إن العنف الأسري يعد ظاهرة تنتشر في جميع طبقات المجتمع بغض النظر عن المستوى الاقتصادي، أو الجنس، أو العمر، وتشمل الرجال، والنساء، والأطفال، وكبار السن، والفئة الأكثر تعرضاً للعنف الأسري هي فئة النساء، والعنف عادة ما يكون سلوكاً متعمداً، ولكنه أحياناً يُمارس من دون قصد، ويكون ناتجاً غالباً عن عدم قدرة الأفراد على التأقلم مع ذويهم، كما أن التنشئة الخاطئة والمفاهيم المغلوطة والأعراف الرجعية لأحد الوالدين أو كلاهما وضعف الوازع الديني من صور دوافع العنف الأسري، وكذلك فقدان لغة التواصل والحوار بين أفراد الأسرة، وضعف الروابط الأسرية والنزاعات المستمرة حول أساليب تربية الأطفال، كل ذلك من شأنه خلق نوع من الحواجز والضغوطات والضغينة ومشاعر الغضب في النفوس، وهو السبب وراء حدوث فجوة في كل بيت بين الأباء والأبناء والأزواج.
- ما هو العنف عامة ؟ وما هو تعريف العنف الأسري خاصة ؟!
يعرف "العُنْف" في اللغة على أنه الشدة والقسوة، و يُعرّف العنف في "علم الاجتماع" على أنّه اللجوء إلى الأذى من أجل تفكيك العلاقات الأسرية؛ كالعنف ضد الزوجة، أو الزوج، أو الأبناء، أو كبار السن، سواء كان ذلك من خلال الإهمال، أو الإيذاء البدني، أو النفسي، أو العنف الأخلاقي،
وفي تعريف آخر للعنف: هو أيّ سلوك عدواني يُمارسه فرد، أو جماعة، أو طبقة اجتماعية، كما يُعرف على أنّه سلب حرية الآخرين سواء حرية التعبير، أو حرية التفكير، أو حرية الرأي، ممّا يؤدّي إلى أضرار مادية، أو معنوية، أو نفسيّة.
- تعريف العنف الأسري عند علماء النفس: يقصد بالعنف الأسري نمط من أنماط السلوك يحدث بسبب الإحباط واليأس، بسبب الخلافات والاضطرابات النفسية اللاشعورية التي يتعرض لها الفرد وتحيل بينه وبين بلوغ أهدافه، لهذا فهو يقوم بإخراج هذه الطاقة المكبوتة في صورة سلوكيات عنيفة.
وهو ما يسمى ب "النظرية الإحباطية" : حيثُ أشار العالم دولارد إلى مجموعة قوانين سايكولوجية تُفسّر السلوك العدواني، منها أنّ كلّ تصرّف عنيف يقوم به الإنسان ناتج على ضغط داخلي لم يستطع تفريغه، ويزداد أثر العنف كلّما زاد مقدار الضغط، مثل تعرّض المعلم لإحباط من قِبل المدير بطريقة ما، فلا يملك المعلم الرد على المدير بنفس الطريقة، فيُفرّغ غضبه وتوتره بتعنيف طلابه، وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة التي تقسو على أبنائها نتيجة تعنيف زوجها لها.
من مخاطر العنف الأسري أنه يحدث خللا في نسق القيم، واهتزازًا في الشخصيّة، خصوصًا لدى الأطفال، كما أن كثيراً من ألعاب الفيديو ووسائل الإعلام تحتوي على ألفاظ، وعبارات، وسلوكيات تحث الأطفال على اكتساب السلوك العدواني؛ ما يؤدي على المدى البعيد إلى خلق أشكال مشوهة من العلاقات والسلوك. فإذا كانت الأسرة هي الارض المنبتة للثمار، فإن الطفل المعافى هو نتاج لأسرة سعيدة وسوية، وأهم عناصر الطفل السعيد أن يتلقى من أسرته إشباعًا لحاجته إلى الحب والانتماء.
