كلّ ما تحتاجه أن تطلق أفعالك البريئة دون الحاجة إلى التفكير العميق، دون تذكر الإساءات، دون أن تكون محتفظاً في ذاكرتك بأفعال شخصية مشينة قام بها آخرون، دون أن تتردد في الانتصار لنفسك، حتماً إذا أطلقتَ إنسانيتك ستفوز بأشياء كثيرة، أهمها الطمأنينة وراحة البال، سيكون لديك متسع في الوقت والعمر لإضافة كلّ ما يحلو أن تفعله. إنّ أحاديثنا الجانبية الكثيرة مع النفس هي التي تأتي لنا بالمواجع، وتجر علينا الأزمات، لقد حان الوقت الذي يجب أن يتغلب الشخص فيه على ذاته، ويطلق أفعاله دون تردد. كم كانت الحياة بخير حين كان الناس يتعاملون بصدق وعفوية، دون غموض، أو مراقبة، أو رصد للأفعال، كم كان الناس في كامل صحتهم النفسية مطمئنين قبل أن تكون المصالح الشخصية هي المحركة لهم، هذه المصلحة باتت اللغة المشتركة بين كثير من الناس، هي الصخرة التي تتحطم عليها كثير من الإنجازات، لو لم نلتفت لها لخرجت كثير من الأعمال الهادفة إلى حيز النور، واستفاد منها الجميع.
استنصحني طالب مجد في قراءة كتب يمتلك بعدها القدرة على ممارسة الكتابة، فأرشدته إلى كتب الأستاذ الكبير "أحمد أمين" خصوصاً كتابه "فيض الخاطر" ويقع في عشر مجلدات، وكان سرّ اختياري هو تمكنه في وصف الأحدث، والربط بين الموضوعات بلغة سهلة، بعيدة عن التعقيدات، ثم أوقفني بعدها بمدة أحد المهتمين بشأن الكتابة على كلام للأستاذ "علي الطنطاوي"، حيث كان ينصح الطلبة المبتدئين بالإكثار من القراءة للأستاذ "أحمد أمين"، فحمدتُ ربي أنّها من توافق الخواطر.
ليس أحقر من هذا الفعل الشنيع وصاحبه، إيغار صدور المحبين عليك مما يؤدي إلى اتساع الفجوة بينك وبينهم، وعادة ما يكون صاحبه دنيء النفس، ضعيف الثقة بنفسه، وليس أشدّ عليه من الأيام حين تعطي له وجهها الآخر، فيكشف حاله، ويشتهر أمره بين الخاصة والعامة، ويحصل له من الويلات حينئذ الشيء الكثير، يتمنى وقتئذٍ أن لو عاش رجلًا ذا مروءة.
اقتضت طبيعة الحياة أن نلقى الناس في الصباح وفي المساء، وأن نختلط بمجموعهم في المناسبات والظروف الاجتماعية من حين لآخر، في تلك المناسبات العائلية المزدحمة بصنوف من الناس قد تلتقي مع من لا تتفق معهم روحياً أو فكرياً، أقرّ أنني لم أكن أرغب في حضور مناسبات عديدة، كان حيائي يمنعني من التصريح في أوقات كثيرة بذلك، ربما لأن الأمر سيسبب لي أزمة مع الأقارب أو الزملاء، كانت فكرة رفض مثل هذه المناسبات وعدم الحماس لها غريبة حتى أنني لم أكن أحلم بإفشاء سرها لأحد، مما جعلني أثبت وجودي في أيّ مناسبة، حتى إذا ما ذهبت الأعين عني فلا تراني إلا ماشياً في الشارع بمفردي، أو جالساً على الرصيف أتأمل في وجوه المارة، لقد استفدتُ كثيراً من هذه الجلسات، فملأت دفاتري بأفكار وتأملات أوحت لي بها الخروج من الانخراط في المناسبات الاجتماعية التي لا فائدة مرجوة منها، واتصلتُ بالحياة البعيدة في شكلها الطبيعي من أيّ زيف اجتماعيّ.
حقاً لقد حرمتُ ذلك الشغف الذي يحصل حين أتصل بالناس في مجالسهم العامة، هذا ما جعلني أدفع عن نفسي حضور المناسبات الاجتماعية ما استطعت إلى ذلك سبيلًا، وأكاد أن أهرب من أيّ مناسبة أدعى لها قدر إمكاني، لا أفكر في قضية الاعتذار طويلًا، بل أصرفها عني منذ بداية الدعوة، لا أدري سرّ ذلك، لكني في الزاوية الأخرى رزقت تلك الألفة التي تدفع الشخص دفعاً إلى الاندماج مع الآخر عند أولّ لقاء، ويكاد الأمران لا يجتمعان، سرعة الهروب من مناسبات الناس العامة، وسرعة الإقبال على الناس في التواصل اليومي، وعادة ما تحصل لي صداقات متعددة مع أشخاص جرى بيني وبينهم أحاديث جانبية في قطار أو سيارة أو طائرة، وتستمر بيننا المعرفة ردحاً من الزمن.
أخبار متعلقة :