يظل هذا التساؤل هو الأكثر إلحاحًا على قارئ الفلسفة ودارسها، وذلك بسبب كثرة المؤلفات التي تحاكي وترصد بعض هذه التعريفات. مما يصيب القارئ أو الدارس المتمرس ببعض التخبط بسبب هذه الفروق المتباينة في التعريف على خلاف محتوى هذه المؤلفات. إلا أننا خصصنا هذه الكبسولة لتكون خير دواء للشفاء من هذا التخبط، أملًا منا لمحو هذا الخلط الفكري، وذلك للوقوف على فهم صحيح وجامع مانع للفلسفة.
عزيزي القارئ إذا شئنا تلخيصًا لبعض التعريفات المتباينة للفلسفة، كان في وسعنا ان نصف الفلسفة بأنها النشاط الذي يسعي فيه الناس إلى فهم طبيعة الكون، وطبيعة أنفسهم، والعلاقة بين هذين العنصريين الأساسيين في تجربتنا. وهكذا تكون الفلسفة بحثًا منظمًا عن المعرفة، نقوم به عن طريق التفكير المنظم في كشوف العالم، ونتائج المؤرخ، ورؤيا الفنان والشاعر والمتصوف، مع الجمع بين هذه كلها وبين تجربتنا اليومية الشخصية. وتقتضي هذه الأفكار المنظمة من جانبها تحليلاً دقيقاً لقدرة الذهن على اكتساب المعرفة، بحيث إن جزءًا أساسيًا من النشاط الفلسفي يتألف من دراسة مصادر المعرفة البشرية ومناهجها وحدودها. ولما كانت المعرفة يتم توصيلها إلى الغير وتُسجل عادةً، فإن هذا بدوره قد يؤدي إلى تحليل لوسائل الإنسان في الاتصال بغيره، ولا سيما اللغة.
وأريد أن اختتم هذا الجزء بأحد التعريفات الهامة للفلسفة، والذي قدمه الفيلسوف الإنجليزي المعاصر برتراند رسل Bertrand Russell، فيقول:
"أحب أن أفهم الفلسفة على أنها وسط بين اللاهوت(الدين) والعلم، فهي تشبه اللاهوت في كونها مؤلفة من تأملات في موضوعات لم نبلغ فيها بعد علم اليقين، لكنها كذلك تشبه العلم في انها تخاطب العقل البشري أكثر مما تستند إلى الإرغام، سواء كان ذلك الإرغام صادراً عن قوة التقاليد أو قوة الوحي؛ والعلم فيما أري – هو الذي يختص بالعلم اليقين، أما اللاهوت فاعتماده على صلابة الإيمان، ومجاله هو الجوانب التي تجاوز حدود المعرفة اليقينية".
.
أخبار متعلقة :