حسني حنا يكتب : الخانات الأثرية في مدينة اللاذقية
"المدن التي تعنى بتراثها، هي التي تحمل طابعاً متميزاً يؤمن شهرتها".
إن كل بحث يتناول حاضر مدينة اللاذقية ومستقبلها، لا بد له من أن يهتم بماضيها. واللاذقية مدينة عريقة، وتاريخها طويل .. أما آثارها فهي غاية في التنوع، إذ أنها تعبر عن مختلف الحضارات التي مرت على هذه البلاد.
ومن المعروف في العالم اليوم، أن المدن التي تعنى بتراثها، هي التي تحمل طابعاً مميزاً، يؤمن شهرتها، ويجلب اليها الزوار والسائحين.
تعريف الخان
إن لفظة "خان" على الأغلب فارسية معربة، ومن مرادفاتها، لفظة "فندق".
والخان مكان مؤلف من عدة غرف، لمبيت الغرباء، واستقبال البضائع وبيعها. وغالباً ما كان الخان مؤلفاً من طابقين بأروقة تتوزع حولها الغرف ومرافق عامة، وسبيل ماء وفسحة سماوية كبيرة، ومخازن تحفظ فيها السلع والبضائع، وقد تلحق به سوق تجارية تمتد على جانبيه.
ويغلق الخان بباب كبير، مخصص لدخول الدواب من حمير وبغال وجمال، وكذلك العربات المحملة بمختلف البضائع، كما يوجد في الباب الكبير باب صغير، أو فتحة مخصصة الدخول الأفراد.
لمحة تاريخية
أشار الرحالة العرب والأوروبيون الذين زاروا مدينة اللاذقية، إلى وجود الدكاكين العامرة، لكن أحداً منهم لم يشر إلى وجود الخانات التجارية، قبل القرن الثامن عشر، رغم إشاراتهم المتعددة إلى النشاط التجاري البري والبحري المفعم بالحيوية، وإلى وجود فاصل معتمدين ووكلاء ،تجاريين للعديد من الدول الأوروبية.
وأول من أشار إلى خانات اللاذقية في العصر الحديث هو الرحالة الفرنسي لويس دا موازو Lois Damoiseau الذي مر بمدينة اللاذقية في صيف عام ۱۸۱۹، ثم تلاه الجغرافي الألماني” “C Ritter الذي أشار إلى وجود مستودعات بجانب المرفأ بين عامي .١٨٥٤-١٨٥٥
وقد ذكر الأديب والمؤرخ اللاذقي "الياس صالح الذي عاش في القرن التاسع عشر أنه في عام ١٨٦٦ ، وحسب إحصاء رسمي، أن عدد سكان مدينة اللاذقية في ذلك العام هو ( ۱۱۲۰۰) نسمة، وأنه كان يوجد فيها ستة خانات.
ومما لا شك فيه، أن عدد الخانات قد ازداد بعد إجراء ذلك الإحصاء، وأنها قد أخذت تتطور بمرور الزمن حتى غدت مؤسسات اقتصادية ذات إدارة ومرافق متعددة، بحيث ما بیسن تحتوي على مقاه واسطبلات وأمكنة لاصلاح العربات، وكان الواحد منها يستوعب . ٢٠٠-٤٠٠ من النزلاء.
وقد شكلت الخانات في مدينة اللاذقية على تنوعها مراكز لللنشاط التجاري، وحركة تنقل الأفراد والبضائع، وكانت على نوعين هما الخانات العامة والخانات الخاصة، التي كانت تمتلكها بعض الأسر الغنية.
ومن أهم هذه الخانات:
1/خان الدخان
وهو بناء أثري رائع، تبلغ مساحة الأرض التي ينتصب فيها اثنا عشر ألف متر مربع وقد بني هذا الخان على الأغلب في أواخر القرن السابع عشر، وربما في أوائل القرن الثامن عشر، وقد أشار إليه الأديب والمؤرخ اللاذقي الياس صالح في كتابه آثار" الحقب في لاذقية العرب".
وقد ظل هذا البناء يستعمل لتخزين التبوغ طوال القرن التاسع عشر، لذا عرف عند عامة الناس باسم "خان الدخان".
