بوابة صوت بلادى بأمريكا

رمضان بين الشعائر الدينية والعادات الاجتماعية بقلم: د. سهام عبد الباقى


يعد الصوم احد الشعائر الدينية الروحية التي مارستها البشرية  وفرضت عليها منذ القِدم وقد ورد في القرآن الكريم ان الصوم كتب على الأمم السابقة بمعنى فرضيته لا صفته ولا كيفيته ومٌدته ، حيث اختلفت فى الشرائع السماوية الثلاث.  كما وٌجد الصوم لدى البراهمة والبوذيين في الهند والتبت وغيرها من الديانات لان فلسفتها كانت تقوم على التمييز بين الروح والجسد فكان الصوم ضروريا للإرتقاء بالروح وإبعادها عن شهوات الجسد المعروفة من طعام، وشراب، ومتعة جسدية.....الخ. وقد صام المصريون القدماء في كثير من المناسبات والاعياد، وانقسم الصوم لديهم الى صيام العامة وصيام الكهنة وكان لصيامهم مواقيت تبدأ قبل شروق الشمس وتنتهى بالغروب. كما عرف العرب في العصر الجاهلى شهر رمضان وتعددت المٌسميات التي أطلقوها علية ، فأطلقوا علية اسم "تاتل" وتعنى الشخص الذى يغترف الماء من البئر، وسٌمَّى " زاهر"، لأن هلاله كان يبزغ بالتزامن مع موسم ازهار الزرع في البادية وسٌمَّى، " ناتق"  بالإشتقاق من " نتق"  لأنه كان ينتقهم أي يزعجهم بشدة حره، وقيل أيضًا لكثرة الأموال التي كانت تجبيها العرب فيه. وظهر إسم " رمضان " فى المرحلة الثانية من العصر الجاهلى وهو مشتق من " الرمضاء" أى شدة الحر، وقيل سمي بذلك لأنه يحرق الذنوب حرقا وينجى صاحبه من النار. بينما رأى فريقًا آخر أنه لا ارتباط بين رمضان واشتداد الحرارة؛ لأنه يتعاقب مجيئه فى فصول العام لأنه من الشهور القمرية لا الشمسية، وعلى هذا يكون المقصود بالرمضاء الحر بمعنى  الظمأ لا حر الصيف. وربما كان ذلك التفسير هو الأقرب للصواب. كما قدس عرب الجاهلية شهر رمضان وعظموه فحرموا فيه القتال . وكان عبد المطلب جد النبى محمد صلى الله علية وسلم ، يعظمه فكان يتحنث فى غار حراء  وينقطع للتعبد لأنه كان حنيفيا.
.وأرقى مراتب الصيام ، صيام الجوارح الذى يرقى عن صيام الجسد الذى يمتنع عن احتياجاته المادية لفترة من الوقت ثم يشبعها مع الإفطار ، لأنه يزكى الروح والجسد معا .ولكى يرتقى الصائم لتلك المرتبة  ينبغي علية احياء بعض الشعائر الدينية كصلاة التراويح وتلاوة القرآن  بتدبر من اجل شحذ الطاقة الروحية وتحقيق فضيلة الصوم ايمانا واحتسابًا والتي هي غاية الصوم الأساسية لذا يمكننا القول ان رمضان شهر تتجلى فيه الشعائر الدينية لا شهر الطقوس الدينية فلفظة الطقوس اكثر التصاقا بالديانات الوضعية لانها تشير إلى رموز لاتحمل فقط دلالات دينية وانما ترتبط بالعادات والتقاليد وتعكس موروث معين .وهو أيضا شهر احياء العادات والتقاليد الاجتماعية  التي تتجسد في الشهر الكريم بكافة المجتمعات الإسلامية  وتقوم باحياء الاكلات والصناعات التقليدية وهذا يعكس جانب ثقافى هام فالطعام ومكوناته يختلف باختلاف الأقطار والثقافات ويشيع أجواء احتفالية تحقق السعادة وتشبع حاجات اجتماعية هامة  مما يقوى  الصلات الاجتماعية، والروابط القرابية ويعزز الهوية الثقافية لكافة المجتمعات. أيضا أصبح شهر رمضان شهر استنساخ لعادات تاريخية قديمة ضاربة في القدم فالفانوس والمسحراتى وان كانا يمثلان في الوقت الحاضر احد المظاهر الاحتفالية الرمضانية والعادات الاجتماعية لهم حضور تاريخى منذ العصر الاسلامى المبكر حيث كان السحور من سنن الصوم فكان بلال بن رباح اول مؤذن هو المنوط به ايقاظ الناس في وقت السحر ليتناولوا  وجبة السحو ومعه عبد الله بن ام مكتوم ،فكانوا يمرون في الطرقات لايقاظ المسلمين بعد ذلك تحولت الفكرة عبر العصور الإسلامية الى  فكرة ثقافية خلفت شخصية المسحراتى  التي اختلفت من مجتمع لاخر فتنوعت مسمياته من نفار وطبال ومطبلاتى وأبو الطبيل، وتنوعت الالات التي يستخدمها لايقاظ النيام ما بين طبلة ، ونفار ، وبوق ، وعصى خشبية يتم الطرق بها على الأبواب، وتنوع الزى التقليدي الخاص به والأدعية التي يرددها والادب الشعبى الذى يروية من مجتمع لآخر . اما الفانوس فقد تحول من وسيلة انارة عادية يستخدمها الناس في السير ليلا الى رمز ثقافى لصيق الصلة بشهر رمضان ورغم تعدد الروايات حول نشاة الفانوس ما بين الرواية التي تؤكد ان المصريين استقبلوا المعتصم بامر الله وهو عائد من اسفاره في شهر رمضان بالفانوس فراقة الامر فجعلة تقليد. ورواية ثانية تؤكد ان بدايته كانت مع خروج النساء في شهر رمضان للصلاة فكان يتقدم موكبهم صبى يحمل فانوس، فاصبح تقليد لان النساء لم يكن مسموح لهن في عهد الحاكم بامر الله بالخروج الا في شهر رمضان. وغير ذلك من الرويات التي اتفقت  على ان استخدام الفانوس في رمضان تعدى صورته الوظيفية الى صورة رمزية وثقافية خالصة، تلك الثقافة التي جعلت  المسلم والمسيحى يحرصون على اقتناء الفانوس ليكون حاضرا بقوة في المظاهر الاحتفالية  التي يحياها المسلم والمسيحى في أجواء مليئة بالتسامح واللحمة الاجتماعية، يتشاركون فيها الأكلات الرمضانية. والمحبة وفرحة الأعياد، ويشاركون المسلمون عاداتهم وشاركون في ايقاظهم للسحور بظهور المسحراتى المسيحى في مشهد يؤكد عمق وتجذر الثقافة الشعبية وخلوها من التعصب. لذا سيظل رمضان شهر العبادات والعادات ، والشعائر الدينية والتقاليد الاجتماعية. والرحمة والتسامح. والمحبة. ننتظرة بشوق المحب ونودعه بدموع الفراق. على أمل بلقاء جديد . 
وختاما رمضانكم كريم.

 

أخبار متعلقة :