بكلِّ تأكيد إن العدل هو القيم والأخلاق ، والمُثل العليا ، وهو بمثابة المؤشّر الإيجابي على سير الحياة وفق المشيئة أو الإرادة السماوية .
فكلمة العدل هي إسمٌ من أسماء الله ، وسبحانه يُدرك بأن البشر لا يستطيعون العدل في الأمور ، وأنهم ينجرفون وراء أهوائهم ، لذلك عدالة البشر هي نسبية وليست مُطلقة ، فهناك أهواء وأمزجة ، وهناك زلل وإنحراف ، حيث أن العدالة المطلقة هي فوق مستوى البشر .
سبحانه وتعالى دعا عباده لأن يكونوا عادلين فيما بينهم ، كما أمر الحكّام بالعدل في الحكم على الناس .
فالعدل هو إعطاء كل ذي حقٍ حقه ، وإنصاف المظلوم ، ورد الحقوق ، ووضع الأمور في نصابها الصحيح ، والرأي العادل في معالجة الأمور ، وعدالة القضاء في الحكم بعيداً عن الظلم .
بينما المساواة فهي تأتي بمعنى أو بمنحى إيجابي أوسع ، حيث تشمل التمتع بجميع الحقوق السياسية والاجتماعية والاقتصادية دون تمييز بسبب اللون أو الجنس أو اللغة أو العرق .
والأمم المتحدة أصدرت ميثاقها في عام 1948 الذي هو بمثابة إعلان عالمي لحقوق الانسان ، وركّز هذا الاعلان العالمي على مبدأ الحرية والعدل والمساواة وسيادة القانون .
وأكّد على أنه يُولد جميع الناس أحراراً ومتساوون في الكرامة والحقوق ، وأنه لكل إنسان حق التمتع بجميع الحقوق والحريات الواردة في الاعلان ، كما جاء في المادة الأولى منه .
وفي الأوطان لو تحقق الإنصاف وتحققت الأخلاق ، لما كان هناك تفاوتٌ هائل بين طبقات المجتمع ، وأي وطن لكي يُبنى على أسس قوية ومتينة ، لا بُدّ من أن يتساوى الجميع أمام القانون العام الذي يحكمهم ، حيث تزول المحسوبيات ، ويزول الفساد ، وتنتهي التجاوزات ، وتنتهي سياسة الظلم والقمع والتهميش والاقصاء .
وبكل تأكيد إن تحقيق العدل والمساواة ، يُحققّ الكثير من الفوائد والثمرات على الفرد والمجتمع والدولة ، من خلال الإحساس بالثقة والثبات والقوة والعزّة والكرامة ، وتحقيق الاستقرار والطمأنينة في المجتمع والدولة .
كما أن الشعور بالمساواة يقضي على الفتنة والنزاعات والمشاكل الهادرة للطاقات والموارد ، وتفتح الآفاق للأفكار ةالابداعات والابتكارات ، فتحقيق العدل والمساواة في الوطن والمجتمع يدفع الجميع إلى الذوبان في المجتمع والدولة وتغليب العام على الخاص ، وتماسك البنيان الاجتماعي والسياسي ، وإلتفاف الشعب حول دولته وقادتها .
لذلك إذا أردنا بناء دولةٍ ما ، علينا الاهتمام والتركيز على دولة المواطنة ، التي يعيش فيها كل الشعب بعدلٍ ومساواة ، وتعمّ دولة المؤسسات ، والفصل بين السلطات ، هذه الدولة ، هي دولة الديمقراطية التي يتم فيها التداول السلمي للسلطة ، بسلميّةٍ مطلقة ، بقوة وملكية الإرادة الحرّة للجماهير عبر صناديق الانتخاب بعيداً عن أي وصايةٍ أو إملاء .
ولا بُدّ من إعداد المواطن لهكذا مرحلة انتقالية ، حيث سيتم رسم وبناء البنية الأساسية لدولة الديمقراطية ، وانجاز مشروع بناء الهوية الوطنية الواحدة والجامعة لكل مكونات المجتمع كأساسٍ وخطوةٍ مهمة في بناء دولة الديمقراطية .
فالهوية الوطنية لكل مكونات المجتمع ستكون الوعاء الوطني الذي يوثّق ويستوعب كل طوائف ومذاهب وأعراق مكونات المجتمع ، وهذا الوعاء الوطني بدوره سيكون منطلقاً لتحقيق أهدافٍ عليا وسامية نحو كل الوطن وكل مواطن في المقام الأول ، إستناداً إلى منظومة القيم الإنسانية بالحرية والتسامح والسلام والتراحم ، التي تعزز إحترام وحماية حقوق الانسان ، والتعايش السلمي ، وصيانة وتعزيز الحريات الخاصّة والعامة وإعلاء قيم القانون بما يضمن الأمن والاستقرار الاجتماعي .
