أكثر من حادثة شاهدناها عبر البث المباشر الحى على اليوتيوب ، فى الأيام الأخيرة ، شابات وشباب فى القرى والمدن المصرية ، يتناولون حبة الغلال السامة ، يتركون رسالة أخيرة ، للعالم ، ثم يلفظون أنفاسهم الأخيرة .
مشاكل أسرية وعائلية ، متنوعة ، متشابكة الأبعاد ، ألقت بأثقالها على أنفاس أصحابها ، حتى هانت عليهم الحياة ، بكل ما فيها ، بكل منْ عليها .
شابات وشباب يعلمون جيدا أن دينهم يجعل المنتحر كافرا ، لكنهم لا يبالون .
فسلطة الضغوط والاحباط أكبر من سلطة الايمان والأديان .
هل ستصبح هذه الحوادث ظاهرة متكررة ؟؟.
ان الشاب الذى ذبح فتاة المنصورة ، كان مثالا احتذى به شباب فى مصر وفى بعض البلاد العربية ، وكثرت جرائم تهديد الفتيات من ذكور مرضى قتلة يعيشون فى مجتمع دينى سلفى ذكورى ، يدين المرأة حتى وهى جثة . ذكور ربتهم أمهات مقهورات ، وآباء يضربون الزوجات ، يعيشون على قفا الأمهات ، متحرشون تائهين بشرب المخدرات ، متزوجين بأكثر من واحدة . والنتيجة الطبيعية أبناء وضعوا كل اختلالتهم على " الحائط المائل " ... المرأة .
وأخشى أن تكون حوادث الانتحار عبر البث المباشر الحى على اليوتيوب ، سلسلة تنقل العدوى الى آخرين ، مثلما انتقلت عدوى ذبح الفتيات من قاتل طالبة المنصورة .
وسيظل هناك اناس يقولون أن الأمر لا يستحق الاهتمام أو التخوف . فهى عدة جرائم فردية من شابات وشباب ، لا تعدو أن تكون فقاعات فى الهواء ، أو زوبعة فى فنجان .
وهذه هو المعتاد فى بلادنا . هل ننتظر حتى تصبح ظاهرة ؟؟. كما أن فى مثل هذه الحوادث أو الجرائم بشكل عام ، فان العدد ليس هو المعيار ، لأن الأمر يتعلق بروح انسان أزهقت . والمفروض أن قتل مواطنة واحدة أو قتل مواطن واحد ، كاف جدا لأن نكون فى مشكلة هائلة يجب معرفة جذورها ، وليس فقط انزال العقاب على قاتل الغير ، أو المنتحر الذى قتل نفسه بيده .
ان حادثة واحدة ، أو جريمة واحدة ، بامكانها القاء الضوء على أزمتنا الثقافية والأخلاقية ، على مفاهيم الشرف والرجولة والأنوثة ، والنظرة الاجتماعية للمرأة ، والترابط العضوى بين هذه الجرائم والحوادث وبين الفكر الوهابى السلفى الاخوانى ، الذى غزا بلادنا بعد هزيمة 1967 ، وتم تدشينه مع الانفتاح الاقتصادى الاستهلاكى الطفيلى فى 1974 . فكر متشدد شاذ ، يكره النساء ، معقد ، مختل عقليا ، ونفسيا وجنسيا ،
ليس عنده معنى للوطن ، فالدين هو الوطن . وليس هناك مواطنات ومواطنين . هناك رعية تسمع وتطيع ، وتقتل وتغزو وتسبى ، وتنتشر لأسلمة كوكب الأرض ، واستعادة أنظمة صحراوية رملية قاحلة ، متشددة عنيفة مثل طقسها المناخى ، وندرة موارد الحياة الأساسية الضرورية .
وكذلك لابد أن ندرك العلاقة بين سيادة الفن الهابط السطحى من الأغانى والمسلسلات والأفلام والمهرجانات ، وبين زيادة وتغير الجرائم كما وكيفا .
عندما شاهدت هؤلاء الشابات والشباب ، ينتحرون على البث المباشر ، ويرسلون لنا الرسالة الأخيرة ، والتى تخلو من الندم ، شعرت كم نحن حضارة فاشلة . كم نحن غارقون فى التوافه ، والهيافات ، والقيم الدافعة للموت لا المحفزة على الحياة . كم نحن نفقد انسانيتنا خطوة خطوة ، حتى لم نعد نهتز لمثل هذه الحوادث والجرائم البشعة الفاضحة . فى حضارة أخرى ، كان حادثة واحدة أو جريمة واحدة ، تكفى لاستقالة برلمانات ، ومسئولين ، ووزراء . ولا تعليقات على مواقع التواصل الا تبرئة القاتل المجرم الذكر ، وادانة المقتولة الضحية الأنثى فى حالة قتل وذبح الغير . أما فى الانتحار ، فلا شئ نملكه الا كلمات الترحم ، أو اتهامهم المنتحرات والمنتحرين بالكفر .
وتمضى بنا الحياة كما كانت . ولا عزاء له قيمة ، ولا تعلم مما يمرضنا ، ولا استفادة ولا عظة ولا عبرة . والأسؤأ ، أنه لا رغبة لدينا فى الشِفاء ، ولا حتى شعور أن نواقيس الخطر تدق بشدة . حتى اذا سمعنا نواقيس الخطر تدق ، لا نبالى . يكفينا أننا فى البطاقة ورثنا دين الاسلام ، يكفينا أننا لا نفرط فى أداء الطقوس الدينية ، ولا نستهين فى تغطية النساء ، وحشد الميكرفونات فى الجوامع والمساجد ، ونحفظ أدعية الرزق والستر والرحمة ، وأننا نبلغ 1,9 مليار نسمة فى العالم ( 2021 ) ، ونشعر بين الأمم باستعلاء ، لأن الله قد أعزنا وخصنا بدين الاسلام ، وخاتم الرسل والأنبياء .
----------------------------------
من بستان قصائدى
--------------
أريد وطنا يغفر حماقاتى
----------------------------
أريد وطنا
لا يشغله عذاب القبر
ولكن عذاب الضمير
أريد وطنا
يدرك قيمة الوقت
يُحطم جدران الصمت
أريد وطنا
لا يقبض على الشهيق والزفير
لا يصادر تحليق العصافير
أريد وطنا
يعدل بين الرجال والنساء
فيه الفقراء والأغنياء سعداء
حتى القطط تجد العشاء
أريد وطنا
يمتلئ بالمقاهى
المطلة على البحر
يهدى الورد والأشعار
لأهل العشق والثوار
أريد وطنا
يغفر حماقاتى
يصادق أحزانى
ينصت الى أنينى
وآهاتى
أريد وطنا
شعاره " عدالة توزيع الفرح "
أريد وطنا
ليس له أعداء
الا منْ يحاور الفكر بالدماء
ومنْ يسطو على فرحة الغنِاء
أريد وطنا
يسمو فوق الانتماءات والديانات
يحتفى ب الكاتبات والشاعرات
كما يحتفى بالراقصات والممثلات
يشدنى اليه
ب خيوط من حرير
حين أرحل
يشيعنى فى هدوء
الى بيتى الأخير
أخبار متعلقة :