يَوم المرأة العالَمي...
ليس هذا اليومُ سوى تَعويضٍ متأخِّرٍ جدًا، تَعويضٍ شَحيحٍ عَقيمٍ لآلافِ بل ملايين القصصِ المأساويةِ و الموجِعة، قصصٌ كان بطَلُها نفس الرَجُلِ الذي يحتَفي بيومِ المرأةِ العالَمي. ترى ما الذي أوصلً العالمَ إلى هذه الازدِواجية؟! فالبعضُ يَدَّعونَ الإيمانَ بالحضارةِ الجديدةِ القائمةِ على تكريمِ دور المرأة، ينخَرِطون دون وَعيٍ في كورالِ الببغاوات المُرَدِّدةِ لشِعاراتِ النسَوية،
يحفَظونَ قصائدَ تَمجيدِ المرأةِ عن ظَهرِ عَقل، ثم يعودونَ إلى دَوّامةِ التَعنيفِ مع نسائهم و بَناتهم.
هل تمَّ توحيدِ الطبيعةِ مع النِفاق؟ هل تمَّ نَفيُ الفِطرةِ إلى خارجِ كوكبِ الكرةِ الأرضية؟ لم نتأكَّد من ذلك بعد، لكن نستطيعُ إخباركم بشيءٍ واحد.
لسنا بحاجةٍ إلى يومٍ من الصخَب، لسنا بحاجةٍ إلى كل تلك التَهاني في هذا اليومِ الوحيد، لسنا بحاجةٍ لأن يحتَفلَ العالمُ بوجودِنا لمجرَّدِ أننا زوجاتٌ راضِخاتٌ و بناتٌ مُطيعاتٌ إلى حَدِّ العُبودية. و هنا يبدُرُ إلى ذِهني سؤالٌ واحد: لماذا نُسَلِّطُ الضوءَ الخافِتَ على دَورِ الزوجةِ و الأمِّ و الابنةِ أكثرَ من أي شيء؟ و هناكَ سؤالٌ آخرُ يتمَخَّضُ عن هذا السؤال: هل المرأةُ مجرَّدُ مجموعةٍ من الأدوارِ المُتَباينة؟ ألَم يَحِن الوقتُ لنحتَفيَ بالمرأةِ على أنها ذاتٌ مُجرَّدةٌ من أي دَور؟ بمعنىً آخر، أليسَت فكرةُ وجودِها و كَينونتها نعمةً بحَدِّ ذاتها؟ دون أن يَخدِمَ هذا الوجودً مصلحةً أو يَتِمَّ حَلبهُ أو عَصرهُ لاستِخلاصِ مُتعةٍ أو شهوةٍ أو حتى نَفعٍ لكم؟
صَدِّقوني، هذا المقالُ ليس أبدًا حركةَ هُجومٍ على الرِجال، فالرَجُلِ هو مَن يُكمِلُ المرأة، و رُجولةُ الرجلِ تُتَمِّمُ أنوثة المرأة، و العكسُ صحيح. لكنني أرى أن النساءَ لسنَ بحاجةٍ إلى هذه الشَكلياتِ و الاحتفالاتِ السَطحيةِ في يومهِن، هُنَّ بحاجةٍ إلى الشعورِ بالأمان في هذا العالم. إننا بحاجةٍ إلى وَعيٍ جديدٍ و إجراءات مُتَرَتِّبةٍ عن هذا الوَعي، فالوَعي دون تَطبيقٍ لن يُغيِّرَ شيئًا، و سيستَمِرُّ تاريخُ القَهرِ بإعادةِ نفسه إذا ام يَقِف العالمُ وقفةَ احتجاجٍ جَماعيةٍ ضدِّ المرضى النَفسيين.
لسنا بحاجةٍ إلى الاحتفالِ بيومِ المرأة، نحن بحاجةٍ إلى إيقافِ ألوانِ التَعذيبِ التي تتعرَّضُ له المرأةُ في باقي أيام السَنة. نحنُ بحاجةٍ إلى الُحفاظِ على حياةِ حَواء و ليس قَتلها بسِكّين الشرف، فمن قالَ أن الشرفَ يُغسَلُ بالدَم؟! نحن بحاجةٍ إلى تَسييجِ أجسادِنا بالوَعي المُجتمَعي، بأسلاكٍ أخلاقيةٍ مع لافتةٍ خَفيةٍ تقول: يُمنَعُ الاقتراب. نحن بحاجةٍ إلى إزالةِ قوانينِ الجمالِ و مَعاييرِ الأنوثة، ذلك أن الجمالَ مواطِنٌ حُرُّ منذ بدايةِ الخَليقة، مُطلَقٌ شامِلٌ دون هَوية، و لا يعتَرِفُ بالقوانين.
أما الأنوثةُ فهي كَينونةٌ و لا علاقةَ لها بالملابس الحَريريةِ القَصيرةِ أو الرُموشِ و الأظافر الطَويلة. أظنُّ أن هناكَ وحدةُ قياسٍ للأنوثة غير الأطوال.
حان الوقتُ لإزالةِ المُلصَقاتِ التي وضعَها المُجتمعُ على ظٌهورنا: عانِس، مُطلَّقة،
أرمَلة وَحدانية، غير عامِلة، ست بيت، عامِلة مُستَقِلّة نسَوية... الخ. لا داعي لكل تلك القَوالِب، فكل ما نريدهُ هو أن نعيشَ دونَ تَصنيف، دون لقَبٍ أو تَعريفٍ مُسبَقٍ يُلاحِقُنا كالظِلِّ الدائِم.
لنَعش معًا في سَلام، عندها سيكونُ كل يومٍ هو يومُ المرأةِ و الرَجُل.
أخبار متعلقة :