بوابة صوت بلادى بأمريكا

حينما تتلاشى المسافات ولا تلتقى أبدا .. قراءة بقلم محمد البنا لنص "بين الماضي والرحيل" للأديبة الجزائرية / فايزة عبد السعيد

 
النص:
 
أنا وطيفك،
 وأضغاث ذكريات،
 هي سلوى سويعاتي..
الشوق يكتب حكاياه..
كأوراق الخريف
 يذروها الغياب الخالي
  إلا من قهقهات يبعثها  
الصدى خلسة
 عن عيون الوحدة!! 
الآه بات حبري الذي
 يداعب دموع العتب! 
أينما وليت أفكاري،
 أخذتني قسرًا إليك..
أتُراها تعلم أنك
 موطني، وملاذي؟!
أن عمري بعدك
 مجرد ترديدٍ
 لصفحات الملل؟!
 
نسيت كيف تعود؟! 
لكنني دائمة 
الذهاب إليك! 
أنا صورة مندسة
 بمقلتيك! أتَراني
وأنا ألتفُ حول 
خصر خيالاتكَ؟! 
ما أنا إلا تائهة
 ببيدائك! 
أتسمع نداءاتي؟
أيرتد إليك الصدى
من بئر روحك؟!
وهمس ابتسامتي
 المختنقة بين
 الماضي والرحيل؟!
فايزة عبد السعيد /الجزائر ٢٦ مارس ٢٠٢٢
القراءة
..........
عندما يتفوق المبدع على نفسه، يرسم بقلم شاعر، ويكتب بريشة رسام، ليطرح لنا لوحة مشهدية وجدانية، تتآلف فيها الألوان مع الحروف ليمتزجا مع فيض مشاعر ينساب/ يتسلل/  يتدفق في خلايانا المستقبلة لهذا الدفق دموعًا ألمًا ووجعا..فلا ندري من منا الموجوع..نحن أم هى؟..ومن هى ؟..هى الشاعرة المبدعة الصادقة العفوية النازفة شجنا..هى فايزة عبد السعيد ..
ما عساي أقول وقد قالت:
نسيت كيف تعود؟
لكنني..
دائمة الذهاب إليك
ثم تصف ماهية الذهاب قائلة:
أنا صورة مندسة بمقلتيك
أتراني وأنا ألتف حول خصر خيالاتك؟
وتواصل جلد ذاتها مستعطفة:
ما أنا إلا تائهة ببيدائك..أتسمع نداءاتي ؟
وي كأنها تنزف اشتياقا بلا توقف تائهة في متاهة، حيث لا يصل الرجاء فيتولى الصدى المهمة:
أيرتد إليك الصدى 
من بئر روحك؟
يالله ..أذاك وجع ما بعده وجع؟!، أم ذاك عشق مستحيل؟ حيث انصهار المريد بكل جوارحه ومشاعره متلاشيًا.. في مرادٍ..لا يهبأ..لا يسمع ..لا يرى ..ولا يحس( بئر روح )
كم هى قاسية تلك المسافات حين تنعدم صفريًا، ثم ..لا شيء!!..سوى نزيف لكل شيء، أسئلة بلا اجابات، كموج بحر لا شواطئ له
أتراها/ اتراني/ أيرتد/ أتسمع؟
وحق الله أني لأتساءل..لم هذا التبتل والتوسل والرجاء والتمني والاستعطاف؟..وأهدأ عندما أتعثر في الإجابة..تلك امرأة عاشقة!
قصيدة نثر رائعة باكية مستعطفة حالمة بالمستحيل(نسيت كيف تعود / تائهة في بيداء)، غارقة حتى النخاع في بئر لا قرار له ( بئر روح / الصدى / الماضي والرحيل)، ثملة بخمر التوهم والوهم ( الشوق وحكاياه/ صورة مندسة/ ألتف حول خصر خيالاتك).. تتخيل ما لم يعد له وجود ( غياب / رحيل) فتستعطفه متوسلة ( أتراني..أتسمع نداءاتي..أيرتد إليك الصدى) فتعيش الواقع بمرارته فلا فرار منه إلا إليه ( أتراها تعلم أنك موطني وملاذي؟ / أينما وليت أفكاري..أخذتني قسرا إليك/ أن عمري بعدك مجرد ترديد لصفحات الملل)، سابحة في بحر دموعها، فلا تجد من تعاتبه الا دموع حرى، يتسامران العتاب ويتقاسمانه تأوها ( الآه بات حبري الذي يداعب دموع العتب)... عندما تتحول الذكريات إلى كوابيس( أضغاث)، والحياة إلى ستاتيكية الجمود فيتوقف الزمن ويضيق المكان( ترديد لصفحات الملل )، وتضحى القهقهات سكاكين تمزق كل ما تصل إليه أنصالها، ويعاود الذبحَ  الصدى ( قهقهات يبعثها الصدى خلسة)
قصيدة نثر حفلت بالصور البلاغية بالغة التأثير الوجداني، صور حية ناطقة صارخة في عمق روح ورحى قلب أضناه ونال منه الغياب والرحيل، حيث بات اللقاء مستحيل، صور لا تمتع المخيلة وفقط، بل تخترق القلوب سهامًا دامية ومدمية، وكلمات دقيقة الدلالة بتوفيق وتوظيف مذهل، كلمات أوفت في تشكيل فسيفساء متناسقة الألوان كحقل دلالي للبنية الشاعرية بتدفقها الوجداني السلس ( الغياب/ الرحيل / أضغاث/ تائهة / الملل/ بعدك / الوحدة / بئر/ روح / همس / دموع/ الآه،....).
أحسنت أيتها المبدعة ...تحياتي

أخبار متعلقة :