هناك حقوق طبيعية للإنسان ، أي إنسان ، كأن يعيش في أمانٍ بعيداً عن أي مسّ . وواجب السلطة أن تُحافظ على حياته وأمنه ، وهذا الواجب يأتي من حقّ الحياة ، لذلك تمنع القوانين شريعة القتل وأشكال العنف ، والمسّ بجسد الإنسان ، لذا على الدولة أن تحافظ على حياة الإنسان لديها من خلال مؤسساتها .
والحق في الحرية أيضاً ، حيث أن البشر هم مخلوقات يحكمون أنفسهم بأنفسهم بعيداً عن المسّ بحرية الآخرين أو بممتلكاتهم ، أو مسّ كرامتهم .
فهنا يجب الدفاع عن حرية الإنسان المُعتدى عليه ، والحدّ من حرية أو تصرفات الآخر .
ومن جانب آخر يجب عدم إستخدام الحرية كمجالٍ بالمسّ بالمجتمع أو بالجمهور أو النظام أو أمن الدولة ، وذلك حفاظاً على حقوق الحياة والأمن والحرية لكل المواطنين .
بل حتّى الوقوف ضد الإنسان نفسه إذا حاول الإساءة لنفسه ، من خلال ميولٍ متكوّنة لديه للإنتحار ، حيث يُودع في أحد المصحات لعلاجه ممّا هو فيه .
فحقوق الإنسان هي مجموعة قيم إنسانية ، وكل إنسانٍ يستحقها ، علماً ليست كل المجتمعات تعترف بحقوق الإنسان .
فالإنسان هو مخلوقٌ بشري ، ذو عقلٍ ، ويستطيع أن يختار لنفسه أهدافاً وطرقاً لتحقيقها ، ويستطيع متى شاء تغيير أهدافه أو طريقة الوصول إليها ، له رأيه في حياته أن تكون جيدة ، كما يرغب في تطويرها من خلال علاقاتٍ ومشاركاتٍ عديدة .
وكلّ إنسان مُعرّض للمسّ بجسمه أو بعقله من خلال المرض أو الإصابة ، والإنسان السليم يستطيع أن يُدير حياته كما يرغب ما دام لا يمس بالآخرين .
فالمخلوق البشري أي الإنسان يعرف قيمة نفسه ، وهنا تتبلور " الكرامة الإنسانية " ، المرتبطة بإنسانية الإنسان .
وما دام هذا الانسان وذاك الانسان ليسا بنفس المستوى من الفكر والوعي والقوة ، فنستطيع أن نقول أن الانسان الموجود بموقعٍ مسؤول قد يستطيع أن يتحكّم بمصائر آخرين ، ليس من خلال قوته الجسدية ، بل من خلال صلاحياته بهدف تطوير مصالحه ومكاسبه ، على حساب الآخرين حتّى إذا لم يتم المسّ بهم بشكلٍ مباشر .
المخلوق البشري بطبيعته لديه غريزة القوة والتسلط على الآخرين ، قد لا يهمّنا هذا كثيراً ، ونقول ، أنه عندما تكون المصلحة الشخصية للإنسان ، أو مصالح جماعات غير مؤمّنة ، عندها يستطيع ذلك الانسان خاصّة إذا كانت لديه قوة وصلاحيات وبدون تردد للعمل على تطوير مصالحه على حساب مصالح مجموعات أخرى ، بغض النظر إن تم ذلك من خلال حب التسلط أو القوة أو المنافسة ، على حساباتٍ أو ميزانيةٍ ما ، أو بإسم ايديولوجية ما ، وهذا الشيء موجود بشكلٍ يومي في المجتمعات ، حتّى في العائلة أو في الحي أو مكان العمل .
هناك كثيرون الذين يخلطون بين حقوق الانسان وحقوق المواطن ، فحقوق الانسان هي مجموعة قيم ومواثيق وقوانين دولية تتعلق بمفهوم حقوق الانسان ، أيّاً كان هذا الانسان وفي أي مكان من الكرة الأ{ضية ، وأُطلق على هذه المواثيق إسم الشرعية الدولية لحقوق الانسان ، والتي تشمل الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي صدر عام 1948 ، والعهدين الدوليين لحقوق الانسان عام 1966 ، الأول خاص بالحقوق المدنية والسياسية ، والثاني خاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .
فحقوق الانسان تتعلق بشكلٍ مباشر بالانسان بصفته الانسانية أو لنقل البشرية ، وممكن لهذا الانسان أن يكون متواجداً في أي دولة ، أو في المياه الاقليمية أو الدولية ، هذا بشكلٍ عام .
أمّا منظومة حقوق الانسان داخل دولةٍ ما ، هذه أو تلك ، فيجب أن تشمل منظومة حقوق الانسان في هذه الحالة كل المقيمين على أرض هذه الدولة ، بمعنى أن كل انسان متواجد في هذه الدولة تشمله حكماً منظومة حقوق الانسان .
وقد يكون هذا الانسان مواطن أو مقيم إن كان بشكلٍ مؤقت أو دائم ، أو حتّى زائر أو يدرس أو يتعالج أو لاجىء ، بمعنى أن كل انسان مهما كانت جنسيته وكان موجوداً في هذه الدولة بلحظةٍ ما ، فهو شخص تنطبق عليه منظومة حقوق الانسان .
