رجع من عمله متعبا, شاردا, يائسا, فكل شيء يشي بالشقاء والبؤس والعناء, ضجيج من الأفكار المتصارعة يَطِنُّ في رأسه, صداع لا ينتهي مما حوله, الفقر يضرب بأطنابه, لا يبقي ولا يذر, شدة لم ير مثيلها حتى في سبعينيات القرن الماضي, الأسعار تلتهم مرتبه الذي لا يتجاوز ثلاثة الآلاف جنيه, كاد يصطدم بسيارة مسرعة, وهو يسير هائما على وجهه, لا يدري ماذا يفعل في هذا الغلاء الفاحش, تلكأ قليلا, لا يروم أن يصل إلى بيته حتى لا يجابهه الأولاد والزوجة بضرورات الحياة من مأكل ومشرب وملبس, لكن لابد مما ليس منه بد, وصل إلى الحارة لكنه فوجئ بشيء غريب, هرج ومرج, بل سمع صوت زغاريد تملأ المكان, اقترب أكثر فوجد الأطفال يلعبون ويفرحون, دقَّق النظر فرأى أطفاله بينهم يتراقصون, سأل ابنه الأصغر: ما الذي يحدث, لكن الطفل انتحى جانبا بكرة كانت في يده, ما الأمر؟! ما الذي حدث؟ ما الجديد في الحارة؟ وما الذي جعلها تكتسي ثوب الفرح؟! ترى ما الذي حدث؟! ولماذا تظهر علامات السعادة على وجوه أطفاله وقد تركهم باكين في الصباح بعد أن عجز عن إعطائهم مصروف المدرسة, قطع تفكيره صوت عم محمود البقال, وهو يقول له مبروك يا أبو أشرف, والله فرحنا لك, ماذا؟! مبروك! ما الأمر؟! بُهِتَ ولم يُحِرْ جوابا, اصطدم بخالته الست سعاد, وهي تقول له: الحمد لله رب جبر بخاطركم يا ابني, الحمد لله, ألف مبروك, دارت رأسه, ما الأمر, قابلته على الدرج ابنته الكبرى, فأمسك بها, وهي تطير من شدة الفرح, فسألها: إيه اللي حصل يا هبة, فقالت له: الحمد لله يا بابا, ماما وهي بنتضف فريزر الثلاجة لقيت كيس فراخ كان مستخبي في التلج! الله أكبر, أحمدك يا رب, إنت عالم بينا, لم يتمالك نفسه, وسجد شكرا على درج السلم من فرط فرحته, فالاولاد لم يأكلوا الفراخ منذ خمسة أشهر, حتى شحبت وجوههم, ونحلت أجسادهم, أسرع إلى شقته, فوجدها مفتوحة, رأى زوجته بجوار الثلاجة وهي تبكي, يا الله تبكين من شدة الفرح, ألف مبروك يا أم العيال, الحمد لله ربنا نصرنا, الحمد لله, يلا بقى اطبخي لنا لقمة ترم العضم, وهي لا تكف عن البكاء, احتضنها بين يديه, قائلا لها, خلاص يا حبيبتي أنا عارف إنك مش مصدقة نفسك من الفرحة, يلا بقى, لكنها لا تكف, حتى ارتاب في الأمر, فسألها, مالك, في إيه, افرحي بقى, لكها نظرت إليه, وقالت له سامحني يا أبو أشرف, ثم نظرت إلى الثلاجة, وقالت له: فريزر الثلاجة أتخرم من السكينة وأنا بطلَّع كيس الفراخ!
أخبار متعلقة :