وعند الوصول إلى هذه الدرجة من الفهم والممارسة العملية لمفاهيم دولة الديمقراطية والهوية الوطنية ، ستتجلّى عبقرية الهوية الوطنية في التأسيس الحقيقي لمجتمع الديمقراطية الحديثة الذي سيرى إلى جانبه مجتمعاً إيجابياً يُشارك وبقوة وفعالية في الحياة العامة ، ويقبل بالتداول السلمي للسلطة ، ويُقدّس العمل الوطني ، وفي بناء جسورٍ قوية بين الوطن الواحد القوي والمُجسّد في الدولة القومية ، وبين المجتمع العالمي لإقرار مبادىء الحرية والعدالة تحقيقاً للسلام والاستقرار الوطني ، وبهذه الحال نكون قد بنينا جداراً صلباً ومنيعاً لصدّ أي محاولةٍ خارجية للنيل من وحدة وتماسك وقوة المجتمع .
لكن الواقع الذي يعيش فيه المجتمع العربي بشكلٍ عام في ظل غياب العدل والمساواة ، وانتشار الظلم والقمع والتهميش ، هو واقعٌ ذو إفرازات خطيرة ، فهناك فقدان للمناعة الاجتماعية ، وإغتصاب الحريات ، وإهدار الكرامة ، والتلاعب بمقدرات المجتمع والوطن والأمّة ، وهناك تغييب لحقوق الانسان ، وتفتيت قيمه ، وفقدان عطائه ، إضافة إلى إنتشار فساد الأخلاق ، واستغلال للنفوذ والسلطة ، وهي أخلاقيات تعزز العنف والعدائية والكراهية داخل المجتمع .
حيث يفقد المواطن الرأي والعزيمة ، وتتلاشى عنده روح المبادرة ، وبالتالي يعجز عن تحمّل المسؤولية ومواجهة التحديات ، وفي الوقت ذاته تتفرّعن مراكز القوى في الدولة وتبالغ في عجرفتها أمام المجتمع ، وهذا من شأنه أن يُفضي إلى التطرف في المجتمع وانتشار مفاهيم التشدد والتكفير ، ويُصاب المواطن بالتالي بعدم التوازن النفسي ويقع فريسة الإحباط واليأس والاكتئآب ، ومن ثُمّ تنتشر النزعات الانتقامية ، وينتشر الانحراف ، وتنتشر الجريمة وما يترافق معهما من عنفٍ وعنف مضاد وخراب المجتمع والدولة .
لذلك من أجل الحفاظ على الدولة والمجتمع ، وبناء الدولة بشكلٍ سليم ، لا بد من إرساء قيمٍ أخلاقية وإنسانية ، كنقطة بداية لصيانة المجتمع والدولة ، وترسيخ مفاهيم المواطنة والعيش المشترك والسيادة .
فالدول الواعية والقوية والتي يسودها القانون ، نالت حقّها في الحياة الحرة والكريمة المستقلة .
والدول التي يشوبها الفساد وغياب القانون تفترسها الذئآب البشرية ، وتفقد حقها في الحياة الحرة والكريمة . وهكذا دول تعيش على الأباطيل والمظالم ، باسم الحق والقانون ، والقانون غائب ومهمّش .
هكذا هو حال الشعوب الضعيفة المتخلفة في ظل غياب العدل والمساواة ، وفي ظل غياب القانون ومفهوم المواطنة والتعايش الوطني .
قولاً واحداً إن العدل والعدالة والمساواة ، والحريات وسيادة القانون مع التنمية من أهم مقوّمات الحياة الكريمة للمجتمع وللدولة ، وبغير ذلك نستطيع أن نقول بأن الدولة التي يغيب فيها القانون وتغيب عنها الأخلاق الانسانية ، هي دولةٌ فاشلة ، وسلطة فاسدة مآلها إلى الزوال.
نتحدث عن العدل والمساواة ، وعن الحريات وسيادة القانون ، ونحن في ظلّ الإرهاب وسرقة المال العام ، والمحسوبيات والخيانة والتبعية العمياء ، والفساد وإحتكار السلطة ، والقمع والعمالة والاقصاء ، وغير ذلك كثير ، فكل هذه الصفات وغيرها هي بمثابة شجرة العائلة للأنظمة الحاكمة في المنطقة مع الأسف .
أخبار متعلقة :