زواج
كان قد وصل إلى عمر ينبغي فيه أن يتزوج، فقد جاوز الخامسة والثلاثين من عمره، فلجأ إلى الزواج التقليدي أو ما يسمي بزواج الصالونات.. ذهب إلى فتاة ليراها في منزلها , رشحتها إحدى قريباته له , كانت على قدر من الجمال فأتمم زواجه بها , حاول مرارا أن يعطيها قلبه ولكنه فشل في ذلك , بينما كانت هي مثالا حيا على التضحية والمحبة لزوجها ..كان يعاملها بقسوة شديدة حتي أنه كان يضربها في بعض الأحيان , ولكنها كانت تقابله في كل مرة يتطاول فيها بوجه بشوش راض مع ابتسامة ونظرة حب , كان الجميع يلومها على تحمله وحبها له, ويطالبونها بمغادرة منزلها , ولكنها كانت تحارب مشاعر الكراهية داخلها , فلم تفلح محاولاتهم المستمرة في دفعها إلى ترك حياتها معه بدافع أن لها حقوقا ولابد أن تدافع عنها , وهكذا مضت بهم السنون حتي أصيب بمرض أقعده الفراش لشهور , فكانت تخدمه بكل طاقتها وتمنحه حبا واهتماما كبيرا , فأحس بمدي جرمه في حقها , وبدأ يحس أنها الوحيدة في حياته التي تمثل لها الحب والدفء والأسرة التي تحتضنه , فتغير قلبه تماما , وبدأ قلبه ينبض أخيرا بحبها ..لقد استطاعت بمحبتها له أن تكسب قلبه وتحتفظ ببيتها مستقرا لوقت طويل حتي رحلت فجاءة عن هذه الدنيا, فأصابه الحزن وغزت ملامحه الكآبة وأنكفأ في منزله منعزلا عن العالم يسترجع ذكرياته معها .. يحتضن ملابسها.. يشم رائحتها في كل شيء لمسته يداها.. راح يقلب في هاتفها الجوال.. يري صورهم معا فتنهمر دموعه الغزيرة.. بدأ يقرأ رسائلها مع الأصدقاء فتوقف عند رقم غريب.. تجمد عندما رأي المحادثة بينهما.. أنها كلمات حب وغزل مع شخص ما.. تصف فيها مشاعر الشوق واللهفة، ولحظات المتعة الحرام.. كيف استطاعت خيانته طوال تلك السنين؟ هل كان كل ذلك وهما؟ الغريب أنه لم يغضب لأنه أدرك أنه كان وهما لذيذا.
تضحية
هي تعتبر الأخت الكبري لأربع من الأخوات.. متزوجة ولديها أطفال صغار, وتعيش مع زوجها في بيت الزوجية الصغير نظرا لضيق الحال ..مات والديها فآلت على نفسها أن لا تترك أخواتها لتصاريف القدر .. فكانت تذهب إلى العمل صباحا ثم تعود لتعتني ببيتها وزوجها ظهرا وتذهب مساءا لتعتني بأخواتها مساء، ثم أخيرا تعود إلى منزلها لتتابع رعاية أطفالها وزوجها، وكانت قد اتفقت مع زوجها أن تتابع رعاية أخواتها حتى يتخرجن من الجامعة ويتزوجن، ولن تترك إحداهن تعمل أو تترك دراستها من أجل لقمة العيش، فأعالتهن حتى تزوجن جميعا.. لقد قضت سنين طويلة وشاقة في توفير احتياجاتهن.. لم تفكر يوما أنها أولى بكل قرش تدفعه لهن بل بذلت كل ما في وسعها من أجل إسعادهن.. لكن الأهم في كل ذلك أنها لم تحس يوما انها تفعل شيئا مميزا ونبيلا، بل كانت تدرك أن ذلك من واجبها، ورسالة على عاتقها، ولابد لها من أداءها، كما لم يحس أخواتها يوما منها بأنها تتفضل بذلك عليهن بل كن يجدن منها كل الحب والتقدير ولكنها مرضت كما يمرض جميع الناس فألتف حولها أخواتها في اليوم الأول وكلا منهن يعطيها وعودا بأنها لن تكون أبدا لوحدها.. انتظرت في اليوم الثاني ولكن لم يزورها أحد، وترقبت أن يعتذرن عبر الهاتف، ولكن الهاتف ظل صامت وهكذا قضت فترة مرضها لوحدها بين أحضان زوجها وأبناءها، وعندما شفيت لم تستطع أن تمنع نفسها من السؤال على كل واحدة من أخواتها بل راحت تساعد كل واحدة منهن في شئون حياتها اليومية.
دموع الرحيل
أنا يا سيدي عشت لأكون بلا سند في هذه الدنيا، فقد مات والدي وتركنا أنا وأختي ووالدتي بلا مصدر للرزق، أو تركة نعتمد عليها إلا من المنزل الذى كنا نعيش فيه، وقد كنت وقتها في الثالثة من عمري، وكانت أختي رضيعة، فكافحت أمي من أجل تربيتنا.. راحت تعمل كعاملة في أحد المصانع القريبة منا, ولكن ذلك يا سيدي لم يكن سهلا أبدا, فأنت تعلم أن أي سيدة وحيدة أرملة او مطلقة يعتبرها البعض فريسة يجب اقتناصها بلا أي وازع من ضمير أو أخلاق ..قاومت أمي كل الإغراءات التي تعرضت لها وصدت كل الافتراءات التي حاولت أن تنال منها, والتي حاول البعض من حين لآخر أن يلصقها بها, وكبرنا فكانت أختي تملك حظا وافرا من الجمال أكثر مني, لذلك تقدم لها الخطاب حتي وفقها الله في رجل صالح تزوجها, ورحلت عنا إلى منزل الزوجية السعيد مع رجلها ...تركتنا أنا وأمي معا ولم أحس يوما بالغضب لزواج أختي الصغيرة قبلي بل كان ذلك مدعاة لفخري أن تتمكن أمي لوحدها بدون مساعدة من أحد في زواج أبنتها. مرت السنون حتي تعرفت على إنسان فاضل.. تقدم هو الآخر لخطبتي، فاشترطت عليه أمي أن يعيش معنا حتى نؤنس وحدتها.. وافق الرجل لنبله، ومعرفته بارتباط والدتي بي, وتزوجنا وعشنا سنينا أحسست فيها أن الدنيا قد ابتسمت لنا أخيرا, فهناك رجلا صالح يمسك بأمور حياتنا ويدبر احتياجاتنا بكل حب وود, ولقد رزقنا الله بطفلتين هما قرة عين والدهما ومسرة لأمي في شيخوختها, حتي جاء ذلك اليوم الذى غادر فيه زوجي المنزل إلى العمل ولم يعد.. لقد رحل وهو في الطريق بأزمة قلبية وبلا مقدمات، ولم تحتمل أمي وقع تلك الصدمة، فأصيبت بأمراض شتي بعدها حتى رحلت هي الأخرى، وتركتني وحيدة مع طفلتين أكرر نفس مأساتها، فها انا وحيدة بلا رجل ولا أب أو اخ أو أبن أواجه مجتمعا ذكوريا، وأكافح مثلما كافحت أمي لأربى طفلتاي.. أحسست كأنها لعنة تنتقل في العائلة ...ابيت الليالي أفكر في المعاناة التي خاضتها والدتي وهل سوف أمر أنا بها أيضا...هل سوف تشرب احدي بناتي من نفس الكأس المر الذى شربت منه أنا وأمي أم ان الحياة يمكنها أن تبتسم مرة أخري وتعوضنا عن من رحلوا.
أخبار متعلقة :