فى إحدى المرات وأنا في طريق عودتي من دمياط للبيت، فى فترة بدايات عملي بها أثناء الإجازة الدراسية ،فى نهاية سبعينات القرن الماضي كان عمرى حينها 12 عاما .. وقفت اشاور لتاكسي كوسيلة مواصلات بديلا عن الأتوبيس، أو عوضاً ركوب قدمي في حالة الفلس، فالمسافة ليست طويلة ،ولم لا فأنا حصلت منذ عدة ساعات قليلة على؛ بريزة (عشرة قروش ) بقشيش من أحد التجار قلت: أخربها وأعيش أركب تاكسي بثلاثة قروش أما السبعة قروش :فلم استقر بعد على وضع خطة مناسبة لكيفية التصرف في المبلغ المتبقي...و بعد تفكير عميق، وألف وطريقة أصبحت أكثر حيرة ،فلم أستقر بعد على خطة مقنعة، من التي وضعتها ذهنياً بيني وبين ونفسي الأمارة بالسوء، منذ حصولي على البريزة، وبعد تفكير عميق متواصل و طويل لوضع تصور نهائى للعملية.
فقد عذرت حينها أصحاب الأموال لحيرتهم كيف ينفقونها، والتصرف الصحيح بشأنها فهناك متاحات كثيرة أمامهم . والآن بعد أن أصبحت أحد الأثرياء أنا الآخر ،فأنا أقبض على البريزة الشلنين الورق بقبضة يدى ,حتى أبتلا من العرق ويدي بداخل جيبي مخافة أن يتتبعني اللصوص . كنت واقعا تحت فكرة أنني ثري بعد أن اعتقدت أن كل من كان يقابلني أو يوجه نظره ناحيتي في الطريق حرامي، وعارف إن معايا بريزة, وينوي ويخطط لسرقتها منى .
دعك من كل هذه الوساوس و التوقعات السيئة بالنسبة لمصير البريزة.
ليس هذا موضوعنا .عندما رآني صبى فى مثل عمرى وحجمي أيضا من عزبة البرج وكان يستعد للركوب ، فالتاكسي الذى هو وسيلة مواصلات عزبة البرج ، يمر من أمام بيتنا ذهابا وعودة ، فوجه الصبي حديثه الذي نهى نفسه عنه أكثر من مرة ولكنه لم يعد يستطيع قائلا سائلا:
- هل ستركب تاكسي؟ فأجبته على الفور متقمصا شخصية ثري من الأثرياء وبثقة أغا خان هندي:
-نعم..
فقال مستخفا بي بعد أن ارتسم على وجهه تعبير أنني عديم الخبرة بالحياة ثم قال:
-وتدفع ليه أجرة ثلاثة صاغ أركب معي فى الشنطة بقرش ووفر قرشين أنت أحق بهم.. فسألته بعد أن أدرت الفكرة في رأسي وعدت لعقلي بعض الشيء في ترشيد المصروفات؟ وسألته:
-أصلك ركبتها ؟
قال على الفور:
-كل يوم..
ووجدتها فكرة جيدة بعد أن تقمصت شخصية المتواضع ولعنت سلوك المبذرين ،و الذين هم إخوان الشياطين. و بعد أن أصبحنا بداخل الشنطة ... أخبرت وأوصيت السائق قبلها: بالمكان الذى أنزل فيه أمام البيت ،وأكدت عليه أكثر من مرة أن لا ينسى أننى بالشنطة... ولكن حيرتي زادت عن ذي قبل، بعد أن تضخم المبلغ مرة من سبعة لتسعة صاغ.... بعد أعطاني السائق أربعة صاغ أخرى باقي أحد الشلنين الورق المبتلين عرقا، بعد تناوله الأجرة مقدما خوفاً من قفزنا من شنطة التاكسي أثناء الوقوف لأي سبب.. في الطريق كما يفعل أكثر الصبية هذا ما أخبرني به صبي عزبة البرج والذي يبدو من خلال حديثه معي أنه فعلها كثيرا، وبدا أيضاً أكثر مني خبرة بالحياة و أعمق تجربة .
نعود للمبلغ أصبح معي أربعة صاغ و شلن مجمد فى جيبي مبتل ، ثم أخذت بتوزيع القروش من جديد على سندوتش فول وطعمية و اللب الأسمر والسوري، والحمص، وشاي على القهوة أثناء :مشاهدتي مسلسل الثامنة والربع, ثم لا تعجبني هذه الخطة القديمة المعتادة التي لا تحمل بداخلها أي روح للمغامرة، فأقوم بتغيرها....وأضع خطة أخرى أكثر جرأة بها بعض الوسوسة بالتبذير فما زلت واقع تحت تأثير تلك الفكرة وفحوى الخطة الجديدة،و هي أن: اشترى جبنة رومي وبسطرمة وعيش فينو(أبيض ) وزيتون أسود وزجاجة كوكاكولا.
وأنا غارق فى تغيير الخطط، ووضع بدائل لها ؛ أكثر من مرة وبطرق مختلفة مبتكرة ،حتى فكرت أيضاً أن : يكون عشاء مجمعا ادعو إليه اصدقائى، و اخلص بقى من أم الباريزة مرة واحدة، التي حولتني لثري عاجز عن اتخاذ القرارات، مشتت الأفكار، كان السائق نسيني تماما ومر من أمام البيت ،ولم يتوقف وأصبح بعيدا ؛وأقترب من بلد آخر ، وأنا أصرخ ولا حياة لمن تنادى والتاكسي منطلق بنفس السرعة وهو لا يسمع صراخنا نحن ركاب الشنطة للتاكسي الدودج الأمريكي ، لا يتوقف ابتعد أكثر ولكنه ؛ هدى السرعة بعض الشيء ؛ بسبب حفرة عميقة, فى الأسفلت فخلعت الشبشب البلاستيك من قدمي ولبست ؛ كل فردة منه فى؛ كفة من يدى وقفزت من الشنطة مقابل الأسفلت بكفى زاحفا على الأرض عدة أمتار ،قام الشبشب البلاستيك ؛بعملية عزل بين يدى, والأسفلت ,حتى لا تحدث إصابة ؛ وفعلا نجحت عملية القفز والهبوط من الشنطة بسلام... بعد أن أدى الشبشب مهمته التي تمثلت في العزل.... صحيح كان هناك بعض التسلخات فى الركبة ولكنى نجوت وما زلت حيا..
أخبار متعلقة :