من قلب الأوراق المتراكمة والفتاوى المتضاربة والتصريحات النارية فجأة تأتى «صرخة أم» ملتاعه ليسود الصمت قاعة المحكمة، تنهمر دموع من عيون لم ترَ النوم منذ انتزعوه من أحضانها.. لكن دموعها لا تشفع لها: إنها امرأة بسيطة قدرها الإلهى أنها لا تنجب، هى لا تعرف الدستور ولا القانون، لا تفهم فى الفروق بين الأديان.. كل ما تؤمن به أنها كانت تصلى فاختارها الله واختصها وحدها وهبها «شنودة» لتصبح «أما».إنها الأمومة المجرّمة : التبنّى حرام، تزوير فى شهادة الميلاد، الإسلام دين الدولة، الأب أمام النيابة، النيابة لا ترى وجهاً لإقامة الدعوى، الصحافة تكتب، التليفزيون يناقش.. المجلس القومى لحقوق الإنسان يتضامن.. والأم لا تحتاج إلا لضم الطفل إلى صدرها لتمسح دمعها حين تتأمل نظرة عينيه.. لا أحد يشعر بوجعها «إنه صراع عنوانه الاستعلاء الدينى»!!.يقرر الرئيس «عبدالفتاح السيسى» أن تحصل الأم الكافلة على إجازة بدون مرتب عدة أشهر.. وأن يحمل الطفل المكفول ثالث اسم للأم تكريماً لها: إذن فليكن الحل أن تكون «أماً بديلة».. وتنظر فتوى الإمام «أبو حنيفة» فى (الإفصاح): «واتفقوا على أنه إذا وُجِدَ اللقيط فى دار الإسلام فهو مسلم، إلا أن أبا حنيفة قال: إن وجد فى كنيسة أو بيعة أو قرية من قُرى أهل الذِّمة فهو ذِمى».ولعلها المرة الأولى التى يتدخل فيها «المجلس القومى لحقوق الإنسان» متضامناً فى هذه القضية الشائكة، وطالب بعودة الطفل شنودة إلى أسرته. وجاء فى بيان للمجلس: (بناءً على ما جاء فى اختصاص المجلس، فى نص الفقرة 17 من المادة 3 بقانون المجلس رقم 197 لسنة 2017 بتكليف اللجنة التشريعية بالمجلس، بالنظر فى كيفية التدخل فى الدعوى القضائية، وفقاً لأحكام القوانين المنظمة لذلك، ودراسة واقتراح ما يلزم من تعديلات تشريعية وإجرائية لرفعها للجهات البرلمانية والحكومية المعنية، فضلاً عن التواصل والتنسيق مع الأطراف المعنية، حتى تنتهى تلك القضية، بما يضمن المصلحة الفُضلى لشنودة، وهى العودة مرة أخرى إلى أسرته).وكتبت السفيرة «مشيرة خطاب»، رئيسة المجلس، فى مقال منشور: (الاستحقاق الدستورى يعطى الأولوية الواجبة لدور الأسرة فى حياة أى طفل، وأنه تنفيذاً لهذا الإطار القانونى المصرى، الذى يواكب أرقى المعايير الدولية لحقوق الإنسان، يتعين أن تلتزم الدولة المصرية بتنفيذ حقوق الطفل، وفى مقدمتها حق الطفل فى أن يحيا داخل أسرة حامية حانية تكفل له الحياة والبقاء والنماء لأقصى قدراته. وأكرر أن هذا هو الإطار القانونى الحاكم الذى يتعين أن ندرس من خلاله حالة الطفل شنودة باعتبار أن الدولة المصرية التزمت بأن الطفل المصرى هو صاحب حقوق قانونية واجبة الأداء، وأن أداء هذه الحقوق هو التزام قانونى على الدولة المصرية بمختلف مؤسساتها التنفيذية والتشريعية والقضائية).تواصلت مع السفيرة «مشيرة خطاب» وحدثتنى طويلاً عن بعض القوانين التى تتعارض مع الدستور، وعن دور «القومى لحقوق الإنسان» فى إرجاع «شنودة» لأحضان ذويه: مادة 1- من نظام الأسر البديلة «أن تكون ديانة الأسرة ذات ديانة الطفل، وأن يكون الزوجان مصريين».. فمن الذى يحدد ديانة طفل «مجهول النسب»؟؟.وفى غيبة قانون حاسم يقطع بأدلة ثبوت لدين الطفل تصبح فتوى «أبا حنيفة» هى المخرج، خاصة فى ظل الصمت التام من المؤسسات الدينية الرسمية.. القضية لم تعد «شنودة أم يوسف».. دار رعاية أم «أم بديلة». «شنودة» ليس مجرد طفل ضاع من والديه اللذين احتضناه صغيراً.. شنودة حالة صارخة تكشف العنصرية فى الأوراق الرسمية.. لقد بدّلوا دينه «دون سند قانونى»!.«شنودة» ضربة قاصمة للعمود الفقرى للمصريين.. بعدما اختطفنا روحاً بريئة من ذويها وتوهمنا أننا أنعمنا عليها بإسلامنا وفهمنا المغلوط لديننا ونحن نعلن بكل تعنت وجبروت أن الإسلام دين الدولة.. ودين كل من يعيش على أرضها شاء من شاء وهاجر من أبى!لا توصف الدول بأنها إسلامية أو مسلمة، فالإسلام وصف أو حكم يقع على الأفراد ضمن شروط محددة. كيف تشهد الدولة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله؟ وكيف تقيم الصلاة وتصوم؟ فمتطلبات الإسلام تتحقق باعتقاد وأفعال الأفراد وليس الجماعات أو السلطات.. لكن لدينا قاعدة غريبة تستخدم مثلاً فى حال تغيير الملة بين المسيحيين فتطبق عليهم «شريعة المسلمين» بالمخالفة للمادة 3 من الدستور.(أسلمة القوانين) تطبق على الجميع: نحلل حرامكم.. ونحرم حلالكم.. أى فاشية دينية هذه؟مزايدة دينية لا تنتهى، ولعب على أرض ملغمة بالفتنة الطائفية.. لا تحدثنى عن حقوق المواطنة فى ظل قوانين دينية.. لا تحدثنى عن حقوق الطفل التى تحددها بالديانة.. لا تحدثنى عن الرحمة والإنسانية والعدل ما دام «شنودة» مجرد «رقم» دعوى معروضة على القضاء.. وأمه لا تزال تبكى!.
أخبار متعلقة :