- دوافع العنف الأسري
١. الدوافع الاجتماعية : تختلف اشكاله باختلاف المستويات الفكرية، والعمرية، والدينية، والاجتماعية، والثقافية، ومنها : عدم إستقرار الحياة الأسرية، والنزاعات بين أفراد الأسرة، حدوث طلاق أو فقدان أحد الوالدين، أو السماح بتدخل الآخرين في شئون الأسرة او إعتقاد الرجل بأن مقدار رجولته يتمثل في قدرته على السيطرة على عائلته بالعنف أو القوة، ولكن تقل هذه الدوافع كلما زادت نسبة الثقافة والوعي في المجتمع، فبعض المجتمعات الذكورية تبرر العنف الذي يمارسه الرجال، إضافةً إلى وجود عدة مجتمعات تعتبر العنف جزءاً من العرف والثقافة الشائعة فيها.
٢. الدوافع الاقتصادية : يدفع الوضع الاقتصادي المتدهور في حياة الأسرة الناتج عن فقدان الوظيفة، أو تراكم الديون، او وقوع حادث مفاجىء لأحد أفراد الأسرة، أو تعرّض الأسرة لخسارة مالية غير متوقعة، إلى ممارسة الفرد العنف اتجاه أفراد أسرته؛ وذلك نتيجة مشاعر الخيبة والعجز وارتفاع مستويات التوتر بسبب حالة الفقر وعجز الأسرة عن توفير احتياجات المعيشة و حدوث نزاعات بين الزوجين ناتجة عن كيفية إدارة الموارد والمرتبات.
٣. الدوافع الذاتية والنفسية : وهي الدوافع التي تنبع من داخل الإنسان وتدفعه نحو ممارسة العنف، ويُمكن تلخيصها في صعوبة التحكّم بالغضب، وتدنّي إحترام الذات، والشعور بالنقص، وإضطرابات الشخصية، وتعاطي الكحول والمخدرات، وتنقسم الي نوعين، الأول بسبب عوامل خارجية عاشها الإنسان منذ طفولته وقد تكون رافقته خلال مسيرة حياته، مثل: الإهمال أو تعرّضه لسوء المعاملة والإهانة، وعدم الدعم أو مشاهدة الإنسان في سن الطفولة للعنف العائلي فيظن ان العنف هو الحل، فيلجأ إلى العنف داخل الأسرة.
وأما الثاني: بسبب عوامل وراثية، أو نتيجة أفعال غير شرعية صدرت عن الآباء وأثّرت في سلوك الطفل.
- أنواع العنف الأسري
١. العنف الجسدي: وهو التسبب بالضرر أو إحداث إصابة جسدية لأحد أفراد الأسرة، او إهمال الآباء والأمهات لمتابعة أطفالهم، مما يلحق بهم الضرر الجسدي، كما أنه لا ينظر إلى دوافع العنف الجسدي كتبرير لفعل العنف، سواء كانت بدافع الانتقام، أو التربية، أو السيطرة على الضحية، أو الحصول على المال، وتختلف الأدوات المستخدمة لإحداث الضرر الجسدي؛ فمنها ما هو بسيط كالصفع أو الدفع، ومنها ما هو شديد كالآلات الحادة أو الأسلحة.
٢. العنف النفسي: و يُعتبر من أكثر أنواع العنف انتشاراً في المجتمع، إلّا أنّه من أصعب الأنواع في القدرة على تمييزه أو معرفة مدى أثره؛ وذلك لعدم وجود آثار مادية ظاهرة على الضحية، كما أنه يصُعب إثباته في حال لجأت الضحية لتقديم الشكوى للسلطات المعنية، فمن أشكال العنف النفسي، التعرّض لألفاظ مؤذية تسبب احتقاراً لنفس الضحية؛ كالسب، والشتم، والقذف، والضرب أو إشعار أحد أفراد الأسرة بأنه شخص غير مرغوب فيه، أو تجاهله والانتقاص من دوره وعدم الأخذ برأيه في أمورٍ تخص الأسرة، بالإضافة إلى فقدان مشاعر الحب والعطف بين أفراد الأسرة، وعدم تعاون أفراد الأسرة في إيجاد حلول مناسبة لمشاكلهم، كما أن عدم اهتمام الوالدين بتربية أبنائهم تربية إجتماعية سليمة يساهم في خلق أطفال غير اسوياء.