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشر، كان هذا البناء، مع الأرض التي يقوم عليها ملكاً للسيد الياس مرقص قنصل روسيا في اللاذقية، وبعد وفاته عام ۱۸۷۰ بيع هذا العقار إلى السيد إبراهيم نصري الذي قام ببناء المنزل الجميل الذي يقع فوق الزاوية الجنوبية من بناء الخان، وذلك في عام ۱۹۰٤ ، وانتهى من بنائه في عام ١٩٠٥.
وأثناء الحرب العالمية الأولى استولت عليه السلطات التركية، وجعلته مقراً للمتصرف، ثم استولت عليه القوات الفرنسية في عام ۱۹۱۸ ، وبعد ذلك قامت الحكومة الفرنسية بشرائه من مالكيه في عام ۱۹۳۲ ، وفي عام ۱۹٣٦ صار مقراً للمندوب الفرنسي الحاكم، فعرف هذا المكان باسم "المندوبية". أما الجناح التابع لدار الحاكم ، والذي نراه اليوم في القسم الشمالي فقد بني عام ۱۹۳۸
وبعد خروج الفرنسيين من سورية عام ۱۹٤٦ ، بات هذا العقار فارغاً ومهملاً حتى عام ١٩٧٨، حيث تم شراؤه من الفرنسيين، وترسيمه، ثم تسليمه إلى المديرية العامة للآثار والمتاحف ليكون متحفاً باسم متحف مدينة اللاذقية وقد تم تنظيمه، ليضم آثار مدينة اللاذقية عام ١٩٣٨ و أوغاريت وجبلة، ورأس البسيط ورأس ابن هاني وغيرها
2/خان الخلطة
يقع قبالة الجامع الجديد، إلى الغرب منه، وحالته اليوم متشعثة، وقد ذكر في وثيقة تعود إلى سنة ۱۸۱٥ ، وهو يتألف من طابقين، ويحتوي على غرف متعددة، وأروقة ومقسهى وأمكنة كانت معدة لمبيت المسافرين ومخازن لحفظ القمح واسطبل، وتبلغ مساحته حوالي ۱۰۰۰ متر مربع، وهو يستعمل الآن لتجارة القطع المعدنية القديمة (القراضة أو الخردة).
3/خان الأرمن
يقع في حي القلعة القديم، وسط مجمع سكني، يعرف عند العامة باسم الكيدون" من الكلمة الأرمنية "هو كيدون" التي تعني "بيت الروح". وهو من بناء الحجاج الأرمن القادمين من بلادهم في آسيا الصغرى إلى مدينة القدس، وقد جعلوه مكانة "الاستراحة قوافلهم في ذهابهم وإيابهم، وبنوا إلى جواره كنيسة. ويعود بناء هذا الخان إلى عام ١٢٥٤ للميلاد، وهو اليوم بحالة جيدة، وله ساحة واسعة ويستعمل الأن مدرسة لتعليم الأطفال.
4/ خان الشاه
ويقال له أيضاً خان الشام" وهو يقع في حي الصليبة إلى الشمال من فرن الدولة الاحتياطي، وهو يستخدم الآن منشرة للأخشاب، وكان يحتوي في الماضي على مقهى وملهى، بقي قائماً حتى عام .۱۹۰۹ ويمتاز هذا الخان بساحته الواسعة، وغرفه العديدة ذات العقود الحجرية، التي تقوم على ركائز حجرية ضخمة ومتينة. كما يمتاز بوقوعه على أحد أهم الشوارع في مدينة اللاذقية.
5/ خان الصغير
يقع في حارة الموارنة بالقرب من قنطرة أثرية، بناء أرسلان باشا المطرجي في أوائل القرن الثامن عشر، وقد استخدمه الفرنسيون خاناً لخيولهم وخيالتهم، إبان فترة الانتداب ولا تزال غرفه ذات السقوف المعقودة تشهد على أهميته في الأزمنة الماضية، وقد تحولت تلك الغرف اليوم إلى أماكن لتجارة الألبسة ، ومناشر للأخشاب ، وأعمال النجارة.
6/ خان الصباغة
كان ينتصب في حي الصباغين، إلى الجنوب من الجامع الجديد، واسمه منسوب إلى أعمال الصباغة، لاحتوائه على دكاكين، كانت تصبغ فيها الثياب، وخيوط الحياكة، وقد كانت هذه الحرفة منتشرة قديماً، ومن ثم عرف الحي الذي وجد فيه هذا الخان بأسم "حي الصباغين" كما عرف هذا الخان أيضاً باسم "خان العتم"، إذ كان مشهوراً بالظلام الدامس الذي يلفه.