ويجب على الغرباء في هذه الحالة مراعاة الاتفاقيات الخاصة ، وعلى الدولة أيضاً مراعاة القوانين والاتفاقيات الخاصة للأشخاص حسب أوضاعهم .
أمّا حينما نتحدث عن حقوق المواطن ، فهذه الحقوق تخصّ فقط الحامل لجنسية هذه الدولة أو تلك ، بغض النظر كيف حصل عليها إن بشكلٍ أصولي أو بشكلٍ مُكتسب .
فحقوق المواطن تتعلق بشكلٍ مباشر بالمساواة بين جميع المواطنين ، وأن تكون الفرص متساوية أمام الجميع بهدف تسهيل المشاركة الفاعلة في الحياة السياسية والعامة ، وهنا نحن نتحدث عن أهم أركان حقوق المواطن ، المساواة والمشاركة .
والمواطن بكل تأكيد كما له حقوق عليه واجبات أيضاً ، ولكن دوماً يجب أن تكون الحقوق هي في المقام الأول ، ومن ثم الواجبات .
فحينما نتحدث عن واجبات بعيداً عن الحقوق ، معنى ذلك أن الواقع تحوّل إلى عبودية وقمع .
فحينما نتحدث عن حقوق المواطن علينا أن ندرك أنه في كل مجتمع هناك أقليات أو فئآت ضعيفة ، فهذه الجماعات يجب أن تُشمل بحقوق المواطن والمواطنة ، وأن يتم دمجها بسرعة في المنظومة الوطنية ، وأيضاً يشمل هذا الجانب حقوق المرأة .
فكل مواطن ينتمي إلى أقلية ما ، يجب أن يتمتع بحقوق المواطنة الكاملة ، فاتفاقيات حقوق المرأة والأقليات هي جزء أساسي من منظومة حقوق الانسان ، وهي جزء أساسي أيضاً من آليات حقوق المواطن والمواطنة في الدولة التي يجب أن تُسرع في تطبيق الاتفاقيات الخاصة للفئآت الضعيفة والمهمّشة والأقليات استكمالاً لمنظومة حقوق المواطن والمواطنة ، والاندماج المجتمعي والتعايش الوطني . بعيداً كل البعد عن الدين أو العرق أو اللون أو النوع أو المستوى الطبقي أو العمر .
وللدقة نستطيع أن نقول أن هناك تمييز وفي وقتنا هذا إن كان على مستوى حقوق الانسان أو على مستوى حقوق المواطن ، فهناك انتهاكات جسيمة لحقوق الانسان واضطهادات ، وهناك إبادات وتطهير مذهبي وعرقي في بعض الدول ضد مواطنيها .
ففي حدود الدولة الواحدة تنهار قيم حقوق المواطن والتعايش الوطني في ظل نظام القمع والاستبداد والرأي الواحد ، بينما قد تكتمل هذه الحقوق في ظل النظام الديمقراطي .
لذلك نقول بأن المواطن العادي هو أعلى منصب في النظام الديمقراطي ، لأن العملية السياسية بمجملها وبأكملها قائمة على رغبة هذا المواطن في هذا النظام السياسي أو ذاك .
نحن هنا نتحدث كمبادىء وقيم ونظريات سياسية واجتماعية ، ولكن أمام الواقع المُعاش لا بدّ من النضال من أجل حقوق المواطن ، وهكذا نضال هو نضالٌ من أجل حقوق الانسان ، وحقوق المواطن هي جزء أساسي من حقوق الانسان داخل بلده .
حيث أن النضال من أجل حقوق الانسان هو نضال من أجل الارتقاء بالانسان وبالوطن وبالنظام السياسي .
فاحترام حقوق الانسان ، واحترام حقوق المواطن هو عنوان احترام الدولة لذاتها ، وعنوان حضاري يجب الوصول اليه بشكله الكامل .
حيث أن غياب هذه الحقوق معنى ذلك أن أي حديث يدور حول المواطن لا معنى له ، وهو هراء .
فقيم العدل والسلام والحرية ليست مجرد شعارات ، بل هي قيم تتمثل في مجموعة حقوقٍ أساسية باتت مثل الماء والهواء في المجتمعات .
فأين الحق في الأمن الاقتصادي والاجتماعي والنفسي ، والحق في العدالة والقضاء وسيادة القانون ، والحق في التعليم بكل مستوياته ، وفي الرعاية الصحية الكاملة ، والحق في الحصول على دخلٍ كافٍ لحياةٍ كريمة ، التي هي حق انساني أصيل ، وأي حرمانٍ من هذا الحق هو عدوانٌ وبغي .
والحق في اختيار الحكّام والنواب من خلال انتخاباتٍ حرةٍ ونزيهة بعيداً كل البعد عن الوصاية والإملاء ، والحق في العمل ، وأمور كثيرة أخرى .
كل هذه الحقوق تحتاج إلى إرادةٍ شعبية قوية ، وإلى نخبٍ سياسية وفكرية قادرة على تبنّي هذه الحقوق وتحويلها إلى حقٍ أصيل لا يُمسّ ولا بأي شكلٍ من الأشكال .
أخبار متعلقة :