٣. العنف الجنسي: هو أيّ فعل أو قول يمس كرامة الإنسان ويقتحم خصوصية الجسد سواء كان عنفاً جنسياً مادياً؛ كزنا المحارم أو كان عنفاً جنسياً معنوياً؛ كالألفاظ والتعليقات الجنسية الجارحة، ومن صور العنف الجنسي أيضاً إجبار الأطفال على بعض الممارسات أو استغلالهم ويُشار إلى أن العنف الجنسي إختراق واضح للضوابط الشرعية، والأخلاقية، والقانونية التي تنظم العلاقات الأسرية، كما يصعب حماية الضحية ومحاسبة مرتكب العنف الجنسي لتحفظ غالبية المجتمعات للحديث عن هذه الأمور.
- آثار العنف الأسري
أشارت دراسات أجرتها منظمة الصحة العالمية على المستوى العالمي إلى أنّ 30% من النساء المتزوجات حول العالم يتعرّضن للعنف الجسدي أو العنف الجنسي، وأنّ 7% من النساء في سنّ 15 عام وأكثر أيضاً يتعرّضن للعنف الجنسي، لكن تتفاوت هذه النسب باختلاف المجتمع الذي ينتمون اليه.
الآثار الجسدية على المدى القصير: تتمثّل بظهور الكدمات، أو الجروح، أو كسور في العظام، أو إصابة داخلية تتطلّب أشعة وفحوصات طبية، كما يظهر أثر العنف الجنسي على المدى القصير بحدوث نزيف في المهبل وآلام في الحوض، وقد تصاب بالأمراض المنتقلة جنسياً.
الآثار الجسدية على المدى الطويل: يؤدي لمشاكل قلبية، وقرحة المعدة، والقولون والضغط العصبي، ومشاكل في جهاز المناعة، ومشاكل اضطرابات النوم، والكوابيس، والصداع، والصداع النصفي، واتباع أنماط غير صحية في تناول الطعام، وإدمان المخدرات، أو الكحول.
وعلي الجانب الآخر هناك آثار على الصحة العقلية: منها فقدان الوعي، والاستفراغ، والغثيان، وفقدان الذاكرة أو إيجاد صُعوبة بالتذكّر والتركيز، واضطراب النوم، وقد يُصاحب ذلك اضطرابات نفسية؛ كالإصابة بالقلق والاكتئاب، واكتساب أفكار سلبيّة، وقد تصاب باضطرابات ما بعد الصدمة التي ينتج عنها شعور بالتوتر يضطر الضحيّة إلى طلب مساعدة أخصائي صحة عقليّة.
- آثار العنف على المجتمع
يعد العنف الأسري سبباً في إحداث آثار اجتماعية وأسرية وخيمة ومنها: " التفكك الأسري، الطلاق، العداوة الاجتماعية، جنوح الأحداث، واضطراب أمن المجتمع" فانتشار العنف في المجتمع يؤّدي إلى اضطرابه واختلال استقراره وكثرة جرائمه.
تقول الكاتبة التونسية (ألفة يوسف) :
"أكبر ألغام مزروعة في أعماق البلاد هي ألغام الجهل والعنف والكراهية، وها نحن نعاني نتائج انفجارها".
_____________
* كاتبة المقال : بسنت شعراوي .. كاتبة وصحفية ومقدمة برامج لدى قنوات صحف إلكترونية وحاصلة على دراسات عليا في الإرشاد وعلم النفس الإكلينيكي .
أخبار متعلقة :