ثمة مواقف هي للتاريخ ، وثمة مواقف هي في وجه التاريخ حاضرة ،وثمة سياسيات تنتج المزيد من المنطق الحضاري و فيه خصوصيات الامم وتتماشي ومنطق التسوية الحضارية للازمات .. لكن في مقابل ذلك هناك سياسيات تأخذ صفة الشاهد في المأساة ، تواري الصواب فيها يشيه الصفقات المنتجة للانهيار . ما يشهده العالم اليوم قائم على هذه الأخيرة ، فالصفقات المبرمة بين " واشنطون "و"الإليزيه" وعشرة" داونونغ " ليست إلا صفقات دموية في أغلب الأحيان ، وهي صفقات مبرمة تحت غطاء مجلس الامن الدولي وأحيانا خارجه ، والوجه القبيح فيها انها ترجع غالبا في تنفيذ هذه الصفقات الى "اوكامبو "المدعي العام للجنائية الدولية وهو أحد عناصر هذه الصفقات من وراء الستار .. حين رفض السودان الانصياع للمصالح الامريكية واتخذ موقفا وطنيا احيل ملفه على المحكمة الجنائية الدولية والى الآن ما زال مطاردا ، وان لم تستجب بعض الدول لمطالبها ، واتهامها بالتسييس ، وكان أن أدين عمر البشير كأـكبر متهم بارتكاب ابادة جماعية في دارفور !! ، والثلاثي المذكور أعلاه هو من كان وراء الأزمات في السودان وخاصة ازمة دار فور وقبلها كان صدام حسين وما لحق بالعراق وشعبه و تحاصر ليبيا ويحال ملف الأزمة فيها الى الجنائية الدولية رغم انها دمرت بحرب إبادة فرنسية حرب اصطنعها "ساركوزي " وقادها خارج الشرعية الدولية لأسباب مالية بالأساس وفرنسا تحصد اليوم الدم جراء ذلك يقو الفيلسوف الفرنسي "ميشال انوفري" اليمين واليسار اللذين زرعا في الخارج الحرب على الاسلام السياسي يحصدان في الداخل حرب الاسلام السياسي".
ولأن القذافي - رحمه الله - رفض حسابات امريكا في المنطقة وحسابات أوروبا ايضا عوقب في النهاية بما يشبه الابادة الجماعية .. بالتاكيد ، لقد يئس سكان العالم الغربي من السياسة التي تمارس منهم ضد العالم العربي فضلا التمييز العنصري الذي يشكل الحلقة الخالدة في مواقف الغرب وفي هذه القضايا بالذات ، لكن الانتفاضات التي تقود اليوم العالم العربي بعد ما عرف مأساة "الربيع العربي "المشئوم ومخلفاته ، كشفت كل عيوب الغرب داخل انظمته وزوايا اركان الحكم فيه ، وأطاحت بمصالحة في المنطقة العربية خاصة بعد صمود سوريا .. فالاستجابة الملفتة لمطالب المنتفضين في مصر ، وتونس ، وبعد سقوط الشعارات الربيع العربي الواحد ة تلوي الاخرى لأنها ليست من صلب القاعدة الجماهريه ، بل هي مهيأة بتعبئة خارجية لم تعد خافية .. والقاعدة التي تقود اليوم وتتمسك بثوابتها ورموزها هي أشد عداء لهذا الثلاثي، نظر للجرائم الذي ارتكبها ضد الشعوب العربية فضلا عن مواقفه ذات الاتجاه العنصري .. اليوم ايضا تبدو الخارطة السياسية الجديدة في الوطن العربي خارطة وطنية سياسيا بالأساس تتحكم فيها أفكار الداخل وتتوارى فيها كليا أفكار الخارج ويتجه الوضع فيها الى ربط محكم بالتاريخ والجغرافيا حفاظا على النسيج الاجتماعي ، وأملا في الخروج من دائرة الأزمات الى الابد .. هذا التوجه لم يرض الغرب ، ولا أمريكا ولا أولئك الذين مازالوا بعد يعتدون بالمواقف الأمريكية والوعود المجحفة منها بإقامة ديمقراطية تتناسب والحكم التناسلي فيها ..ان سياسية التجديف التي تمارها أمريكا على مربعات الموت لا تقبل الرأي الحر ولا تؤمن بالرأي الآخر ، وما يحدث في البحرين شاهد على هذه السياسة ..رئيس وزرائها في الحكم لأكثر من أربعة عقود ويقول هل من مزيد ، وأمريكا تؤيد ...اموال الشعب توزع بالمجان على الاجانب من ذوي النفوذ السياسي في شكل هدايا او في شكل استثمار هش وبعضها يحرق في دور اللهو والمجون ، والشعب البحريني يعيش الذل وربما يتضور بعضه جوعا .. سياسية هي نسيج للوهم وتوزيع للضلال تحت شعار "جلالة الملك و" قداسة السلطان "ولا قداسة إلا لله ..اكيد نحن جميعا امام تحولات هي من صميم حركة التاريخ ومن منطق التطور الحاصر في المجل الفكري والمعرفي ، وان حكاية التخلف من هذين المجالين لم يعد لها وجود في الوطن العربي بعد ان اصبح الغرب كله يستنجد بسرقة الإطارات العربية في ارتهان فاشل ، المقصود منه تعرية المجتمعات العربية من قوة مواردها البشرية ذات التكوين العالي ، وان الباب بعد هذه الانتفاضات لم يعد موصدا امام الرأي والرأي الآخر فيها كما يعتقد الغرب بل ان الحرية التي ستوفرها هذه الانتفاضات ستعيد لكل عالم ولكل مهاجر الحق في ان يكون ضمن منصبه في وطنه خاصة وان الغالبية العظمى منهم تؤمن بان مصيرها مرهون بمصير شعبها وان وجودها في الغرب وجود ظرفي ولأسباب صنعها الغرب نفسه لأوطانهم كي تظل هذه الاوطان رهينة سياسته الاستعمارية .. ان ارهاب الدولية التي ظلت تمارسه أمريكا باسم مجلس الامن والمحكمة الجنائي الدولية ومعها بريطانيا وفرنسا لم يعد مقبولا وربما سيدفع بالكثير من الدول الى الهروب من هذه المحكمة والالتجاء الى الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وحتى مجلس الامن لم يعد مجلسا للأمن بعد ما اضحى مجلسا لإرهاب الدول التي لا تخضع بسياستها للرؤية الغربية والأمريكية على وجه الدقة مما دفع الصين وروسيا الى الاستعمال المزدوج لحق النقض .. وهو ما أعاد الى الاذهان بصورة واضحة هو ان اللعبة الامريكية انتهت .. نحن إذن أمام منعرج جديد المتغيرات فيه لصالح التعددية القطبية وبالتالي ، نحن مطالبون بان نثبت وجودنا مع الصيني والروسي قي المتحرك الجديد وأما العودة الى الوراء والأخذ بالخيال كناطق سياسي لنا ، أوالى تأملات ليست بعيدة عن بوابات فيضانات الإرهاب الشامل وبالتالي نكون أمام حصاد المجهول بدل المعلوم.
أخبار متعلقة :