنجاح العلمانية في الغرب , و قوى الإسلام السياسي المدعومة بجماهير حاشدة مُغيبة مغسولة العقل و وهم أنه صالح لكل زمان و مكان!.
و ظهر اتجاه فكري يسير على خط المنتصف في هذا الصراع , رافضاً لفكرة الإسلام السياسي و تطبيق الشريعة تطبيقاً كاملاً , و رافضاً العلمانية كمفهوم غربي لا يناسب المجتمعات الشرقية , ويدعو إلى إيجاد حل وسط بين الأمرين , أو إنتاج نسخة مميزة تمزج بين الأفكار العلمانية و فكرة الإسلام السياسي, و ده هو المستحيل الرابع , بعد الغول والعنقاء و الخِل الوفي! , وهذا الإتجاه أيضا ينتقد مسمى العلمانية بدعوى أنه مسمى يحمل معاني غير مرغوبة مثل الإلحاد و التغريب و غيرها من الصفات المنفرة لنفوس الأغلبية المُغيبة فكريا الجاهلة ثقافياً و المشحونة دينياً!.
رأيي المتواضع أن التحول العلماني هو حتمية تاريخية حدوثها مؤكد يوماً ما , طال الوقت أم قصر , و أنه يجب على العلمانيين المصريين و الشرقيين عدم إضاعة الوقت في تبرير العلمانية و محاولة اخفائها تحت مسميات أخرى خوفاً من المتشددين و تجار الدين , فالمعركة قد بدأت من عقود , و تغيير المسميات العلمانية لشيء آخر ملوش أي فايدة.
يجب على العلمانيين المصريين والشرقيين , قبول المواجهة بشجاعة , و الهجوم بشراسة على الموروثات العتيقة , التي تقف حاجزاً أمام التحول العلماني , بالعكس المسمى العلماني هو مسمى واضح وضوح الشمس و هو فصل الدين عن السياسة , بالطبع يجب إصلاح الفهم عند الجماهير بتوضيح المعنى الحقيقي للعلمانية و أنها فصل للدين عن نظام الدولة و قوانينها و مؤسساتها فقط لا غير , و أن العلمانية ليست دعوة للإلحاد بل دعوة التحضر و المواطنة و حرية الفكر و العقيدة , و أن الدولة العلمانية تقف على مسافة واحدة من كافة الأديان والمعتقدات.
يجب العمل علي افراغ العقل الجمعي المصري و الشرقي من الولاء والإنتماء للفكر المتشدد الرافض للتغيير , و اخلاء المساحة اللازمة داخل المجتمع للأفكار العلمانية , مفيش بديل عن الصدام , مفيش بديل عن الصراع , و كل الوسائل مباحة , صدام الأفكار و صراع المفاهيم , عشان تتسع الفكرة و تكوين كتلة قوية من المثقفين القادرين على تغيير الوعي الجمعي في مصر و الشرق الأوسط!.
الخلاصة , مصطلح العلمانية مصطلح واضح مفهوم و مُتسق مع كل الأفكار العقائدية للمجتمعات الشرقية , مربط الفرس في التحول العلماني , هو الهجوم الصريح غير المقنّع على كل ما هو متشدد أياً كان , خاصة الأفكار المتحجرة , لتقليص الهوة المتسعة بين الفصيل العلماني و المجتمع المتشدد , عشان نقدر نوصل لنقطة القوة اللي يتم من خلالها فرض العلمانية و فصل الدين تماماً عن الدولة و السياسة.
هذا الفرض سواء كان بسلطة الدولة , وهو أمر غير متوقع الحدوث , أو بسلطة مجموعة قوية من المثقفين العلمانين .. هذه المجموعة اللي يجب أن يكون تركيزنا الحقيقي على تنميتها و توسعتها , حتى تسيطر على العقل الجمعي في مصر و الشرق الأوسط , معركة العلمانية محسومة بالنصر للعلمانيين عاجلاً أم آجلاً , مسألة وقت فقط , و كلما أسرعنا , كانت الخسائر على مجتمعاتنا أقل , و الفوائد أعظم .. بلا شك العقود القادمة هي عقود العلمانية و الحداثة و لن يظل التشدد و رفض التجديد أبد الدهر فالبقاء للأنفع , و عجلة التطور و العلمانية ماضية للأمام و لو ببطء!
والختام باللغة العامية البسيطة: نداء لكل مغيب:
يا حبيبي افهم .. العلمانية مش ديانة
ولا زي ما حازم شومان بيقول إن أمك تقلع الحجاب ولا هي ضد الدين
انت بس علشان تفكيرك مشوش ف مش مستوعب الفكرة
حاول ترجع مخك لمكانه الطبيعي فوق وتفهم إن العلمانية مبدأ ومنهج فكري بيقوم على فصل الدين عن سياسة الدولة
يعني ايا كان اعتقادك الديني فانت مواطن تتبع الدولة التي تنتسب لها ولك نفس الحقوق وعليك نفس الواجبات
يعني العلمانية بتساوي بينك وبين أي حد في الحقوق والواجبات من غير اي تمييز على اساس ديني ومن غير أي عنصرية..!!
فهمت؟ .. صوت نهيق
أخبار متعلقة :