7/ خان البازار
موقعه في ساحة البازار ، وقد كان هذا الخان واسع المساحة ولازالت غرفه المعقودة شاهدة على ذلك، وقد كان معدا لاستقبال المسافرين، وكانت توضع فيه غلال وبضائع التجارة، وتجري في ساحته الواسعة صفقات البيع والشراء، بينما كانت تحبس في اسطبله الدواب، وقد عبثت أيادي الزمن بهذا الخان، فاقتطعت منه دكاكين باعة السمك (في ساحة السمك القديمة) المطلة على الشارع العام، واستخدم ما بقي من ساحته مناشر للأخشاب، ومما يذكر أنه في سنة ۱۹۰۳، أنشأت فيه مطحنة تدار بآلة بخارية
8/ خان زحوق
كان يقع في حي الشيخ ضاهر، عند مدخل الساحة باتجاه شارع هنانو، في الزقاق المتفرع إلى جهة الشرق، وكان مكوناً من طابقين، وقد تحول قسم منه إلى معمل المرايا. هـــدم مؤخراً، وحل محله بناء سكني.
9/خان الكبير
كان يقع في منطقة ميناء اللاذقية القديم، بالقرب من بستان مار يعقوب" وقد جاء ماء وصفه في وثيقة تعود إلى عام ١٧٤ كما يلي: الخان الكبير المعروف ببستان مار يعقوب والمشتمل على سقف بالخشب، وتجاهه حوش الأمور بالأحجار والكلس، وفيه بسير وناعورة بدولاب، وبركة، وعلى أشجار الزيتون، وغيرها من الأشجار .. وقد تهدم هذا الخان، ولم يعد له وجود، بعد الزلزال الذي ضرب مدينة اللاذقية وسائر أنحاء سورية، في أوائل شهر آب عام ۱۸۲۲
10/ خانات أخرى
هناك العديد من الخانات التي اندثرت، ولم يبق منها إلا أسماءها وأهمها: خان بیت سعادة خان بيت نصري خان البنشي، خان بیت ،کومین خان بیت کروم خان بيت مرقص وخان بيت اسرب المعروف أيضاً باسم خان الشبار وغيرها ... وقد أزيل أو طمو عدد كبير من المستودعات والخانات المعقودة، التي كانت تجاور المرفأ القديم إلى جهة الشمال. وقد كانت أفضل صورة عن العصر الذي وجدت فيه. ولكن قامت في غير منطقة المستودعات الحديثة، التي واكبت مسيرة التقدم والتطور الذي تشهده بلادنا اليوم.
خاتمة :
لقد كانت خانات مدينة اللاذقية على تنوعها مراكز للنشاط التجاري، ومنازل لمأوى الغرباء.. وحبذا لو شجعت وزارة السياحة عندنا، أحد أصحاب هذه الخانات المتبقية، على تحويله إلى سوق تجارية للمنتجات التقليدية، ومحلات بيع متمـيزة، للتحف والصناعات الشعبية، وفتح أبوابه للمواطنين والسائحين...
المراجع والمصادر العربية
1- الیاس صالح آثار الحقب في لاذقية العرب، ثلاث مجلدات، (مخطوط)
2- جبرائيل سعادة: القيم التراثية لمدينة اللاذفية، محاضرة (۱۹۸۷)
3- جبرائيل سعادة: خان الدخان، دراسة، مجلة التراث العربي العدد ۳ (۱۹۸۰)
4- إحسان جعفر: تحقيقات ميدانية من خانات اللاذقية (۱۹۸۹)
5- لمحة من متحف اللاذقية الجديد، لجنة الرحلات في جمعية العاديات، فرع اللاذفية (۱۹۸٥)
6- هاشم عثمان: الأبنية والأماكن الأثرية في اللاذقية، منشورات وزارة الثقافة دمشق . (١٩٩٦).
7- حسني حنا: الساحل السوري في التاريخ وكتابات الرحالة (مخطوط)
المراجع والمصادر الأجنبية
1- Volney: "Voyage en Syrie et en Egypte" pendan le annés: 1783,1784,1785
2- Lois Damoiseau: "Voyage en Syrie et dan le désert" 1819.
3- Joseph Michaud et Jean Poujoulat "Correspondance d'Orient" 1830- 1831.
4- François Verasis: "Souvenir de Syrie" 1860-1861
أخبار متعلقة :